فخ المناظرة: إياك والمراء!

هبْ أنّك توسّطت باحثين يختلفان في جزئيّة علميّة ويتباحثان حولها، يستدلّ أحدهما وينقض الآخر ويُشكل الأوّل ويحلّ الثاني.. وأنت لا تهتدي " المبادئ التصوريّة والتصديقيّة " - كما يعبّرون - للمسألة المُختلف فيها، فلا يمكنك والحال هذه أن ترفع يد أحدهما معلنّا فوزه، بل نفس إعلانك فوز أحدهما يستبطن أنّك على درجة عالية من العلم بحيث ميّزت المصيب من المخطئ، ويستبطن أنّ الطرفين من أهل البحث والاختصاص حتّى حقّت لهما المناظرة العلميّة.

والمُلفت للنظر أنّ كساد بضاعة المهرّجين ونجاح أسلوب الإهمال ألجأتهم إلى طلب المناظرة على الهواء مباشرة، لا لأنّ أدلّتهم ما سبقهم بها أحد من العالمين، بل لأنّ الموافقة تعني أنّ الطرف الآخر وقع في الفخّ الذي نُصب إليه، وهو جرّ إلى مستنقع المراء والجدال العقيم، وإشغال عن الهدف الأسّمى وعن حواصل السّاعة ...

وبيانا لخطورة مجادلة الجاهل، أو المتجاهل لأغراض دنيئة، جرّب أن تأخذ جولة في المجموعات او المقاطع المرئيّة التي أعدّت للمناظرة بين المذاهب أو الأديان أو حتّى كرويّة الأرض أو تسطيحها، ستجد أنّها في الأعم الأغلب تضييع للوقت واستنزاف للجهود وتسقيط بثوب المناظرة..

وإليك المروي عن سيّد البلاغة والحكمة في وصيّته إلى كميل بن زياد: "يا كميل إياك والمراء فإنك تغري بنفسك السفهاء إذا فعلت وتفسد الاخاء.

يا كميل إذا جادلت في الله تعالى فلا تخاطب إلا من يشبه العقلاء، وهذا ضرورة.

يا كميل هم على كل حال سفهاء ما قال الله تعالى: (ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون).

يا كميل في كل صنف قوم أرفع من قوم فإياك ومناظرة الخسيس منهم إذا شتموك فاحتمل، وكن من الذين وصفهم الله تعالى ( بقوله ) : ( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما)".[1]

[1] بحار الأنوار ج74 ص264