من الذي غسّل الإمام العسكري (ع)؟!

لا ريبَ في أنَّ الإمامَ المنتظَر (ع) هو مَن تصدَّى لتغسيل والدِه الإمامِ العسكريِّ (ع)، ويكفي لإثباتِ ذلك الرواياتُ العامَّة التي استفاضَ نقلُها عن أهلِ البيت (ع) والتي أفادت أنَّ الإمامَ أو الصدِّيقَ لا يُغسِّله إلا صدِّيقٌ مثلُه.

فمن ذلك: ما أوردَه الكلينيُّ في الكافي بسندٍ صحيح عَنِ الْمُفَضَّلِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّه (ع): مَنْ غَسَلَ فَاطِمَةَ؟ قَالَ: ذَاكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وكَأَنِّي اسْتَعْظَمْتُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِه فَقَالَ: كَأَنَّكَ ضِقْتَ بِمَا أَخْبَرْتُكَ بِه؟ قَالَ: فَقُلْتُ: قَدْ كَانَ ذَاكَ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَالَ: فَقَالَ: لَا تَضِيقَنَّ، فَإِنَّهَا صِدِّيقَةٌ ولَمْ يَكُنْ يَغْسِلُهَا إِلَّا صِدِّيقٌ، أمَا عَلِمْتَ أَنَّ مَرْيَمَ لَمْ يَغْسِلْهَا إِلَّا عِيسَى"(1).

وأوردَها الشيخُ الطوسي في التهذيب وفي الاستبصار من طريقِه الصحيح إلى الكليني بذات السند، وأوردها الصدوقُ مرسلةً في كتابِه مَن لا يحضره الفقيه.

ومن ذلك: ما رواه القطبُ الراوندي في الخرائج والجرائح قال: روى أبو بصير، عن أبي جعفر قال: كان فيما أوصى به إليَّ عليُّ بنُ الحسين (عليهما السلام) أنَّه قال: يا بُني إذا أنا متُّ فلا يلي غُسلي غيرُك، فإنَّ الامامَ لا يُغسِّلُه إلا إمامٌ بعده.." (2).

ومن ذلك: ما أورده في مختصر البصائر بسنده عن إبراهيم بن أبي سماك قال: كتبتُ إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام): إنَّا قد رَوينا عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّ الامامَ لا يُغسِّلُه إلا الامام، وقد بلغنا هذا الحديثُ، فما تقولُ فيه؟ فكتبَ (ع) إليَّ: إنَّ الذي بلغَك هو الحقُّ"(3).

والرواياتُ في ذلك مستفيضة وقد تلقَّاها الفقهاءُ بالقبول والاعتماد، فهي كافيةٌ لإثبات أنَّ الإمام لا يتولَّى تغسيلَه إلا الإمامُ الذي يليه، على أنَّ لدينا روايةً خاصَّة تصلحُ لتأييد أنَّ الإمام المهديَّ (ع) هو مَن تصدَّى لتغسيل والدِه الإمامِ الحسنِ العسكريِّ (ع) أورد هذه الرواية الصفَّار في بصائر الدرجات عن أحمد بن محمد وأحمد بن إسحاق عن القاسم بن يحيى، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: "لمَّا قُبض رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) هبطَ جبرئيلُ ومعه الملائكةُ والروحُ الذين كانوا يهبطون في ليلة القدر، قال: ففُتحَ لأميرِ المؤمنين بصرَه فرآهم في منتهى السماوات إلى الأرض، يُغسِّلون النبيَّ معه، ويُصلِّون معه عليه، ويحفرونَ له، واللهِ ما حفَرَ له غيرُهم حتَّى إذا وُضع في قبرِه، نزلوا مع مَن نزل، فوضعوه فتكلَّم وفُتح لأمير المؤمنين سمعه فسمعَه يُوصيهم به فبكى، وسمعهم يقولون: لا نألوه جهدًا، وإنَّما هو صاحبُنا بعدك إلا أنَّه ليس يُعايننا ببصره بعد مرَّتنا هذه، حتى إذا مات أميرُ المؤمنين (عليه السلام) رأى الحسنُ والحسينُ مثل ذلك الذي رأى، ورأيا النبيَّ (ص) أيضًا يُعينُ الملائكةَ مثل الذي صنعوا بالنبيِّ(ص) حتى إذا مات الحسنُ رأى منه الحسينُ مثل ذلك، ورأى النبيَّ(ص) وعليًّا (ع) يُعينان الملائكة، حتى إذا مات الحسينُ رأى عليُّ بن الحسينِ منه مثلَ ذلك، ورأى النبيَّ(ص) وعليًّا والحسنَ يُعينون الملائكة، حتى إذا مات عليُّ بنُ الحسين رأى محمدُ بن عليٍّ مثل ذلك، ورأى النبيَّ(ص) وعليَّا والحسنَ والحسينَ يُعينون الملائكةَ، حتَّى إذا مات محمدُ بنُ عليٍّ رأى جعفرُ مثلَ ذلك، ورأى النبيَّ وعليًّا والحسنَ والحسينَ وعليَّ بن الحسين يُعينون الملائكة، حتى إذا مات جعفر رأى موسى منه مثل ذلك، هكذا يجري إلى آخرنا"(4).

ورواه القطبُ الراوندي في الخرائج والجوارح عن عبد الرحمن بن كثير عن الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام(5).

فقولُه (ع): "هكذا يجري إلى آخرِنا" صريحٌ في أنَّ ما وقع للإمام الحسنِ العسكري (ع) هو ذاتُه الذي كان قد وقعَ لآبائه (ع) فالإمامُ الذي بعده وهو الإمامُ الحجَّةُ (ع) هو مَن تولَّى تغسيلَه وأعانَه على ذلك النبيُّ (ص) والأئمةُ من آبائه (ع) والملائكةُ (ع).

ولمزيدٍ من البيان راجع ما ذكرناه في مقال: "السجَّاد (ع) هو مَن دفن الحسين (ع)".

 

*المقال رداً على سؤال: أودُّ أنْ استفسر عن تغسيل الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) فأكثر الروايات تتحدث عن حادثة الإمام المنتظر (عجَّل الله فرَجه) مع عمِّه جعفر في الصلاة على الإمام العسكري (عليه السلام)، ولكن لم أجد مصدرًا واحدًا يوضِّح من قام بتغسيله (عليه السلام). فإذا كان الإمام لا يغسله إلا إمام -وهي قاعدة يُؤكِّدها البعض- فهل قام الإمام المنتظر (عجَّل الله فرَجه) بتغسيله؟

الهوامش:

1- الكافي -الشّيخ الكليني- ج1/ ص 459، ج3/ ص 159.

2- الخرائج والجرائح -القطب الرّاوندي- ص 264.

3- مختصر بصائر الدرجات -الحسن بن سليمان الحلي- ص 13.

4- بصائر الدرجات -الشيخ محمد بن فرّوخ الصفّار- ص 245، وبحار الأنوار -الشيخ المجلسي- ج 37 / ص 289.

5- الخرائج والجرائح -القطب الرّاوندي- ج2 ص 778.