تحريف القرآن: ’’فصل الخطاب’’ .. خطيئة كاتب أو خطأٌ في الكتاب!

تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «موقع الأئمة الاثني عشر»

تقوم تهمة الشيعة بتحريف القرآن على مبرّرين، وتستند إلى أمرين لا ثالث لهما:

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

الأول- الأحاديث والروايات المتواترة، وكما لا يخفى، فإنّ التواتر يثبت الصدور، ولا شأن له لا بالدلالة، ولا بجهة الصدور، كما سيتبيّن.

الثاني- تصريحات بعض العلماء، بل تصنيفهم كما وقع من المحدّث النوري(ت1320هـ) في تصنيفه لكتاب: فصل الخطاب...!

 ومسألة التحريف تعتمد أولاً وأخيراً على تحرير المصطلح، وتنقيح دلالة اللفظ، من حيث إنّ هذا اللفظ (التحريف) قد يطلق على معنى لا يختلف اثنان على تحقّقه في كتاب الله تعالى، ومن ثمّ نقول: إنّ منشأ التشنيع، وسبب مؤاخذة الشيعة لا يخلو من أمرين:

فإمّا هو استعمال اللفظ (التحريف) واطلاق هذا المصطلح، فمضافاً إلى أنّ أمر الألفاظ هينٌ، فقد استعمله كبار علماء أهل السنة، فخذ مثلاً: صاحب فيض الباري الذي كتب قائلاً: "والذي تحقَق عندي أن التحريفَ فيه (القرآن) لفظيُّ أيضًا.. " .(الكشميري الهندي- فيض الباري على صحيح البخاري ج4 / 98).

أو أنّ الأمر يعود لمعنى التحريف، فعندها فلابد من تنقيح مدلوله وتحرير معناه قبل استعماله، فإنّ الحكم على الشيء قبل تصوره؛ باطلٌ عقلياً و عقلائياً، وعليه: تختلف المواقف منه باختلاف معناه، ذلك أنّ مفهوم "تحريف القرآن" له ستة معانٍ أو تزيد، ولا أريد اجترار ما قد فصّله الأعلام في هذا الشأن (فراجع مثلاً: البيان للخوئي، ص196)، وإنّما الشأن كلّه في تحقيق أمرين بإيجاز:

الأوّل- أنّ اجماع أهل السنة قائم على التحريف بالزيادة والنقيصة.

 والمقصود بالزيادة أن بعضاً مما في المصحف ليس من كلام الله عزّ وجل ووحيه المنزل على نبيه (ص)، كأن يقال بزيادة سورة، أو آية ، أو جملة أو كلمة أو حتى حرف، وهو أوضح مظهرٍ لعنوان: تحريف القرآن، وعلى الرغم من الأدلة القاطعة على نفيه وبطلانه، و اجماع المسلمين (نظريّاً) على انكاره، وخلو روايات أهل البيت وأقوال علماء الشيعة منه اطلاقاً وقولاً واحداً، يقول الصدوق (ت381هـ): اعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيه محمد (ص) هو ما بين الدفتين، وهو ما في أيدي الناس... ومن نسب إلينا أنا نقول إنه أكثر من ذلك فهو كاذب. (الاعتقادات،ص84)، بيد أنّ أهل السنة والجماعة يروون أحاديث صحيحة تفيد وقوع هذا النوع من التحريف، ومن أوضحها ما جاء من أخبار في المعوّذتين، فقد روى البخاري عَنْ زِرٍّ بن حُبيش قَالَ: سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ قُلْتُ: يَا أَبَا الْمُنْذِرِ! إِنَّ أَخَاكَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ أُبَيٌّ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِي: ((قِيلَ لِي فَقُلْتُ))، قَالَ: فَنَحْنُ نَقُولُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ!!! ( صحيح البخاري، ح 4977)، وقد حلّ هذا الحديث المطلسم ابن حجر وكشف ابهامه قائلاً:" هَكَذَا وَقَعَ هَذَا اللَّفْظ مُبْهَمًا، وَكَأَنَّ بَعْض الرُّوَاة أَبْهَمَهُ اِسْتِعْظَامًا لَهُ...كَانَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود يَحُكّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ مِنْ مَصَاحِفه، وَيَقُول: إِنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنْ كِتَاب اللَّه ..."( فتح الباري 8/ 742).

وأمّا التحريف بالحذف و النقصان، فغُلّف عند عامة أهل السنة  تحت شعار "النسخ"، في مغالطة واضحة تُعرف بـ : (اعطه اسماً، ودعه يمرُّ، بنحت مصطلح جديد)، فاستُبدل مصطلح التحريف بمصطلح "النسخ"، وبالخصوص: نسخ التلاوة دون الحكم، من قبيل: آية الرجم الواردة في الصحيحين: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة..)، أو مع الحكم، ومثاله قول عائشة: (كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخ بخمس معلومات يحرمن) فالجملة الأولى منسوخة في التلاوة والحكم، أما الجملة الثانية فهي منسوخة في التلاوة فقط، فهذان القسمان من النسخ هما عين القول بالتحريف بالنقصان، وهذا مع سابقه يفضيان للقول بالتحريف في أجلى صوره: الزيادة والنقصان! وهما منفيان في مذهب أهل البيت جزماً..!

الثاني- التحريف في روايات الشيعة وعلمائهم

وبالعودة لما جاء في مقدمة المقال، يتوجب الان تفكيك ذينك المبررين:

1ـ أمّا الروايات، فينصّ الأعلام على تواتر مجموع أحاديث التحريف، وحكمهم هذا غير مجانب للصواب، غير أنّ الكلام ليس عن صدورها ليقال بناءً على تواترها: إنكم تعتقدون بالتحريف! وإنّما عن مضمونها ودلالتها، وعن معنى التحريف فيها، فالصدور شيء والمضمون شيءٌ آخر، فمثلاً: يتفق كلّ المسلمين على تواتر حديث الغدير أو الثقلين..، لكنّهم لا يقرّون  لأهل البيت بالإمامة،  ليس لأنّهم يُنكرون صدور الحديثين؛ بل لأنّهم يختلفون في مضمونه ودلالته ومعناه، فهكذا الحال في روايات التحريف، فقسمٌ كبير منها يتحدث عن التحريف المعنوي وهو ثابت بلا ريب، وإلا فلا معنى لتعدد التفاسير، واختلاف المسلمين، كتلك التي تضمّنت التحريف بلفظه مثل: "أصحاب العربية يحرفون كلام الله عز وجل عن مواضعه" وقسمٌ آخر من الروايات تطلق لفظ القرآن أو التنزيل على التأويل والتفسير، مثل: "نزل جبرئيل بهذه الآية على محمد - ص - هكذا: وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا – في علي - فأتوا بسورة من مثله "، أو التي الرواية تقول: "لو قرئ القرآن - كما أنزل - لألفينا مسمين"، وفي هذا السياق يقول المفيد(ت413هـ) : وقد يسمّى تأويل القرآن (قرآناً) قال الله تعالى: (وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) [طه : 114] فسمّى تأويل القرآن قرآنا، وهذا ما ليس فيه بين أهل التفسير اختلاف (أوائل المقالات،ص82)، وعلى هذا المعنى يحمل الخبر الذي يقول: إنّ القرآن الذي جاء به جبريل إلى النبي سبعة عشر ألف آية، وبعض الروايات يشير لقراءة اهل البيت، واختلافها عن قراءة حفص عن عاصم، أو بقية القراءات، مثل الرواية التي تنصّ على أنّ قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران : 110] تقرأ : كنتم خير أئمة. وهكذا.

2ـ وأمّا كلمات بعض الأعلام بهذا الشأن أعني وقوع التحريف في القرآن الكريم فهي على أقسام، فمنها غير الظاهر في المراد وللعالم نفسه كلام آخر يعارضه، ومنها الظاهر في إرادة التحريف المعنوي، وثمة كلمات شاذة ظاهرها اعتقاد صاحبها بالتحريف،  ولا تعدو أن تكون أقوال رجال لا يوصف أصحابها بأكثر من الخطأ، والمحدّث النوري، هو أكثر من يرد اسمه في هذا السياق بمقتضى تأليفه كتاب: فصل الخطاب في اثبات تحريف كتاب رب الأرباب، الذي جمع فيه الأحاديث الواردة من الفريقين بشأن  التحريف، وقد مرّ علينا إلى أنّها على طوائف، والأهمّ من ذلك، هو أنّ الرجل اعترف بالخطأ في تسمية الكتاب، وأنّ عنوانه يدل على خلاف ما يريد ، كما نقل عنه تلميذه آغا بزرك الطهراني قائلاً: إنّي اثبتُّ في هذا الكتاب أنّ هذا الموجود المجموع بين الدفتين كذلك، باقٍ على ما كان عليه في أول جمعه كذلك في عصر عثمان، ولم يطرأ عليه تغيير وتبديل كما وقع على سائر الكتب السماوية، فكان حريّاً بأنّ يسمّى: (فصل الخطاب في عدم تحريف الكتاب)، فتسميته بهذا الاسم الذي يحمله الناس على خلاف مرادي خطأٌ في التسمية. (الذريعة إلى تصانيف الشيعة،ج16،ص232)، ولم يشفع الاعتراف بالخطأ للنوري عند بعض المعاصرين، حتى اعتبره خطيئة وذنبٌ عظيم، قد بكتْ عليه السماوات، وكادت تتدكدك على الأرض" (الخميني-أنوار الهداية،ج1ص245).