الحروب والكوارث.. غضب الإله أم غضب الطبيعة؟!

ينقسم البلاء إلى بلاء خاص يصيب الفرد من الناس، وإلى بلاء عام يشمل المجتمع برمته، وقد أشار الى الثاني قوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (سورة الروم: 41).

ما هو متعارف في الأدبيات الدينية، هو أن بلاء الحوادث الكونية تأتي نتيجة لمعصية العباد وطاعتهم؛ فاذا وافقت الأعمال أمر الله تعالى ونهيه، وجرت سيرتها في طاعة الله سبحانه استتبع ذلك نزول الخيرات، وانفتاح أبواب البركات، وهذا ما نصّ عليه قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} سورة الأعراف: 96.

 وأما إذا انحرفوا عن صراط العبودية، وتمادوا في الغي والضلالة والدونية، أوجب ذلك ظهور الفساد في البر والبحر وهلاك الأمم بانتشار الظلم وارتفاع الأمن وبروز الحروب وسائر الشـرور الراجعة إلى الإنسان وأعماله، وكذا ظهور المصائب والحوادث الكونية المبيدة والتي تكون خارج إرادة واختيار الانسان، كالسيل والزلزلة والصاعقة والطوفان وغير ذلك، وقد عد الله سبحانه سيل العرم وطوفان نوح وصاعقة ثمود وصرصر عاد من هذا القبيل.

\width=780\

فإذاً، انغمار الأمة في المعاصي والسيئات سبب لجملة من الابتلاءات العامة، قال تعالى: {أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الأَرْضِ فَأَخَذَهُمْ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ اللهُ مِنْ وَاقٍ} سورة غافر: 21.

وقال تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} سورة الإسراء: 16. 

[ذات صلة]

وقال تعالى: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} (سورة المؤمنون: 44). هذا كلّه في الأمة الطالحة، والأمة الصالحة على خلاف ذلك.

 

ماذا عن الحوادث الكونيّة الطبيعيّة؟

ولكن، هذا فيما يتعلق بالمصائب والابتلاءات الراجعة إلى الإنسان وأعماله كالحروب وانتشار الظلم وارتفاع الأمن، أما الحوادث العامة والخاصة كالسيول والزلازل والأمراض المسرية، فلها أسبابها الطبيعية المطردة، فإذا تحققت هذه الظواهر، تحققت سواء صلحت النفوس أو طلحت، وعليه فلا محل للتعليل بالأعمال الحسنة والسيئة بل هو فرضية دينية، وتقدير لا يطابق الواقع.

إلا أن غاية ما في الأمر، هو أن لكل معلول ومنها هذه الظواهر أسباباً طبيعية مادية وأخرى غيبية ملكوتية، وهذه الأسباب الغيبية أشد تأثيراً من الأولى، فليس مرادنا إبطال نظام السببية، بل إثبات علة في طول علة، وعامل معنوي فوق العوامل المادية، وإسناد التأثير إلى كلتا العلتين لكن بالترتيب: أولاً وثانياً، نظير الكتابة المنسوبة إلى الإنسان وإلى يده.

فقد بينا في أكثر من مناسبة أنّ القرآن الكريم يصادق قانون العلية والسببية، فما لم تكتمل أجزاء العلة التامة لا يوجد المعلول، وليست تقتصـر الأسباب على الأسباب المادية الطبيعية، بل لابد من اقترانها بأسباب غيبية راجعة إليه تعالى، وقد تقدم قوله عز من قائل: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللهِ} (سورة الحشر: 5).

 وقال:{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ} (سورة التغابن: 11).

 وقال: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّه} (الأعراف : 58).

 و قال: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ} (آل عمران: 145).

فما من موجود يوجد أو يعدم إلاّ من بعد أذنه الذي هو عبارة أخرى عن الأسباب الغيبية، فإذن هناك أسباب مادية لهذه الحوادث الكونية؛  كالزلازل والسيول ونحوها من الكوارث، وهي ما أشار إليها الإشكال، وهناك أسباب غيبية هي ما تكلم عنها القرآن وأهله.

*مقتطف من كتاب الحكمة من البلاء والموقف منه – صادر عن شعبة البحوث والدراسات