يُدفن معك وهو حي: ماذا تعرف عن ’القرين’ وما علاقته بـ ’الروح’ ؟

تُستَعمَل مفردة القرين في اللغة في عدّة معانٍ منها صاحبك الذي يرافقك، أو أيّ شيء يلازم شيئاً آخر فهو قرينه، ومنها الشدّة والأمر العظيم الذي يصيب الإنسان ويقترن به، وتسمى الزوجة قرينة والزوج قرين وتُستعمَل هذه المفردة في معانٍ أخرى كثيرة مرجعها إلى الاقتران بمعنى المرافقة والمصاحبة.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

قال الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت175هـ): " القرين: صاحبك الذي يقارنك، وقوله - عز وجل: ( مقترنين) (1) أي متقارنين. وتقول: فلان إذا جاذَبته قرينتُه و قرينُه قهَرها أي إذا قُرنت به الشديدة أطاقها وغلبها، إذا ضُم إليه أمرٌ أطاقَه، قال عمرو:

متى نشدد قرينتنا بحبل * نجد الحبل أو نقص القرينا (2)

و قرينة الرجل امرأته.

و أقرنت لهذا البعير أو البرذون أي أطعته، اشتُق من قولك: صرتُ له قريناً أي مطيقاً، ومنه قوله تعالى: (ما كنّا له مقرنين) أي مطيقين " (3).

وجاء في الفروق اللغوية: " الفرق بين الصاحب والقرين: أن الصحبة تفيد انتفاع أحد الصاحبين بالآخر ولهذا يستعمل في الآدميين خاصّة فيُقال صحب زيدٌ عمراً وصحبه عمرو، ولا يقال صحب النجمُ النجمَ أو الكونُ الكونَ، وأصلُه في العربيّة الحفظ، ومنه يُقال: صحبك الله، وسِر مصاحباً أي محفوظاً وفي القرآن " ولا هم منا يُصحَبون " أي يُحفَظون وقال الشاعر:

* وصاحب من دواعي الشر مصطحب *

والمقارنة تفيد قيام أحد القرينين مع الآخر ويجري على طريقته وإن لم ينفعه ومن ثمّ قيل قِرَان النجوم، وقيل للبعيرين يُشدّ أحدهما إلى الآخر بحبل قرينان فإذا قام أحدهما مع الآخر لبطشٍ فيهما قرنان فإنّما خُولِف بين المثالين لاختلاف المعنيين والأصل واحد " (4).

وقد يأتي القرين بمعنى النظير، قال الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) (ت460هـ): " والصاحب والقرين متقاربان غير أنّ القرين فيه معنى النظير، وليس ذلك في الصاحب فلذلك قيل: أصحاب رسول الله، ولم يقل قرناؤه " (5).

القرين في اصطلاح القرآن والحديث

وردت عدة استعمالات مفردة (قرين) في القرآن الكريم وكذلك في السنّة الشريفة، ولكنها تدور من حيث المعنى مدار المعنى اللغوي آنف الذكر، وقد أحصينا منها:

أ‌- الشيطان المُقيَّض لغواية الإنسان

حيث وردت عدّة نصوصٍ يمكن استفادة ذلك منها ولعلَّ هذا هو المعنى الرائج والمتداوَل بين الناس والكتّاب لمفردة القرين ومن تلك النصوص قوله تعالى: (وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا) (سورة النساء/ 38)، وقوله تعالى: (وَمَن يَعشُ عَن ذِكرِ الرَّحمَنِ نُقَيِّض لَهُ شَيطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ) (الزخرف: 36 - 38)، و قوله تعالى: (قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطغَيتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) (سورة ق: 27).

ويظهر من آيات سورة الزخرف أنَّ هذا القرين الشيطان إذا أطاعه الانسان ومكَّنه من نفسه وتابعه في وساوسه فهو في هذه الحال لن يفارق صاحبه حتى في البرزخ بل وفي يوم القيامة أيضاً إذ يمكن أن يُفهَم ذلك من قوله: " يا ليت بيني وبينك بُعدَ المشرقين. . . " (6).

وروى أبناء العامّة في صحاحهم عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: " ما منكم مِن أحدٍ الّا وقد وُكِّلَ به قرينه من الجنِّ قالوا وإيَّاك يا رسول الله قال وإياي الّا أنَّ الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني الا بخير " (7).

ب‌- الملك الموكّل بكتابة الأعمال

لمّا كان الملَكان الموكلان بكتابة حسنات وسيئات الإنسان مرافقان له مقترنان به في حِلِّه وترحاله عبّر النص القرآني عنهما بـ (القرين) حيث قال تعالى: ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ * وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ ) (سورة ق / 20 – 23 ). حيث أنّ اسم الملكين المباركين اللذين أوكل الله تعالى لهما حفظ أعمال الانسان (رقيب وعتيد) فأمّا (رقيب) فقد أُوكِلَ إليه حفظ الحسنات وأمّا (عتيد) فأُوكِلَ إليه حفظ السيئات.

ت‌- عمل الانسان

لمّا كان عمل الإنسان يرافقه (يلازمه) حيّاً وميّتاً ورد في بعض النصوص استعمال مفردة (قرين) فيه كما في النصّ الذي رواه الشيخ الصدوق بسنده إلى قيس بن عاصم عن النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله) قال: " وإنّه لابدّ لك يا قيس من قرين، يُدفَن معك وهو حيّ، وتُدفن معه وأنت ميّت، فإن كان كريماً أكرمك، وإن كان لئيماً أسلَمَك، ثمّ لا يُحشر إلاّ معك، ولا تُبعث إلاّ معه، ولا تسأل إلاّ عنه، فلا تجعله إلاّ صالحاً، فإنّه إن صلح آنستَ به، وإن فسُد لا تستوحش إلّا منه، وهو فعلك " (8).

ث‌- الصاحب من الإنس

أي كما استُعمِلَت مفردة (القرين) في القرآن الكريم استُعمِلَت في الصاحب من الإنس أيضاً وذلك في قوله تعالى: ( فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ * قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ ) (سورة الصافّات / 50 – 55). فقوله: (كان لي قرين) أي كان له صاحب من الإنس لا يفارقه.

ج‌- النفس الأمارة بالسوء

لّمّا كانت النفس الأمّارة بالسوء ملازمة للإنسان ذهب بعض الأعلام إلى أنّها هي الشيطان القرين، قال السيّد مصطفى الخمينيّ (رحمه الله): " إنّ النفس من أسوأ الأعداء وأشد الخصماء وألدّ الخصام، وأنّها أمارة بالسوء إلّا ما رحم ربّي، وأنّها المنافق الحقيقي، وهي الشيطان القرين، وساء قريناً، ولا تريد ولا تقصد إلّا أن تصل إلى آمالها وأمانيها بهتك حُرمات الله، وهدم السنن والشرائع الكليّة العامّة والشخصيّة الخاصّة في قلبك، فاستعن بالله العزيز، واصبر ( واستعينوا بالصبر والصلاة ). . . " إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى (9).

والكلام هنا متعلِّق بالقرين بالمعنى الأوّل أي الشيطان الذي يوسوس للإنسان، ولكلّ إنسانٍ شيطانٌ بهذا المعنى، ولكن يجدر بنا ههنا التنبيه على أمرٍ في غاية الأهميّة وهو أنّ هذا الشيطان ليس له أيّ سلطةٍ على الإنسان سوى الوسوسة قال تعالى: ( وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ ) (سورة إبراهيم / 22) فهذه الآية صريحة في أنّ الشيطان ليس له من قدرة على فعل شيء سوى الوسوسة لذا يجب الحذر من المشعوذين ومن على شاكلتهم من الذين يرتزقون على الأكاذيب في هذا المجال فيمنحون الشيطان قدرة وأفعالاً ليس له طاقة بها.

هل لنا يد في التأثير على القرين أو اختياره؟

ظاهر النصوص أنّ لكلّ إنسانٍ قرين من الشياطين يوسوس له بغية حرفه عن المسار الصحيح وبملاحظة هذه الوسوسة بالإضافة إلى النفس الأمّارة امتازَ الإنسان عن الملائكة بما هي عقلٌ محضٌ مجبول على الطاعة، وصار الإنسان بما أُعطِيَ من عقلٍ وحكمة مدعوُّاً إلى مجابهة نفسه الأمّارة ووساوس الشيطان، وهذا المقدار (أي أصل وجود قرين من الشياطين لكلّ إنسان) ليس لنا يدٌ فيه ولا قدرة على تغييره لأنّه جزءٌ من توازن أطراف نظام عالم التكليف الذي أبدعه الله تعالى ليستحقّ الإنسان الثوابَ على مجاهدة نفسه الأمّارة وشيطانه والعقاب على مطاوعتهما ومخالفة عقله وشريعته، قال تعالى: ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) (سورة الشمس / 7 – 10) وقال سبحانه في شأن الشيطان: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ) (سورة البقرة / 208).

ويبقى السؤال المهمّ والذي هو: ما هو دور الإنسان إزاء كلّ ذلك ؟

الجواب: قال شيخ الطائفة الشيخ محمّد بن الحسن الطوسي (قدّس سرّه) (ت460هـ): " ويمكن الإنسان الانفكاك من مقارنة الشيطان بالمخالفة له، فلا يعتدّ بالمقارنة " (10).

فدور الإنسان إذاً يَكْمُن في مواجهته لوساوس الشيطان ودحره بما زوده الله تعالى به من عقلٍ وحكمة وشرائع كفيلة بتمكينه من قهر الشيطان بمخالفته حتى يكون وجوده كعدمه من حيث التأثير على سلوك الإنسان وأفعاله، ويدلّ على هذا قوله تعالى: ( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ ) (سورة النحل / 98 – 100).

وعلى ضوء ذلك يتضح المراد بما نقلناه آنفاً من حديثٍ عن النبي (صلى الله عليه وآله): " إنَّ الله أعانني عليه فأسلَم " أي أنّ الهيمنة على هذا القرين وإيقاف مفعوله بما يُفضي إلى تسليمه واستسلامه أمرٌ ممكنٌ للإنسان إن استعان بما زوّده الله تعالى به من عقلٍ وحكمة وشريعة ؛ إذ ليس للشيطان سلطة في غواية العباد المخلصين.

ويُشير القرآن الكريم في موضع آخر إلى هذه الحقيقة أيضاً – أنّ الشيطان القرين ليس له إلّا الوسوسة – حيث قال عزّ وجلّ: ( قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَٰكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ) (سورة ق / 27) فالإنسان هو الذي يتلقّى وسوسة الشيطان القرين باختياره، قال العلّامة الطباطبائي في تفسير هذه الآية: " ( قال قرينه ) أي شيطانه الذي يُصاحبه ويغويه ( ربنا ) أضاف الرب إلى نفسه والانسان الذي هو قرينه لأنهما في مقام الاختصام ( ما أطغيته ) أي ما أجبرته على الطغيان ( ولكن كان في ضلال بعيد ) أي متهيئا مستعدا لقبول ما ألقيته إليه تلقاه باختياره فما أنا بمسؤول عن ذنبه في طغيانه " (11). فلو أنّ الإنسان اختار عدم مطاوعة وسوسة هذا القرين واستعان بالله تعالى على ذلك لما كان ثمّة منفَذ له إلى قلب الانسان.

الفرق بين القرين والروح

الروح هي رقيقة أو لطيفة ربانيّة شأنها الحياة ومصدرها عالَم الأمر، قال تعالى: ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ) (سورة الإسراء / 85)، والكلام في حقيقة الروح شبه متعذّر وللخلاف فيه باب واسعة وسبق أن استقصينا بعض جوانبه في الموضوع الذي على هذا الرابط: (الفرق بين النفس والروح).

وخلاصة ما يمكن قوله أنَّ الروح هي من يبثّ الحياة في الجسد وبانفصالها عنه يخمد ويموت، وبالتالي هي ليست شيئاً منفصلاً عن الإنسان بل هي مقوِّمة له وتُمثّل الجزء الأهمّ من حقيقته وواقعه.

وأمّا القرين فبناءً على ما تقدّم بيانه من أنَّه شيطانٌ يوسوس للإنسان بُغيَة غوايته وصدّه عن سبيل المعروف والخير، فهو كائن خارجي منفصلٌ عن الانسان ولا مدخلية له في حقيقة الانسان وماهيته، وإنّما هو وجود خارجي مستقل له نحو من أنحاء القدرة على الوسوسة والتخييل لا أكثر من ذلك.

هذا ما تيسّر والله تعالى وليّ التوفيق.

المصدر: مدونة صدى النجف

الهوامش

(1) من قوله تعالى: أو جاء معه الملائكة مقترنين سورة الزخرف الآية 53.

(2) هامش: البيت لعمرو بن كلثوم في التهذيب واللسان والسبع الطوال ص 408 والرواية فيها: متى نعقد قرينتنا بحبل. . .

(3) العين، الخليل الفراهيدي: ج5، ص142.

(4) الفروق اللغوية، تنظيم الشيخ بيت الله بيات: ص308.

(5) التبيان في تفسير القرآن، الشيخ الطوسي: ج4، ص394.

(6) يُنظَر: تفسير الميزان، السيد الطباطبائي: ج8، ص30.

(7) صحيح مسلم، مسلم النيسابوري: ج8، ص139.

(8) الخصال، الشيخ الصدوق: ص114.

(9) تفسير القرآن الكريم، السيد مصطفى الخميني: ج3، ص547.

(10) التبيان في تفسير القرآن، الشيخ الطوسي: ج3، ص198.

(11) تفسير الميزان، العلامة الطباطبائي: ج18، ص352.