ما حقيقة قتل الإمام المهدي (عج) للعلماء؟!

كانت ولازالت المرجعيات الدينية منذ زمن الغيبة والى يومنا هذا الكهف والملاذ الحصين الذي يلوذ به الشيعة، ولجسامة هذا الموقف وخطورته فقد وضعت الشروط تلو الشروط في بيان صفات المتصدي لهذا المقام العظيم، ولذا كان الشيعة في حالة من الحصانة ضد الاختراقات الفكرية التي دأب على نشرها المبطلون سابقاً ولاحقاً.

ولما حدد هؤلاء مكامن القوة عند الطائفة الشيعية ـ التي من أبرزها الزعامة الدينية ـ كان لا بد من مواجهتها بطريقة يضفي عليها لبوس العلم والتدين، حيث أوهموا عامة الناس أن هؤلاء المراجع المتصدين لزعامة الطائفة ما هم إلا أعداء لإمام الزمان المهدي بن الحسن (عج) وحين ظهوره أول ما سيفعله هو الاقتصاص منهم.

وعلى قاعدة عليك بما قيل لا بمن قال، فإننا سنغض الطرف عن خلفية هؤلاء حتى لا نتهم بالإيمان بنظرية المؤامرة وندخل في صلب النقاش الموضوعي الذي نتبين من خلاله الحقيقة، فنقول:

هناك بعض ما يعتقد أنها روايات قد يوحي ظاهرها أن طبقة رجال الدين الشيعة سيكونون من أعداء الإمام المهدي (عج) وحينها سيُعمل فيهم السيف إذ أنهم يرفضون مسلكه، وأبرز تلك النصوص، هي التالي:

1 ـ "إن لله خليفة يخرج من عترة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) - إلى أن قال : يدعو إلى الله بالسيف ويرفع المذاهب عن الأرض ، فلا يبقى إلا الدين الخالص . أعداؤه مقلدة العلماء أهل الإجتهاد ما يرونه من الحكم بخلاف ما ذهب إليه أئمتهم، فيدخلون كرها تحت حكمه خوفا من سيفه، يفرح به عامة المسلمين أكثر من خواصهم).

2 ـ خطبة (البيان) المنسوبة لأمير المؤمنين (عليه السلام): "وينتقم من أهل الفتوى في الدين لما لا يعلمون فتعسا لهم ولأتباعهم أكان الدين ناقصا فتمموه أم كان به عوج فقوموه أم الناس هموا بالخلاف فأطاعوه أم أمرهم بالصواب فعصوه أم وهم المختار فيما أوحي إليه فذكروه أم الدين لم يكمل على عهده فكملوه.

فاذا خرج القائم من كربلاء وارد النجف والناس حوله، قتل بين كربلاء والنجف ستة عشر الف فقيه، فيقول من حوله من المنافقين: انه ليس من ولد فاطمة والا لرحمهم، فإذا دخل النجف وبات فيه ليلة واحدة : فخرج منه من باب النخيلة محاذي قبر هود وصالح استقبله سبعون الف رجل من اهل الكوفة يريدون قتله فيقتلهم جميعاً فلا ينجي منهم احد". كتاب نور الانوار المجلد الثالث ص 345

ونقلاً عن كتاب فتوحات القدس لأبن عربي في كلام له عن الامام المهدي (ع) جاء فيه:

3 ـ ما ورد عن أبي الجارود عن الباقر (عليه السلام): "ويسير الى الكوفة فيخرج منها ستة عشر ألفا من البترية شاكين في السلاح قراء القرآن فقهاء في الدين...".

المقطع الاول: ليس رواية، وإنما هو كلام لابن عربي، ثم إنه لم يذكر أن هؤلاء العلماء هم مراجع الشيعة وفقهائهم، بل على صحة الفرض، فما هي الحكمة من قتلهم وقد تحملوا سفك دمائهم على مدى قرون في سبيل نشر دين المهدي الذي هو دين آبائه وأجداده ؟!

المقطع الثاني: خطبة البيان

سُئل السيد الخوئي (قدس سره) عن هذه الخطبة فقال:

(لا أساس لها والله العالم) صراط النَّجاة ج1ص 471 السؤال 1331

وقال المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي:

هذه الخطبة إشكالات عديدة، سواء فيما يرتبط بالناحية اللغوية، أو الاشتقاقات المستعملة فيها، أو فيما تضمنته من أخطاء نحوية، أو تأريخية أو تراكيب غير سليمة، بالإضافة إلى عدم وجود أسناد لها، وما إلى ذلك.

وكل ذلك يجعلنا نشك في صحة نسبتها إلى الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام).

وقد ذكرنا أن من المحتمل أن تكون هذه الخطبة قد تكونت وظهرت نتيجة مبادرة من شخص لا يملك ثقافة ولا معرفة بالقواعد اللغوية وغيرها. مختصر مفيد (أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة)، السيد جعفر مرتضى العاملي، «المجموعة الثالثة»، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1423 ـ 2002، السؤال (180).

وكذلك لم يبين فيها من هم أهل الفتوى فيحتمل أن يكون هؤلاء من مخالفيهم، ومن مناصبي العداء لهم.

المقطع الثالث: أما الرواية الثالثة فراويها أبو الجارود زياد بن المنذر، قال عنه الصادق (عليه السلام) انه لعنه وقال أعمى القلب ] وروى فيه الكشي روايات ذامة له جدا وبعبائر مختلفة وفي بعضها "ما يموت إلا تائها".

وفي موضع آخر فيه وفي غيره "كذابون مكذبون كفار عليهم لعنة الله".

وأما متن الرواية فهو يتكلم عن الفرقة البترية التي هي فرقة من فرق الزيدية مؤسسها يدعى كثير النوا، وقد كان يكثر الاستهزاء بأبي جعفر الباقر (عليه السلام) ومبغض لولده الصادق (عليه السلام) كما دلت على ذلك بعض النصوص، بل وصل الأمر الى أن الإمام الصادق قد تبرأ منه في الدنيا والآخرة، فيحتمل أن تكون في الكوفة فرقة لها نفس توجهات وأفكار الفرقة البترية.

فهل يصح الاستدلال بعد هذا بأمثال هذه الروايات للنيل من مراجع الطائفة؟!