دخل العراق وعمره 21 عاماً.. أرقام من حياة السيد السيستاني

هذه فهرسة سريعة، لمراحل حياة السيد الإمام السيستاني مد ظله: ولد سماحته في يوم ٩/ ربيع الأول/ ١٣٤٩/ أي في يوم تتويج الأمام الحجة عجل الله فرجه، وفرحة أمه الزهراء، سلام الله عليها.

 كما قلنا ولد في التاريخ المذكور فعمره الشريف الآن (87 سنة)[1] وبالتاريخ الميلادي ٤ / ٨ / ١٩٣٠ فيكون عمره الشريف بالميلادي 85 سنة.

 من عائلة علمية عريقة هاجرت بسبب ملاحقة السلطات، من المدينة المنورة، الى الشام، الى إيران، واستقرت في أصفهان.

 جده الأعلى هو العالم المقدس والفيلسوف البارع الذي أطبقت شهرته الآفاق الميرداماد قدس سره.

 ومن التوفيقات الموغلة في القدم لهذه الأسرة الكريمة أن جده تشرف برؤية الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في المنام وهو يأمره بالزواج من كريمة المحقق الكركي قدس سره، ليجتمع النور بالنور، والفقاهة بالفقاهة.

 أول من هاجر الى سيستان هو جده (السيد محمد) الذي اختاره الشاه حسين الصفوي لمنصب (شيخ الإسلام) في تلك البلاد، وهو منصب شغله كذلك الشيخ البهائي قدس سره (في أصفهان).

 وأول من هاجر الى مشهد الرضا عليه السلام هو جده العالم المقدس أية الله السيد علي السيستاني قدس سره (الذي كان من أبرز تلاميذ المجدد الشيرازي قدس سره).

 والده سماحة العالم الجليل (المتشرف بلقاء الإمام الحجة أرواحنا فداه) السيد محمد باقر السيستاني قدس سره.

ووالدته العالمة الفاضلة (الحافظة لكامل القرآن الكريم منذ عمر خمس سنوات) العلوية كريمة السيد رضا المهرباني السرابي.

 بدأ سماحته (مد ظله) بتعلم القرآن وهو ابن (٥ سنوات)، كما تعلم حينها فن الخط، وشرع بالدراسة في العلوم الدينية بإشراف من والده وهو ابن (١١ سنة).

 ومن الأمور الملفتة للنظر، المثيرة للتعجب، التي تشعرك بعلو همته، وشموله بالتوفيق الإلهي (لخواص أوليائه)، أنه انتهى من المقدمات والسطوح والسطوح العليا، وحضر البحث الخارج، في خمس سنوات، وفوق ذلك أكمل دورة كامله في دارسة المعارف الإلهية والفلسفة وغيرها،

 ومن أبرز أساتذته في مشهد المقدسة: 

١. الشيخ مهدي الأصفهاني قدس سره (وكان له دور كبير في صناعة الذوق الفلسفي لسماحة السيد مد ظله).

٢. الشيخ مهدي الآشتياني قدس سره.

٣. الميرزا هاشم القزويني قدس سره.

٤. الشيخ مجتبى القزويني قدس سره.

 هاجر الى قم المقدسة في سن (١٨ سنة) وبقي فيها سنتين حضر خلالهما بحث السيد البروجردي قدس سره، ثم اشتاقت نفسه للمعين الذي يروي الشغف، ومصنع رجال المجد والشرف، فيمم الوجه وانقاد للهدف.. الى النجف، لقد شاءت حكمة الله أن يدخل هذا الرجل الى العراق في زمن العواصف السياسية، من الملكية الى حكم عبد الكريم قاسم الى حكم البعث الأول الى حكم صدام، وعاصر مرجعيات مختلفة وعرف حقيقة العمل السياسي من جهة، والعمل الديني والمرجعي من جهة أخرى، عرف هذا الشعب، ودخل في اعماق حقيقته ليعرف نقاط قوته وضعفه، وما يصلحه وما يفسده، ومن عدوه ومن صديقه، حتى عركته التجارب، وصقلته النوائب، وأنضجت تصوراته العبر والاحداث، ليبقيه الله ليوم، تصان فيه المقدسات، ومصير المذهب.

 دخل العراق وعمره الشريف (٢١سنة) وكان وروده الى كربلاء في زيارة الاربعين، نزل في مدرسة البخارائي في النجف (وغرفة سماحته لاتزال موجودة) حضر بحث العلمين الكبيرين السيد الخوئي والشيخ حسين الحلي قدس سرهما، كما حضر في الرجال والحديث عند نابغة عصره، وفلتة دهره، معدن نقد المؤلفات، وميزان تقفي المصنفات، الذي لامثيل لإبحاره، ولابديل عن آثاره، المحدث الشيخ (أغا بزرك الطهراني) قدست نفسه، صاحب (الذريعة الى تصانيف الشيعة).

نيله الاجتهاد

 وبعد عشر سنوات من مكوث سماحته بفناء جده أمير المؤمنين، واستفادته من محضر أساطين العلم، وبلوغه سنام الاجتهاد، قرر الرجوع الى مسقط رأسه، لينذر قومه، ويستوطن بجوار الرضا عليه السلام، وقبل رحيله أعطاه السيد الخوئي إجازة وشهادة بالاجتهاد (والمعروف أن الامام الخوئي رغم أنه الاستاذ الأكثر عدداً من حيث تلاميذه، الذين فاقوا الآلاف، إلا أنه لم يمنح إجازة اجتهاد إلا لاثنين من طلبته، وكلاهما رضويان من مشهد / الامام السيستاني، والشيخ علي فلسفي).

 كما منحه أستاذه الشيخ الحلي إجازة أخرى وعلى هذا فسماحته مجتهد منذ (٥٧) سنة.

ومما يضحك الثكلى أن العمر(الاجتهادي فقط) لسماحته أكبر من (كل عمر) بعض الذين يناقشون في اجتهاده! والى الله المشتكى، كما منحه أستاذه أغا بزرك الطهراني أجارة في الرواية والرجال، مدحه فيها واعتبره من النوابغ في هذين الفنين، وسافر الى مشهد، ولم يكن يتصور أن القلب سيشتعل بألم الفراق.. إنها النجف، فناء الأمير. هنا عطفه الأبوي.. هنا كنفه المولوي.. هنا وادي السلام.. هنا سكن الروح، وعش النفس.. هنا الأمن والأمان.

 فلم يكمل سنة واحدة في مشهد الرضا عليه السلام، حتى رجع الى النجف الأشرف، وعرف أن له معها حكاية، ولها معه حكاية، وأن الله تعالى قد إذخره لهذا الشعب المظلوم.

بداية تدريس البحث الخارج

 شرع في تدريس البحث الخارج في سن (٣٢) واستمر حتى آخر لحظة ممكنة تحت كل الظروف، ولازال عطاؤه العلمي مستمراً رغم ثقل الأمانة.

يطرح في بحثه مزيج مميز من الآراء ثم يبدأ بمناقشتها، رأي مدرسة مشهد / متمثل بالشيخ مهدي الأصفهاني، رأي مدرسة قم / متمثل بالسيد البروجردي، رأي مدرسة النجف / متمثل بالسيد الخوئي + الأعلام الثلاثة (النائيني والأصفهاني والعراقي).

بعد وفاة أستاذه الإمام الخوئي قدس سره سنة (١٤١٣) تصدى لزعامة الحوزة والطائفة وعمره الشريف (٦٣).

وكما هي صفة العلماء، وكما يحدث في قصص الاتقياء عن زهد الشيخ الأنصاري عندما استدعاه أستاذه الجواهري عند احتضاره فتردد (لأن هذا فيه إشارة لاختياره للمرجعية، والقوم يفرون منها) كذلك السيد عندما استدعاه استاذه الخوئي، وطلب منه الصلاة في محرابه في مسجد الخضراء والتدريس على منبره. فتردد واستمهل أستاذه، ثم كما كان هو الحال عندما تلزم فضلاء الحوزة شخصاً بعينه، استجاب للأمر.

وفي الانتفاضة الشعبانية، كان هو والشيخ البروجردي والشيخ الغروي قدس الله روحيهما في معتقل فندق السلام ثم الرضوانية، حيث تعرضوا للتعذيب الوحشي على يد جلاوزة النظام، وكاد يعدم الثلاثة لولا العناية الإلهية.

وقد قال سماحته بأنه شاهد كل شيء في الرضوانية وكان من المتوقع قتله، لولا أن إرادة الله اختارت له التصدي لهذه المسؤولية.

وبعد السقوط، لاحاجة لأن أكتب شيئاً، لأن من كان له فهم، قد فهم، ومن طبع الله على (عقله) لن ينتفع بما أكتب.

[1] (كُتب هذا المقال بتاريخ ٢٠١٥/١٢/٢١ برغبة مجموعة من الشباب بمعرفة تفاصيل أكثر عن حياة سماحة السيد السيستاني دام ظله الشريف)