هل نحن متدينون حقاً؟!

هناك من يتصور أن الدين هو تلك الأمور العبادية، أو الاعتقادية فقط، وهذا وإن كان صحيحاً بمعنى أنه يشكل جانباً من الدين إلا أنه لا يعتبر مقياساً للتدين؛ فقد وجدنا أكثر طغاة المسلمين لا يمتنعون عن الصلاة! ورأينا الكثير منهم يستشهدون بآيات القرآن وما شابه، ورأينا الكثير من عامة الناس يمارسون هذه العبادات.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

فهذا هو الحج بين يديك، ملايين البشر، وتلك هي الزيارات كذلك، ولكن هل هذه تشكل مقياسا للتدين؟

يرى العلماء أن مقياس التدين كامن في مدى تأثر الشخص بالفكرة الدينية، وتطبيق حياته على وفقها، حتى في العقائد، فإن من يعتقد بالآخرة ويوم الجزاء يفترض أنه يفر مما يوجب النار ويقترب مما يقرب للجنة، وأن صلاته يفترض أن تنهاه عن ممارسة الفحشاء، والارتطام بالمنكر.

ما هي من علائم عدم التدين الكامل؟

1.المراجعة إلى المحاكم المختلفة عن المذهب، في الأمور الخلافية (قضية التعصيب، قضية عدم الوصية للوارث، إرث الزوجة من الأرض، تملك ما هو موقوف بشهود الزور، طلاق من غير شروط صحيحة).

2. ظلم من هم تحت أيدينا:

إحداهن تقول: عمري الآن 53 سنة بعدما توفي والدي منذ 27 سنة، وتولى أخوتي أمري، وكنت موظفة، وبقيت أصرف على البيت، ولم يتقدم لي غير شخص كان مع أبي عاملاً ولكنه من بلد آخر، الأمر الذي رفضه اخواني وأمي بزعم: ماذا نقول للناس؟

وهكذا تقدمت في العمر حتى صرت في أواخر الثلاثينات، وهو يتقدم وهم يرفضون!

المرة الوحيدة التي أبدى فيها أخوتي القبول جابعتني أمي بعدها في اليوم التالي برفضها، فضاعت مني الفرص تلو الفرص وها أنا أفقد فرصتي في الأمومة وسماع صوت الطفل وكل ذلك حتى لا أغضب أمي الكبيرة في السن ماذا أصنع.

أقول أي ظلم أشنع من هذا؟

وكذلك الشاب الذي أعطته زوجته مهرها ليستعين به، ثم حصل بينهما خلاف، وعندما طلبت منه الطلاق طلب منها مثل مقدار المهر ليطلقها!

وأسوأ منها الأم التي زعلت من ابنتها عندما حجبت شيئا من راتبها لتدخره لأمور زواجها ومستقبلها ولم تقبل الأم بذلك، فأقسمت أن لا تكلمها حتى أصيبت البنت بمرض السرطان! وفي المستشفى توسلت بهم أن يقنعوا أمها لكي تراها البنت! يقول أحدهم تكلمت معها بنحو لو كان الجدار يسمع ويستجيب لاستجاب ولم تستجب إلى أن ماتت البنت تلك!

أي قسوة أكثر من هذا؟

وكذلك الميراث: الأب يتوفى، والأولاد صغار، يرثون شيئا كثيرا وأراضي، ويصرف عليهم العم حتى إذا بلغوا سألوا عن ميراثهم، فقال : ما صرفته عليكم أكثر من ميراثكم!

 

٣. السطو على أموال الغير بمجرد التمكن مثل اختلال في النظام، وأحيانا حتى مع عدم الاختلال، فلو نظرنا الى مواقف قسم من الناس: تنقلب سيارة محملة بالبضائع، وبدلا من أن يأتي هؤلاء ليساعدوا المنكوب على نكبته تجد بعضهم يأخذ ما تفرق وكأنه حلال زلال! وأما حين الخلل في النظام الاجتماعي فالأمر أوضح، رأينا في قسم من الانتفاضات كيف أن أصحاب هذه الانتفاضة يحملون الكراسي والطاولات من الدوائر العامة أو يسيطرون على السيارات وكأنهم في ذلك يكررون فعل الطاغوت الذي سرق البلاد بالملايين وهم يسرقون الفتات؟

في بعض البلاد التي وصل فيها حاكمون جدد إلى السلطة فإذا بهم وهم من المفروض أنهم كانوا في المعارضة والفقر، وجاؤوا من ذلك الواقع وكانوا يسمعون أو يتحدثون حتى عن زهد علي بن أبي طالب وإذا بهم: (يخضمون مال الله خضمة الابل نبتة الربيع) بقانون وغير قانون، ويقررون راتباً اسطوريا لكل نائب لم يحصل في تاريخ البشر! هذا هو الدين؟

4. عدم الوفاء بالتزامات العقود، والتي تصل أحيانا إلى حد السرقة: مثل ما يمارسه بعض ملاك الحملات مع حجاجهم من إعطاء وعود كبيرة يقوم العقد على أساسها، ثم لا يفون بذلك.

الحاجة إلى التفكير من جديد في فهم الدين، هل الدين هو هذه المظاهر العبادية؟ أو أنه منظومة كاملة من العبادة والأخلاق والفقه؟

الحاجة إلى التفكير في أهمية معرفة الناس لحقوقهم ومطالبتهم بها، (التثقيف الفقهي، والزوجي والقانوني).

الحاجة لتعلم الناس أمر التقاضي في الحقوق مع العجز عن حل المسائل وديّاً.