لماذا يُعظِّمُ الشيعة شهر شعبان؟

​لماذا يتعاهَدُ الشيعةُ شهرَ شعبان؟ فيصومونه أو أياماً منه، ويقومون فيه أو لَيَاليَ منه.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

لماذا امتازوا عن غيرِهم من المسلمين في الإهتمام به، وان اتّفقوا جميعاً على استحباب صيامه، كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله يكثر من صيامه؟!

إنّ للشيعة في كثرة الاهتمام به وتعظيمه وصيامه وقيامه ثماراً عدّة تستحقُّ أن تُذلَّ لأجلها الصعاب..

الثمرة الأولى: زيارة آل محمد في الجنة!

ورد في الحديث الشريف عن الصادق عليه السلام في صوم شهر شعبان:

مَنْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ زَارَ الله فِي عَرْشِهِ مِنْ جَنَّتِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ! (فضائل الأشهر الثلاثة ص57)

لكنّ الله لا يُرى ولا يحلُّ في مكانٍ، فكيف يزورُ المؤمنُ الله تعالى في عرشه؟!

ههنا قاعدةٌ عامّةٌ في فهم القرآن والحديث، أنّ الله تعالى لمّا ينسِب لنفسه من الصفات ما لا يكون في الخالق، يكونُ هذا الوصفُ مُؤَوَّلاً بأوليائه، كما قال تعالى: (فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ)، وفسَّرَها الإمام الصادق عليه السلام بقوله:

إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَأْسَفُ كَأَسَفِنَا، وَلَكِنَّهُ خَلَقَ أَوْلِيَاءَ لِنَفْسِهِ يَأْسَفُونَ وَيَرْضَوْنَ، وَهُمْ مَخْلُوقُونَ مَرْبُوبُونَ، فَجَعَلَ رِضَاهُمْ رِضَا نَفْسِهِ، وَسَخَطَهُمْ سَخَطَ نَفْسِهِ.. فَكُلُّ هَذَا وَشِبْهُهُ عَلَى مَا ذَكَرْتُ لَكَ، وَهَكَذَا الرِّضَا وَالْغَضَبُ وَغَيْرُهُمَا مِن‏ الْأَشْيَاءِ مِمَّا يُشَاكِلُ ذَلِكَ (الكافي ج‏1 ص144)

إذا تبيَّنَ ذلك، فإنّ زيارة الله تعالى في عرشه (من جنَّته) هي زيارة أوليائه عليهم السلام، وهم بالمحلّ الأعلى من الجنان يوم القيامة.

فمَن صام ثلاثة أيام من شهر شعبان زار الله في عرشه كلَّ يوم، أي زارَ محمداً وآل محمد في جنّتهم كلَّ يومٍ، لأنّهم أكمَلُ أولياء الله تعالى، وأرفعهم وأشرفهم، وهم سُبُلنا إلى الله وطريقنا إليه.

ولذا قال الشيخ الصدوق رحمه الله:

(زيارة الله عز و جل زيارة حجج الله تعالى، مَن زارهم فقد زار الله، ومن‏ يكون له في الجنة من المحلّ ما يقدر على الارتفاع إلى درجة النبي والأئمة صلوات الله عليهم حتى يزورهم فيها فمحلُّه عظيم) (فضائل الأشهر الثلاثة ص58)

الثمرة الثانية: مَحَبَّةُ الله للصائم وإكرامه يوم القيامة

عن أمير المؤمنين عليه السلام: مَنْ صَامَ شَعْبَانَ مَحَبَّةَ نَبِيِّ اللَّهِ (ص)، وَتَقَرُّباً إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَحَبَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَرَّبَهُ مِنْ كَرَامَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوْجَبَ لَهُ الْجَنَّةَ (فضائل الأشهر الثلاثة ص61).

ههنا شرطان لهذا الثواب:

أوَّلُهما أن يكون الصيامُ محبةً للنبي (ص)، لأنّ الشهر شهره.

والثاني أن يريد بذلك التقرُّب من الله تعالى.

فإنّ الله تعالى يُحِبُّ العبدَ المُتَّبِعَ حقاً للنبي (ص) وآله، بل إنّ حُبَّه تعالى للعبدُ مشروطٌ بحبِّ آل محمد.

ولمّا حقَّقَ الشيعيُّ هذا الشرط سعى لنيل ذلك الثواب العظيم، وقد روي عن رسول الله (ص) قوله:  أَمَا وَاللَّهِ لَا يُحِبُّ أَهْلَ بَيْتِي عَبْدٌ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نُوراً حَتَّى يَرِدَ عَلَيَّ الْحَوْضَ، وَلَا يُبْغِضُ أَهْلَ بَيْتِي عَبْدٌ إِلَّا احْتَجَبَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (شواهد التنزيل لقواعد التفضيل ج‏2 ص310).

وجزاء هذا الصيام: وَقَرَّبَهُ مِنْ (كَرَامَتِهِ) يَوْمَ الْقِيَامَةِ.. فمَن هم المكرَّمون يوم القيامة؟ الذين يكون مكان هذا الصائم قريباً منهم؟!

لقد وصف الله تعالى في كتابه ثلاثَ فئات بأنهم (مُكْرَمُونَ):

الفئة الأولى: الرُّسُل الذين يوحى إليهم فقال فيهم: (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ)

الفئة الثانية: عبادُ الله المخلَصين، فقال فيهم: (وَهُمْ مُكْرَمُونَ)

الفئة الثالثة: الذين هُم على صلاتهم يحافظون فقال عنهم: (أُولئِكَ في‏ جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ)

ومن صام شهر شعبان محبةً للنبي (ص) وكان متَّبعاً له ولآل بيته كان مقرَّباً مِن كرامة الله يوم القيامة! قريباً من عباد الله المخلَصين وأنبيائه المرسلين..

الثمرة الثالثة: الصيام طهورٌ من الزلات!

عن الإمام الباقر عليه السلام: مَنْ صَامَ شَعْبَانَ كَانَ لَهُ طَهُوراً مِنْ كُلِّ زَلَّةٍ (من لا يحضره الفقيه ج‏2 ص92)

فصارَ الصيامُ كالماء الطَهور، تُغسَلُ به الأدران والزلّات..

ما أعظمك يا شهر رسول الله..

مَن صام أوّل أيامك: وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ الْبَتَّةَ..

ومَن صام ثلاثاً منك.. زارَ النبيَّ صلى الله عليه وآله وعترتَه الطاهرة في الجنّة كلّ يوم!

ومَن صامك أحبَّهُ الله وقرّبه من كرامته يوم القيامة..

وهل من كرامة أعظم من القرب من محمدٍ وآله؟! والكون معهم يوم الجزاء؟!

فكيف لا يعظِّمُ الشيعة هذا الشهر.. ولتعظيمه هذا الثواب، وفيه ولُدت أنوارٌ ثلاثةٌ من شهداء كربلاء.. وَزَيْنُ عُبّاد السماوات والأرض، وإمامُ الشيعة المهدي المنتظر..

نحيي أمرَهم فيك يا شهرَ الرسول، ونُعَظِّمُ أمرك.. فنُوَفَّق لزيارتهم في الجنة كلَّ يوم.. وهذا غاية المنى.

ثبّتنا الله على ولايتهم، وحشرنا في زمرتهم، ورحم أمواتنا بحقهم.