يوم عالمي لـ ’الشاي’ ولا قيمة للأيام!

تنويه: لا يعبّر هذا المحتوى عن رأي أو سياسة «موقع الأئمة الاثني عشر»

يقولون هذا اليومُ العالميُّ للشَّاي.

ومن قبل كان يوم الأمّ، ويوم المعلم، ويوم المرأة، ويوم حقوق الطفل، وتعددت الأيَّام حتى لم تعد للأيام قيمة،وتعددت الأشياء حتى لم يعد للأشياء هيبة.

وكنتُ - وما أزال - ممن يحفظ للشاي هيبتَه، أشربه حلواً جداً، فما كان عندي حلواً باعتدال،أو غير حلوٍ، فلا أشربُهُ ولا استسيغه.

فالشاي بلا سكر كالمرأة بلا زوج، والموظف من غير راتب، والمنشور من غير قارئ، والسؤال من دون جواب.

وليس بعد ذلك يهمني أن يكون ثقيلاً أو خفيفاً كما يقولون، فهذه تتبع المزاج.

فإن كان بارِداً قلتُ: هذا عصير -والاعتبار سهل المؤونة -ثم اشربه مرةً واحدةً نكايةً بمن صنع.

ولو كان يجوز الوضوء به - لقلَّدتُ أبا حنيفة في المسألة - وتوضأتُ به زيادةً في النكاية،

ولكنَّ النعمان وضوؤه باطلٌ وهو بالماء، أفيصحُّ وهو بالشاي؟!

وليس عليَّ من بأسٍ إذا لم يصنع أحدٌ في ذلك اليوم شاياً، فلستُ مدمناً عليه، وأنا أشربُه تفكهاً لا عن حاجة، وعفواً لا عن لجاجة.

ولستُ ممن يضع الشاي قرب الكتاب ليُزيدُني متعةً في القراءة، ولا أرصُّه إلى القلم ليزيدني تركيزاً في الكتابة، بل طالما نسيته وأنا بين زحمة السطور، وسهوتُ عنه وأنا بين جمهرة الكلمات.

ولقد قدَّمتُ لأحد الضيوف - ذات مرةٍ - شاياً، فلم يقربه، فسألتُهُ عن ذلك فقال: حتى يبردَ، ثم شربه كُلَّه في لذَّة،

ومنهم من يطلب شاياً آخر بعد الشاي الأول لطيب نكهته،

ومنهم من يفضل أنْ آتيه بالقوري فنصبُّ ونشرب، ونسكب ونكرع.

ومنهم من قرَّبتُ الشاي له فرشف منه جرعة، ثم تاب إلى الله تعالى عن شربه ولكنه لم يعلن التوبة أمامي، ولمَّا طلبتُ منه أن يشرب الشاي امتنع بحجة أنَّه شرب اليوم كثيراً منه، فلمَّا ذهب وتذوقت شايَه علمتُ أنه تجسَّد فيه قوله تعالى (لهم شرابٌ من حميم)،

فهو لم يعلن التوبة أمامي حياءً،لأنَّه سيرجع إليّ في قادم الزيارات،

وأنا لم أعلن التوبة أمام صانعه تقيةً؛لأني سأحتاج إليه في قابل الأيام.

والشاي تحفة الضيف، و (كوكتيل) الفقراء إذا جاءهم زائرٌ عظيم.

وهو الشاهد على حكايا المضائف، والسمير في ليالي الشتاء، والصديق في ساعات الوحدة.

وهو المؤرخ - لو كان له لسان - لوقائع فضِّ الخصومات العشائرية في المجالس، والحافظُ لمبالغ الفصول والدِّيات عند الترافع.

والشايُ طبيب من لا طبيب له إذا آلمه رأسُهُ،

وترْكهُ حميةُ من لا حمية له إذا أوجعه ضرسُه.

ومن الشاي ألوانٌ وأشكال،

فمن ألوانه الأحمر والأخضر،

ويُقالُ: إنَّ هذا صحيٌّ وذاك مضر، ولكنني لم استسغ الأخضر، فليس فيه نكهة ولا طعم، والمرءُ جارٍ على ما تعوَّدا، وأنا لم اعتد عليه.

وهو أنواعٌ، ومنه شايٌّ كنتُ أفرحُ به طفلاً، يسمونه شاي العروس، يكون بعضه أبيض كالماء، والبعض الآخر أحمر كالدم.

ولكنَّهم لم يصنعوا شاي (العريس) ولا تثريب عليهم، فالعروس اسمٌ يُطلقُ على الزوج وزوجه، ولا تقل زوجته، وهكذا يقولون.

كنتُ أشربُ الشاي صغيراً في اناءٍ صغيرٍ يسمونه (الاستكان) كلمةٌ روسية بمعنى القدح الزجاجي، ثم لمَّا كبرتُ كبر (الاستكان) معي فصار (كلاصا)

ولي في البيت (كلاصٌ) خاص، دلالةٌ على الاحترام، لا يشرب فيه من أحد، ولي بسببه كلَّ يومٍ معركة، هم يصبُّون فيه نصفه أو ثلثه من الشاي بحجة أنَّهم يخافون عليَّ، وأنا أصرُّ على أن يملؤوه كاملاً غير منقوص.

وهو - من كبره وسعته - كأنَّه الكر، معصومٌ من النجاسة إلَّا أن يتغير بعضُ أوصافه الثلاثة من اللون والطعم والرائحة، ولك - إذا وضعوا فيه ماءً - أن تشرب بعضه وتغتسل بالباقي من الجنابة.

كنتُ لا أزالُ أذكر شاي سيلان، يجلبونه من تلك الأرض في صناديق كبيرةٍ ضخمة، ثم اختفى، وجاء شاي التفاحة والوزَّة وأحمد،

أسماءُ التفاحة والوزة أشبه بأسماء الجواري منها بأسماء (ماركةٍ) صناعية، ياقومِ: ان الشاي للشراب لا للفراش فاتقوا الله في اسمائه ولا تغيروا على اسماء الجواري واحفظوا لشاي سيلان هيبتَه.

وجاء شاي (أحمد بالهيل) وكان فيه طعم الهيل حقاً، ولكنّ هيله الآن يحتاج إلى هيل، حضر الاسم وغاب المسمى، والفخر للموصوف لا للصفة، فالموصوف جوهرٌ باقٍٍ، والصفة عرضٌ زائل.

طبتم، وطاب شايكم، وطاب للشاي يومه وشاربه.