إثبات النبوّة بـ ’المعجزة’ و ’حسن الخلق’!

من أهم الأبحاث التي تَطَرّقوا لها في علم العقائد قضية إثبات نبوة النبي (ص) لكون هذا الأمر من أصول الدين وهو الحد الفاصل بين المسلم وغيره لاسيما بقية الأديان السماوية التوحيدية، لذلك لا يخلو كتاب من كتب العقائد من بحث الأدلة التي يمكن من خلالها إثبات نبوته (ص).

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

 

 عندما ننظر إلى ما قرره علماء الكلام نجد أنهم نَصّوا على أنّ الدليل الأساسي على نبوّته هي المعجزة، وإجراء المُعجِزة على يد كاذب قبيح وليس من الممكن أن يكرمه الله بها، إذن الدليل على نبوة النبي وجود المعجزة، من جهة عقلية تاريخية هو دليل تام، لكن هل جميع من أسلموا منذ السنة الأولى من دعوته كانت المعجزة سبب إسلامهم؟

تاريخياً من أظهر لهم النبي المعجزة لم يؤمنوا وبقوا على كفرهم وتكفيك قضية شق القمر التي رواها كل المسلمين، والذين لم يروا المعجزة آمنوا، إذن الإيمان لم يكن بسبب المعجزة والشيء الوحيد الذي دفعهم للإيمان هو خُلُق النبي (ص) فحُسنُ معاشرته هو سبب إسلامهم خصوصاً في العهد المكي والتي كانت الظروف فيها أصعب من العهد المدني، من هنا نفهم سبب تركيز القرآن على الجانب الأخلاقي عندما مَدَح النبي (ص) (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ) - (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ).

فحتى من غير المسلمين توقّفوا عند خُلُق النبي وتكلموا عنه، لنأخذ أمثلة على ذلك: جيفرسون، وهو أحد رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية الأوائل، عند كتابة الدستور صار نزاع بينهم حول الكاثوليكي المسيحي وهل يمكن أن يكون مواطن؟ وجُرَّ النقاش الى المسلم وهل يمكن أن يكون مواطن وهل الإسلام دينٌ أصلاً وهذا نبي أم لا؟ جيفرسون قال هذا نبي لسبب واحد وهو أنه مثل العظماء ودعا الى ما دعا إليه العظماء.

وفعلاً من ينظر الى الجانب الأخلاقي لدى النبي يتعجّب ونستعرض هذه الرواية التي تُبَيِّن ذلك، الرواية عن الإمام المجتبى (ع) يقول: كان دائم البِشْرْ، سهل الخُلُق، ليِّن الجانب، ليس بِفَظٍ ولا غليظٍ ولا صَخَّاب، ولا فحّاشٍ ولا عيّابٍ ولا مَدّاح، يتغافل عن ما لا يشتهي فلا يُؤَيَّسُ منه ولا يُخَيَّبُ فيه مؤمِّلِيه، قد ترك نفسه من ثلاث: المِراء والإكثار وما لا يعنيه وترك من الناس ثلاث: لا يذُمُّ أحداً ولا يُعَيِّرُه ولا يطلب عثراته وعورته، وقضية من جاءه من أهل الطائف ورماه بالحجارة حتى أسقطه وسالت دِماؤه ثم دعا لهم النبي بالهداية هو خير دليل على حُسن خُلُقِه، فإذا كان تعامله مع من آذاه هكذا فكيف يتعامل مع من أحبّه.

قيمة هذا الكلام: نحن المسلمين إذا أردنا عرض الإسلام على الآخر عادةً يتم التركيز على الجانب الكلامي الفلسفي ونبدأ بعرض الأدلة الفلسفية إن كان على إثبات وجود الله أو على النُبُوّة أويتم التركيز على الأدلة التاريخية، لكن لماذا لا ننظر لزاوية حُسن الخُلُق؟ ففي ذلك الزمن كان دليلاً عملياً للناس ودليلاً على نُبُوّتِه فلماذا لا يكون تبليغنا للإسلام من هذا الجانب؟ في أن نحمل هذه الأخلاق عملياً فلا تُحمَل الرسالة باللسان فقط، فيقول أحد الأئمة (كونوا دُعاةً لنا ولكن بغير ألسِنَتِكُم)، فمشكلة الإعلام الغربي ليست مع الإسلام بل مع المسلمين، ولذلك لا يفتقد مجتمعنا للجانب الأخلاقي فقط بل أتى بمنظومة أخلاقية جديدة تُخالِف منظومة أخلاق النبي (ص) فلماذا لا نستفيد من أخلاق النبي ونوظفها لخدمة الإسلام (إنما بُعِثتُ لأُتَمِّم مكارِم الأخلاق).