كبدٌ وكرم!

عندما يمرّ وصف كَرمِك نستذكر الفقراء والمساكين واليتامى والعبيد، وأياديك الحانية عليهم، التي فاقت كل أوصاف الكرم وفروعه ومدَياته، لكنك كريمٌ بشيء آخر، غير الصدقات والأموال والعطف والرحمة.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

"عندما دخل أخوك الإمام الحسين يوما ونظر إليك بكى!

فقلت له: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟

قال: أبكي لما يصنع بك. 

فقلتَ له: إن الذي يؤتى إلي سم يدسّ إليّ فأُقتل به، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدعون أنهم من أمة جدنا محمد صلى الله عليه وآله وينتحلون دين الاسلام، فيجتمعون على قتلك وسفك دمك، وانتهاك حرمتك، وسبي ذراريك ونسائك، وانتهاب ثقلك، فعندها تحل ببني أمية اللعنة، تمطر السماء رمادا ودما، ويبكي عليك كل شئ حتى الوحوش في الفلوات، والحيتان في البحار."¹

فأنت كريمٌ بعزائك، كريمٌ بالدمع عليك... أكبرت دموع أبي عبد الله، هوّنت يومك بيومه العظيم ثم وجّهت كلّ حزنٍ لمصيبته فقلت لا يوم كيومه.

"وعندما أخذ السمّ في بدنك مأخذاً كبيراً، وكان رأسك في حجر الحسين عليه السلام، وأنت تقذف بين الحين والآخر أحشاءك في الطشت قطعة قطعة... وبينما أنتما كذلك، وإذا بالعقيلة زينب، وباقي الهاشميّات، جئن لعيادتك، فالتفتّ الى الإمام، وقلت له: «أخي، أبا عبد الله، نحِّ هذا الطشت عنّي، لئلّا تراه أختنا زينب" ³

فأنت كريم بالجزع لكبدك المسموم، تعلم ماذا سترى زينب، فلم تشأ أن يكون كبدك فوق جبال مصائبها، سوف تكفيها رؤية الرؤوس المشالات ونجيع الدماء الزاكيات، سوف تمتلئ عيني زينب بالدم، لا تريدها أن ترى سيَلان الدماء إلا في الطف.

قتلوك ولم تنتهي أحقادهم عليك حتى رموا بالسهام لحدك، فشقّت كفنك ولامست صدرك الشريف، لكنك عهدت بعهدٍ الى سيد الشهداء قاله بعدما كادت الفتنة أن تقع: "والله، لولا عهدُ الحسن إليَّ بحقن الدماء، وأن لا أُهريق في أمره محجمة دم، لعلمتم كيف تأخذ سيوفُ الله منكم مأخذها؟ وقد نقضتم العهد بيننا وبينكم، وأبطلتم ما اشترطنا عليكم لأنفسنا"³

فأنت كريم بالثورة من أجلك، بهرير السيوف غضباً لمنع دفنك قرب جدّك، تمهيداً لثورة أبي عبد الله. 

ولا أدري هل أنت كريم بقبتك ومنارتك أيضاً؟! لأجل الحسين أم لأمّك؟!

هوامش:

1ـ الأمالي، الشيخ الصدوق، ص177، 178.

2ـ عدة الخطيب، ج١، ص١٠٢

3ـ الإرشاد، المفيد، ج٢، ص١٩.

قمتُ بالتغيير الى ضمير المخاطب في الروايات.