شكوى بلا علّة: ما الفرق بين ’ الزنا’ و’ ملك اليمين’؟!

هل بالإمكان تفسير شامل ومختصر لملك اليمين؟ ما موقف الزوجة (نفسياً) من جماع زوجها لملك اليمين؟ ما الفرق بين ملك اليمين والزنا والزواج؟ هل يعتبر ملك اليمين استعباد مخفف؟ هل يتم وطئ ملك اليمين بعقد نكاح؟ كيف لا يحصل اختلاط أنساب إذا كانت ملك اليمين حملت من مالكها ثم من مالك آخر أو من زوجها؟

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

لابد من التأكيد على أن الاحكام الشرعية المرتبطة بالرق عامة وملك اليمين خاصة يجب فهمها ضمن ظرفها التاريخي وثقافتها المجتمعية التي أقرّت لأجلها، فقد تكون الظاهرة مقبولة في مجتمع ومذمومة في مجتمع آخر، أو أنها مقبولة في حقبة تاريخية ومرفوضة في حقب لاحقة لأنها لم تعد موجودة موضوعاً، بالتالي التباين الثقافي والتاريخي يتدخل بشكل مباشر في قبول ورفض بعض الظواهر، وقضية الرق قبل الإسلام من الظواهر الضاربة بجذورها في المجتمع، ومن العسير على إنسان اليوم أن يتفهم هذه الظاهرة من خلال ادبيات العقل المعاصر،  وعليه لا يجوز اخضاع ظاهرة تنتمي إلى مجتمعات ما قبل 1400 عام لمعايير مجتمعات تعيش في العصر الحاضر.

وإذا رجعنا للنص القرآني الذي اباح ملك اليمين لوجدنا أنه اقر ما كان موجوداً، أي أنه لم يؤسس لعلاقة جديدة بين الرجل والمرأة وإنما أمضى تقليداً كان متعارفاً عليه، قال تعالى: (إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) حيث جاء هذا الحكم استثناء من حكم كلي وهو قوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) فيتأكد من ذلك بأن الأزواج وملك اليمين مستثنى من هذا الحفظ، والاستثناء لا يكون مفهوماً إلا إذا كانت هناك صور متعددة واشكال مختلفة للعلاقات بين الرجال والنساء، ومن ثم يتم استثناء بعض تلك الصور، كما أن المستثنى لا يكون تأسيساً جديداً لما ليس له وجود في الواقع، وإنما يكون مما هو موجود ومعمول به في الواقع، وعليه تكون الآية إقرار لنوعين من العلاقة وتحريم ما دونهما من العلاقات، وليس تأسيساً لأمر ليس له وجود بالفعل، ومن هنا فإن الإسلام اقر الزواج ضمن شروط خاصة أضافها لما هو معمول به، كما أنه اقر ملك اليمين بوصفه عرفاً معمول به مع بعض الشروط الخاصة التي تحفظ حق المملوك، وإذا اردنا تطبيق هذه الآية على واقعنا المعاصر لاستحال علينا استثناء ملك اليمين، إذ كيف نستثني أمراً غير موجود؟ ومن المعلوم بالضرورة أن الحكم الشرعي يدور مدار الموضوع وجوداً وعدماً، فإذا أنعدم الموضوع ينعدم الحكم الخاص به بالضرورة، ومن المؤكد أن ملك اليمين لم ينتفي كموضوع فقط وإنما انتفت معه الظروف التي تسمح له بالوجود من الأساس، والتي عمل الإسلام على تقليصها تمهيداً لتصفيرها من خلال الحث على العتق بل جعله واجباً في عدة موارد منها الكفارات، وعليه لا يعتبر ملك اليمين من الموضوعات التي يبتلى بها المسلم المعاصر، ولا تدخل ضمن الخيارات في علاقة الرجل بالمرأة، ومن هنا فإن كل ما يثار في هذه الأمر يعد شكوى من غير علة، فعندما أباح القرآن نكاح ملك اليمين إنما اباحه بوصفه نكاحًا مشروعًا لدى المجتمعات البشرية آنذاك، فأمضاه الإسلام بحدوده المشروعة عندهم، أي في إطار ما يقبله البناء العقلائي آنذاك، وممّا لا يراه المجتمع الإنساني مورد عيب أو ضرر اجتماعي بنظرهم، وعندما يتخلى العرف الاجتماعي عن هذه النوع من العلاقة وينتفي وجودها كموضوع له تحقق في الخارج ينتفي معه بالضرورة الحكم الشرعي، ولفهم هذا الأمر لابد من التفريق بين أمرين:

الأول: ملك اليمين كموضوع له وجود موضوعي في الخارج، وفيه يتم تصور العلاقة الفعلية بين الرجل والمرأة.

الثاني: هو الحكم الشرعي بإباحة هذه العلاقة بين الرجل والمرأة.

وكما هو واضح أن الأول متقدم على الثاني؛ بل لا يمكن تصور وجود الثاني مالم يسبقه وجود الأول، والواضح أيضاً أن ملك اليمين كموضوع للحكم الشرعي مسؤولية عرفية، وبالتالي العرف هو الذي يقبله أو يرفضه، فإذا افترضنا أن العرف في وقت من الأوقات لا يرى في هذا العلاقة ما يستوجب القدح أو الذم، ثم جاء الشرع وأمضى تلك العلاقة، ففي هذا الحال لا يمكن أن نتصور وجود من يعترض على هذا الامضاء؛ وذلك لأن القبح والحسن يدور في الأساس على الموضوعات الخارجية، ومتى ما ثبت حسنها عند العرف أمضاها المشرع قانوناً، أما إذا تبدل العرف وأصبح يرى تلك العلاقة بعين الريبة ويستهجن وجودها، حينها سوف يكون تشريعها مرفوض لكونه تشريعاً لما هو قبيح، وعليه فإن القبح والحسن له علاقة بالموضوعات الخارجية ومن ثم تأتي الاحكام والتشريعات تبعاً لتلك الموضوعات، وبذلك لا يمكن أن نتفهم الاعتراض على القوانين والتشريعات طالما هي تدور مدار الموضوعات، ولفهم هذا الأمر لابد أن نفرق أيضاً بين أمرين:

الأول: موضوعات الاحكام التي يحددها الشرع.

الثاني: موضوعات الأحكام التي يحددها العرف.

فالأول مثل الصلاة والصوم والزكاة والحج، حيث نجد الشارع حدد حكمها وهو الوجوب كما حدد موضوعاتها حيث نجده قد بين كيفية الصلاة والصوم والزكاة والحج، وفي هذه الحالة لا يجوز للعرف التدخل في تغيير ما حدده الشرع من كيفية، وإذا افترضنا وجود اعتراض على مثل هذه الاحكام يكون بالفعل اعتراض على المشرع؛ لأنه هو الذي حدد الموضوعات وحدد لها الاحكام.

أما الثاني فهي الاحكام التي حدد العرف موضوعاتها، فمثلاً نجد أن الشارع أوجب العدالة وحرم الظلم إلا أنه لم يحدد لنا موضوعات العدالة والظلم، وإنما أوكل ذلك لعرف العقلاء، فمثلاً لو كان عرف العقلاء في هذا الوقت من الزمن يرى أن العدالة تتحقق في ظل حكم ديموقراطي فيحينها يكون الحكم الشرعي هو وجوب تحقيق هذا الحكم، وإذا افترضنا وجود اعتراض على هذا الحكم فهو في الواقع اعتراض يتوجه لعرف العقلاء ولا يمكن توجيهه للشارع؛ وذلك لأن دور الشارع هو إمضاء ما يراه عرف العقلاء حسن، فلو تبدل العرف واصبح يرى أن الظلم في الحكم الديمقراطي فحينها سيكون حكم الشارع هو حرمة اقامة هذا الحكم، يقول السيد محمد المصطفوي: "ينبغي ان نلتفت الى نقطة أساسية في التشريع الإسلامي في مجال المعاملات ـ بالمعنى الأعم ـ وهي ان تلك التشريعات في أغلبها إمضائية وليست تأسيسية. ومعنى ذلك ان الشرع الإسلامي يولي أهمية كبرى للأسس العقلائية التي تختزل التجربة الطويلة للإنسان في مسيرتها الإنسانية نحو بناء المجتمع، وتسيير حياة المجتمع وفقاً لمبدأ الخطأ والصواب في دائرة التجربة الاجتماعية. والأصل الأساس في دائرة الشأن العام وفق التصور الإسلامي هو (حفظ النظام العام)، الذي يرجع في أساسه الى التجربة الإنسانية ومفاعيلها، ويشمل كل ما يؤثر بدرجة الضرورة والحاجة في تسيير حياة المجتمع، كقضايا الأمن والاقتصاد ونظام العدالة القضائية وغيرها؛ بل كل ما يتصل بحياة الناس العامة". الأصول العامة لنظام التشريع، ص 106.

وعليه لا يجوز لأي من يعيش في أحد الزمنين أن يعيب ما شرعه الشرع في زمن الآخر، وإنما يجب تفهم كل حكم بحسب الظرف التاريخي الذي وجد فيه، وفي سؤال لقناة البي بي سي البريطانية وجه لمكتب سماحة السيد السيستاني دام ظله حول فتوى جواز لعقد على الفتاة غير البالغة، أجاب: "كان زواج الصغار ـــ أي زواج غير البالغة من غير البالغ ـــ أمراً متداولاً في العديد من المجتمعات الشرقية الى وقت قريب، ومن هنا تضمنت الرسالة الفتوائية في طبعاتها السابقة بعض احكامه، ولكن لوحظ انحساره في الزمن الراهن فتمّ حذف جانب منه من الطبعات الأخيرة، وما نريد التأكيد عليه هو: أنه ليس لولي الفتاة تزويجها الا وفقاً لمصلحتها، ولا مصلحة لها غالباً في الزواج الا بعد بلوغها النضج الجسمي والاستعداد النفسي للممارسة الجنسية، كما لا مصلحة لها في الزواج خلافاً للقانون بحيث يعرّضها لتبعات ومشاكل هي في غنى عنها."        

وملك اليمن من هذا القبيل فهو من الموضوعات العرفية وليست الشرعية، وبالتالي يدور التشريع فيه مدار ما يحدده عرف العقلاء، وإذا نظرنا إلى ما طرحه السائل نجده أقرب لمحاكمة ظاهرة اجتماعية لا تنتمي لعصره بأدوات ومعايير عصره، فعدم تقبله لنكاح ملك اليمين أمر متفهم في حدود ثقافته المجتمعية، ولا يمنع ذلك من أن تكون أمراً متفهماً للإنسان الذي عاش في تلك الحقبة التاريخية.

 فإذا رجعنا لأسئلته واجبنا عنها بشكل مباشر ستكون الإجابة كالتالي:

السؤال الأول: ما موقف الزوجة (نفسيا) من جماع زوجها لملك اليمين؟ من المؤكد ليس هناك إجابة موحدة لهذا السؤال، فالأمر يختلف من امرأة إلى أخرى كما أنه يختلف من بيئة ثقافية إلى بيئة أخرى، فكما أن النساء في بعض المجتمعات تتقبل الزوجة الثانية وتتعايش معه بشكل طبيعي في حين لا تقبله النساء في مجتمعات أخرى، كذلك الحال بالنسبة للزوجة بالنسبة لملك اليمين فقد يكون متقبلاً ضمن الثقافة المجتمعية في العصر الأول للإسلام إلا أنه غير متقبل الآن، فالأمر له علاقة بالبنية الثقافية والنفسية ولا علاقة له بإمضاء الشارع لهذه العلاقة.

السؤال الثاني: ما الفرق بين ملك اليمين والزنا والزواج؟ مع أن الجواب على مستوى الحكم الشرعي واضح وهو أن الزواج وملك اليمن حلال والزنا حرام، إلا أن السائل خلط بينها لأنه نظر إليها جميعها على إنها علاقة جنسية بين الرجل والمرأة، وهو بذلك غفل عن حقيقة مهمة وهي أن موضوعات الاحكام الشرعية تلحظ بعناوينها الشرعية والعرفية، فالممارسة الجنسية تارة تكون بعنوان الزواج وتارة تكون بعنوان ملك اليمين وتارة تكون بدون أي عنوان، ولا يمكن ابعاد هذه العناوين ومن ثم البحث عن الفوارق على مستوى الظاهر، فمثلا إذا نظرنا إلى (القتل) نجد أنه هو ازهاق للنفس ولا فرق بين قتل وقتل من هذه الناحية سواء كان المقتول ظالما ومعتدي أو كان مظلوما بري، فعلى مستوى الظاهر والشكل الخارجي هو أمر واحد، ومع ذلك يختلف الأمر بين قتل وقتل بحسب ما يتصف به من عناوين،  فالقتل بعنوان القصاص امر حسن بينما القتل بعنوان التعدي أو الاستهتار أو بدون أي عنوان يعد أمراً قبيحاً، وكذلك الحال في موضوع العلاقة الجنسية فما كان منها تحت عنوان الزواج وملك اليمين فهو حلال وما كان منها مجرد ممارسة بدون أي عنوان يبررها فهي حرام.

السؤال الثالث: هل يعتبر ملك اليمين استعباد مخفف؟ بل هو استعباد كامل فالجارية تكون ملك لصاحبها ولا تملك حرية في قبال سيدها، وقد أشرنا إلى أن ذلك كان امراً مقبولاً في وقت من الأوقات حتى وإن لم يكن مقبولاً الآن.

السؤال الرابع: هل يتم وطئ ملك اليمين بعقد نكاح؟ تحل الجارية لصاحبها بمجرد ملك اليمين ولا يحتاج الأمر إلى عقد نكاح.

السؤال الخامس: كيف لا يحصل اختلاط أنساب إذا كانت ملك اليمين حملت من مالكها ثم من مالك آخر أو من زوجها؟ لا يجوز للمالك الجديد الاستمتاع بجاريته ومباشرتها إلا بعد الاستبراء من مالكها الأول، وبذلك لا يمكن تصور اختلاط الانساب.