هل استخدم النبي والأئمة (ع) الاجتهاد في الأحكام الشرعية؟

لا يعتبر علماء الشيعة النبي والأئمة مجتهدين في الأحكام مطلقاً، ويعتقدون أنّهم لم يحوزوا العلوم والأحكام الالهية عن طريق الاجتهاد أبداً، وأنّ منزلتهم أرفع و أسمى من منزلة و مقام الاجتهاد.

لقد بيّن القرآن الكريم في سورة «النجم» أنّ مستند قول النبي (صلى الله عليه وآله) هو الوحي الالهي، حيث يوحى إليه بواسطة ملك (1). من ارتبط بالوحي ونال الحقائق والواقعيات عن طريقه بدون أدنى زيادة أو نقيصة فسوف لن يحتاج الى الاجتهاد واستخراج الأحكام من الأصول.

يصدق هذا الكلام ذاته بحق الأئمة المعصومين (عليهم السلام) فبرغم عدم ارتباطهم بالوحي بيد أنّ العلوم وصلت إليهم بصورة غيبية، وذلك ليبينوا بصورة تدريجية مالم يوفق النبي الكريم (صلى الله عليه وآله) لبيانه من جراء عدم المقتضي أو وجود المانع.

كانت هذه الموهبة على درجة عالية بحيث لا يوجد أي حجاب بينهم وبين الأحكام الإلهية، فما يحتاجه البشر من الأحكام الى يوم القيامة علمه الله إياهم بألطافه الخاصة وأوصلهم الى حالة الاثراء بطرق مختلفة (2).

و على هذا الأساس لا مفهوم للاجتهاد في الأحكام لديهم بتاتاً، لأنّ الاجتهاد عمل من لا يتسنَ له الوقوف على الأحكام بدون تجشم العناء و تحمل المشقة و إعمال القواعد الأصولية والفقهية، و ربما لن يقفوا عليها حتى بعد قطع شوط طويل و تحمل العناء و المشقة، أما النبي الذي يتلقى الأحكام من الوحي و تجعل تمام احتياجات البشر من الأحكام و المعارف تحت تصرفه بدون أدنى لبس و اشتباه و من مجراها الصحيح، فسوف لن يحتاج الى الاجتهاد ورد الفرع للأصل و استخراج الجزئيات من الكليات.

كذلك خلفاء النبي يعرفون الحلال من الحرام ويعلمون الأحكام الربانية بلا استثناء، ومن يكشف له عن واقع الأحكام بكل ما لها من خصوصيات لن يحتاج بعد ذلك الى الاجتهاد.

نقول بعبارة أوضح: يلازم الاجتهاد عدم العلم القطعي بالأحكام الواقعية، والأفراد الذين يعلمون بالأحكام الالهية عن طريق الوحي أو الارث من النبي (صلى الله عليه وآله) علماً قطعياً سوف لن يحتاجوا الى الاجتهاد مطلقاً.

لكنّ علماء السنة يعتبرون الخلفاء مجتهدين في كثير من الأحكام، و قد نقلت أقوالهم بصورة مفصلة في كتب «العقائد و المذاهب»، و من المحتمل أن يكون اختيارهم لهذا المبنى لأجل أنّهم نقلوا هفوات وزلات عن الخلفاء، ورأوا أنّ التوجيه الوحيد لذلك هو اعتبار الخلفاء كالفقهاء المجتهدين حيث يخطئون في استنباط الأحكام أحياناً، و لأجل ترسيخ دعائم هذه النظرية و تعزيزها وسع البعض دائرة البحث لتشمل علم النبي الكريم (صلى الله عليه وآله) و قال: كان النبي (صلى الله عليه وآله) يجتهد أيضاً في الموارد التي لم يرد فيها نص الهي!

*المقال رداً على سؤال: ما هي عقيدة علماء الاسلام بشأن الأحكام التي وصلتنا عن النبي الكريم (صلى الله عليه وآله) و خلفائه الأئمة المعصومين (عليهم السلام)؟ فهل كانوا يجتهدون في بعضها كما يفعل الفقهاء؟ و لقد قيل حول بعض الأحكام بأنّه لو جاء نص قرآني صريح أو روايات صحيحة عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) لا يبقى مجال للاجتهاد.

الهوامش:

1. «إنْ هَو إلاّ وحيٌ يُوحى * علّمه شديدُ القوى»، سورة النجم، الآيات 4 ـ 5.

2. لمزيد من الاطلاع يتسنى للقراء الأعزة مراجعة أصول الكافي، ص 110، الطبعة القديمة.