لماذا فُرضت عليهم الجزية؟.. هذه هي حقيقة أهل الكتاب!

هل يُعَدّ مصطلح أهل الكتاب مصطلحاً توقيفياً أو هو ناظرٌ إلى حقيقة؟ بمعنى أنه لو ثبت من الناحية العلمية والتاريخية أن البوذيّين مثلاً كان لهم كتاب أيضاً هل يمكن لذلك اعتبارهم من أهل الكتاب، حتّى وإنْ لم يَرِدْ وصفهم في القرآن بذلك؟

إن الزرادشتيين والهندوس من أهل الكتاب. وقد قيل للنبيّ: لماذا أخذت الجزية من المجوس، مع أنهم مشركون؟! فقال: إنهم أهل كتاب.

ولذلك فإنّ فقهنا قد أخذ هذه المسألة أخذ المسلَّمات. وأما أهل السنّة فقد وقع الخلاف بينهم في هذا الشأن، والرأي الأرجح عندهم هو أن المجوس من أهل الكتاب. وعليه فإن مسألة أهل الكتاب كانت مطروحةً منذ القِدَم.

والمسألة تذهب إلى أبعد من ذلك، وإن الاختلاف الذي يحاول البعض إثارته بين أهل الكتاب وغيرهم لا أساس له من الصحّة. إن ما يحاول البعض إثباته من الحكم على أهل الكتاب بالطهارة، والقول بنجاسة غير أهل الكتاب، لا يقوم على دليلٍ صحيح، بل ليس هناك دليلٌ على نجاسة أحدٍ بسبب كفره، بل حتّى المرتد ليس نجساً. نعم، كانت هذه المسألة مطروحةً في برهة من الزمن، أما الآن فقد اتَّضح أمرها للجميع، ولم يَعُدْ هناك من ثمرة تترتَّب على تقسيم الناس إلى: كتابيين؛ وغير كتابيين. إن الثمرة المتصوَّرة على هذه المسألة إنما تتجلى في مسألة أخذ الجِزْية وعدمها، وأما في ما يتعلَّق بالحكم بالطهارة والنجاسة فلا فرق بين الكتابي وغيره من هذه الناحية. والجِزْية هي من قبيل: الأحكام الحكومية، ولها بحثها المستقلّ. ونحن اليوم ـ مثلاً ـ لا نأخذ جِزْية من أهل الكتاب الذين يعيشون معنا في هذا الوطن، بل لا توجد إمكانية لطرح هذه المسألة في العالم المعاصر. وهناك روايتان مأثورتان عن الإمام الصادق عليه السلام يقول فيها: إن النبيّ قد جعل دية الداخلين في ذمّته مساوية لدية المسلمين، بمعنى أن اليهود والنصارى الذين دخلوا في ذمّة المسلمين يتساوون معهم في الدية. وقد سأل الراوي الإمام الصادق عليه السلام عن اليهود والنصارى الذين كانوا يعيشون معهم في تلك الفترة؟ فقال الإمام بأن الحكم يشملهم أيضاً، وأن النبي قد أعطى الذمام لجميع اليهود والنصارى.

ثم إن الجِزْية هي نوع ضريبةٍ يعود تحديدها إلى وليّ الأمر في كلّ عصر. وقد كان يتمّ إعفاء اليهود والنصارى من دفع الكثير من الضرائب التي يدفعها المسلمون، وكانوا في المقابل يدفعون الجِزْية بَدَلاً منها، وأما في بلدنا فإن هؤلاء يدفعون جميع أنواع الضرائب، وعليه لا معنى لفرض الجِزْية عليهم. وإن تحديد الجِزْية وبيان مقدارها يعود إلى تشخيص وليّ الأمر، فهي ـ كما تقدَّم ـ من قبيل: الأحكام الحكومية، بمعنى أنها تتعلَّق برأي وليّ الأمر في كلّ عصر بملاحظة نوع الخراج والضرائب المفروضة على أنواع الخراج؛ لأن هؤلاء يتمتَّعون بجميع حقوق المواطنة، أسوةً بسائر المسلمين، فعليهم في المقابل أن يدفعوا الضريبة، وحيث يتمّ الآن في بلدنا أخذ الضرائب من الجميع بالتساوي لا يكون هناك معنى لفرض الجِزْية عليهم. هذا هو حكم المسألة، وليس الأمر بأننا قد تخلَّينا عن هذا الحكم؛ خوفاً من الرأي العام العالمي، أو أننا إنما لم نَعُدْ نأخذ الجِزْية؛ للتخلُّص من الضغوط الدولية.

*مقتطف من حوار مع الشيخ محمد هادي معرفة