جماهير تشعر بـ «الوحدة» و «التهميش».. خلطة فيسبوك لكسب ملايين المشتركين!

تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «الأئمة الاثنا عشر»

كتب زيگمونت باومان:

إن مارك زوكربيرج، الذي غادر جامعة هارفارد وهو في العشرين من عمره، قد اكتشف بالمصادفة منجم ذهب، بابتكاره لفكرة الفيس بوك وتطبيقها على شبكة الإنترنت للاستخدام الحصري بين طلاب جامعة هارفارد في شهر شباط/ فبراير من عام 2004.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

ماذا كان ذلك المعدن الشبيه بالذهب الذي اكتشفه هذا الشاب المحظوظ، وقد واصل التنقيب في المنجم، وحقق أرباحاً خيالية مازالت تزداد يوما بعد يوم؟

إن موقع الفيس بوك يصف الفوائد التي لها الفضل في إغراء/ جذب/ إغواء نصف بليون مشترك لقضاء وقت كبير من يومهم على امتداداته الافتراضية يمكن للمستخدمين إعداد ملفاتهم الشخصية، ومعها الصور، وقوائم الاهتمامات الشخصية، وبيانات الاتصال، وغيرها من المعلومات الشخصية، ويمكن للمستخدمين التواصل مع أصدقاء ومع مستخدمين آخرين عبر رسائل خاصة وعامة، إضافة إلى الدردشة الحية، ويمكنهم أيضا أن يؤسسوا مجموعات و «صفحات إعجاب» وأن ينضموا إليها (وهي صفحات كانت تسمى «صفحات المعجبين» حتى التاسع عشر من نيسان/ إبريل من عام ۲۰۱۰)، ويدير بعض هذه الصفحات مؤسسات تستخدمها وسيلة للإعلان.

إن الجيوش الغفيرة من المستخدمين النشطين الذين انضموا إلى صفوف مستخدمي الفيس بوك كانوا يرحبون بحماسة بالوعد الذي قدمه بتحقيق شيئين كانوا يحلمون بهما، ولكن دون أن يعرفوا السبيل إليهما قبل وإلى أن ظهر عرض مارك زوكربيرج لزملائه الطلاب في جامعة هارفارد على الإنترنت وهما:

أولا: لابد أن تلك الجيوش الغفيرة قد شعرت بالوحدة التي تؤرق مضاجعها، ولكنها وجدت أنه من الصعب، لسبب أو آخر، أن تهرب من وحدتها بالوسائل المتاحة. ثانيا، لا بد أن تلك الجيوش الغفيرة قد شعرت بألم الإهمال والإغفال والتجاهل والتهميش والنفي والإقصاء، ولكنها وجدت مرة أخرى أنه من الصعب، بل ومن المستحيل، أن ينتشلوا أنفسهم من عالمهم المجهول المقيت بالسبل المتاحة.

لذا وفي كلتا الحالتين، أتاح مارك زوكربيرج الوسيلة التي كانت تلك الجيوش تفتقدها بشدة، وتبحث عنها من دون جدوى، فقفزت تلك الجيوش على الفرصة، ولا بد أنها كانت مستعدة للقفز عليها كأنها كانت متأهبة ومستنفرة.

«إن الإنترنت لا يسرق إنسانيتنا، بل يعكسها؛ إنه لا يلج في داخلنا، بل يعكس ما بداخلنا».

هكذا يرى روز جوش حالنا مع الإنترنت، ويا له من رأي سديد! فلا تلوم المرسل على ما تجده سيئاً في الرسالة التي أرسلها، ولا تمتدحه على ما تجده حسنا فالأمر يعتمد، في النهاية، على ما يحبه المرء وما يكرهه، وعلى أحلامه وكوابيسه، وعلى آماله وهواجسه، سواء استبشر بالرسالة أو استيأس منها، وما ينطبق على الرسائل والمرسلين ينطبق في بعض الأوجه على عروض الإنترنت، وعلى «مرسليها»، من يعرضون العروض على شاشاتنا ويجذبون انتباهنا إليها، وفي هذه الحالة، فإن استخدامات تلك العروض التي نستغلها، نحن -المستخدمين النشطين- للفيس بوك، الذين بلغ عددنا النصف بليون نسمة، هي التي تحدد حسنها أو سوءها، وحسن تأثيرها في حياتنا أو سوءه، ونفعها أو ضررها؛ فالأمر برمته يعتمد على ما نريد، فالأدوات التقنية تجعل تطلعاتنا أكثر واقعية أو أقل واقعية، وبحثنا أسرع أو أبطأ، وأكثر فاعلية أو أقل فاعلية.

المصدر: كتاب المراقبة السائلة