سلطان علم الكتاب والقرآن: لا يزال الباب مفتوحاً أمام الأعاجيب العلمية!

كتب السيد محمد شرف الدين: الملك العظيم في سلطان محمد وآله الطاهرين

إن خضوع الكون لنظام متشابك من العلاقات بين اسباب ومسببات مما لا يدنو منه شك ولا يعروه ارتياب عند اولي البصائر والألباب.

وما طواه الإنسان من رحلة مضنية عبر الأزمان الى عصرنا تكرست في مسيرة استكشافه لتلك العلاقات ولولا ذلك لما وصل الى فتوحاته العلمية التي  تحكم من خلالها بمجريات الطبيعة فدفع عن نفسه كثيرا من أخطارها  وجير لمصلحته المزيد من منافعها  رخاءً زَيّنَ به عيشه حتى قرَّبَ البعيد وابعدَ القريب وطوى المسافات وصنع الأعاجيب ورقى الى الفضاء واستمطر السماء واستصلح البوار وتفنن في الأثمار  الى ما يعسر احصاؤه ويشق عدّه.

وينطوي هذا الكون على اسرار تدهش لها العقول وتطيش الألباب فكم من طاقة هائلة كانت مودعة في ذرات لا يلحظها البصر اهتدى اليها البشر فشطرها واطلق مخزونها المكنون فكانت الطاقة النووية المستثمرة في شتى المجالات من ترسانة الموت والدمار الشامل الى اداة الحياة في حقل العلاجات الطبية المتقدمة.

وما زال الإنسان يرسل طائر خياله الى افق رحب يتطلع الى المزيد يحدوه نَهم المعرفة وشراهة الاستكشاف يمنّي نفسه اختراق الأفلاك واحياء الأموات او دفع الشيخوخة او الموت عن نفسه ومنذ فتح عينيه البرت اينشتاين بنظريته على حلم غريب ما انفكت تختمر في فكره فكرة السفر عبر الزمن الى الماضي والمستقبل.

إن الخيال العلمي هو جزء من واقع كان كذلك امس فاستحال حقيقة ملموسة اليوم وقد يلتحق بها غداً بعض ما نصنفه اليوم خيالاً.

أ ترى لو بلغ اسلافنا الأولين خبرُ ما نستعمله في حياتنا اليومية ويلهو به اطفالنا من آلات وادوات دون اكتراث هل كانوا به مصدّقين ام يحكمون على قائله بالكذب او الجنون؟!

إن كل تلك الأعاجيب العلمية الجبارة حازها الإنسان العادي بإقدار الهي ضمن الاطار الطبيعي العام من خلال سلطان العلم المتراكم.

اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣)الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤)عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (٥) فزها بنفسه واختال وتنكر لصانعه وملهمه فحق عليه قول العزة :كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (٦)أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى..

سلطان العلم الذي كانت له الصدارة في قاموسنا الديني ونصوصنا المقدسة.

العلم بالكتاب والقرآن

وإذ نقصد من بحثنا هذا استخلاص ما يتحصل من الأدلة في ملكهم صلوات الله عليهم فلن نخوض غمار تحقيق معنى الكتاب ومحتواه والقرآن ومدارجه الوجودية وتحديد حقيقتهما وحدة وتغايراً بل نقتصر على ما يتعلق بالمقام.

فنقول: لا ريب في دلالة هذين المصطلحين على الدستور التشريعي والمرجع المعرفي الوحياني وهو القدر المتيقن لدى كل مسلم وحيث إنَّ ثبوته لا ينفي ما عداه فإن الإقتصار عليه ونفي ما سواه برفع اليد عن دلالة جملة مما جاء في الكتاب الكريم والحديث الشريف وارتكاب التأويل فيها مجانبة للإنصاف وسلوك في متاهة الاعتساف.

فلو وقفنا بين يدي قوله تعالى:

وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ

لوجدنا الكتاب موصوفا في عقد السلب بعدم تفويته لشيء.

 ولو امعنا النظر في دلالة شيء المنكّرة في سياق النفي مع كونها اوسع المفاهيم واشملها لظهر كون الكتاب الموصوف هنا هو ما يحمل بين دفتيه ما يتعلق بكل كائن كان ويكون وامكن ان يكون وما لا يكون أن لو كان كيف يكون.

ويلتقي ذلك مع قوله جل جلاله:

وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ

وقوله تقدس اسمه:

إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ

وقوله جل ثناؤه وجمّت آلاؤه:

وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْء

لنعطف بعدها على قوله تعالى:

وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا

واضمم إليه ما ورد في احاديث كثيرة رواها الفريقان من خواصٍ  مادية ومعنوية ودنيوية واخروية لسوره وآياته افردت لها المصنفات.

والحاصل أنه مضافا للمعارف والتشريع يكون مشتملاً على خارطة شاملة لإقليم الوجود برمته، كاشف لشبكة العلاقات المعقدة الحاكمة على دائرة الكائنات بحيث تخول من يؤتيه الله تعالى ذلك التصرفَ في مكوناتها بإذنه.

ثم إن هذا الكتاب وهذا القرآن بتلك الخصائص اوتي بأجمعه محمداً ثم ورثه آله صلى الله عليه وآله كما جاء في قوله تعالى:

وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ

وقد روى الفريقان بأسانيدهم أنه علي صلوات الله عليه دون معارض مرفوع الى معصوم ومن زعم التعارض أو شكك فيه وأراد التحقيق فليرجع إلى ما أفاده أخونا الكبير سماحة آية الله السيد علي ابو الحسن في كتابه (سبعون آية في آل محمد صلى الله عليه وآله)

وروينا ما يدل على اشتراك ابنائه المعصومين في ذلك منها عن بريد بن معاوية قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: " قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب "؟

قال: إيانا عنى، وعلي أولنا وأفضلنا وخيرنا بعد النبي صلى الله عليه وآله.

وقوله تعالى:

ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا

وقد وردت الاحاديث من طرق كثيرة بما لا يبعد تحصيل تواتر كون المعنيين به هم آل محمد صلى الله عليه وآله وسيأتي طرف منها إن شاء الله تعالى.

 بل هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ بل هم الرّاسخونَ فِي الْعِلْمِ وهم الذين يعلمون قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ بل جدهم هو مدينة العلم وعلي بابها وهم ورثة ذلك العلم.

ولنُذكّر بما تقدم من قوله تعالى:

قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ

فيلتئم المعنى ويظهر الربط بين وصفه وفعله.

ونذكّر بما ورد من احاديث العلم بحروف اسم الله الأعظم وكون المعاجز الجارية إنما كانت به.

ولما كانت سلطنة الذي عنده علم من الكتاب هذه فما حال من عنده علم الكتاب كله الذي اشاد به الله تعالى في قوله:

وتلك المقاربة وردت في جملة من الأحاديث الشريفة منها ما اخرجه الكليني في الكافي بإسناده:

وعن سدير: ألم تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قال:

فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله عز وجل: " قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك " قال: قلت: جعلت فداك قد قرأته، قال: فهل عرفت الرجل؟ وهل علمت ما كان عنده من علم الكتاب؟ قال: قلت:

أخبرني به؟ قال: قدر قطرة من الماء في البحر الأخضر فما يكون ذلك من علم الكتاب؟! قال: قلت جعلت: فداك ما أقل هذا فقال: يا سدير: ما أكثر هذا، أن ينسبه الله عز وجل إلى العلم الذي أخبرك به يا سدير، فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله عز وجل أيضا: " قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب قال: قلت: قد قرأته جعلت فداك قال: أفمن عنده علم الكتاب كله أفهم أم من عنده علم الكتاب بعضه؟ قلت: لا، بل من عنده علم الكتاب كله، قال: فأومأ بيده إلى صدره وقال: علم الكتاب والله كله عندنا، علم الكتاب والله كله عندنا.

هذا في الكتاب وعلم الكتاب واما القرآن فأضف الى ما تقدم رواية ابي يعلى ج٢ ص٤١ بإسانده عن الزبير بن العوام:

لَمَّا نَزَلَتْ (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) صَاحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ : يَا آلَ عَبْدِ مَنَافٍ ، إِنِّي نَذِيرٌ فَجَاءَتْهُ قُرَيْشٌ ، فَحَذَّرَهُمْ وَأَنْذَرَهُمْ ، فَقَالُوا : تَزْعُمُ أَنَّكَ نَبِيٌّ يُوحَى إِلَيْكَ ، وَأَنَّ سُلَيْمَانَ سُخِّرَ لَهُ الرِّيحُ وَالْجِبَالُ ، وَأَنَّ مُوسَى سُخِّرَ لَهُ الْبَحْرُ ، وَأَنَّ عِيسَى كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى ؟ ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُسَيِّرَ عَنَّا هَذِهِ الْجِبَالَ ، وَيُفَجِّرَ لَنَا الْأَرْضَ أَنْهَارًا ، فَنَتَّخِذَهَا مَحَارِثَ فَنَزْرَعَ وَنَأْكُلَ ، وَإِلَّا فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُحْيِيَ لَنَا مَوْتَانَا فَنُكَلِمَهُمْ وَيُكُلِّمُونَا ، وَإِلَّا فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُصَيِّرَ هَذِهِ الصَّخْرَةَ الَّتِي تَحْتَكَ ذَهَبًا فَنَنْحَتَ مِنْهَا وَيُغْنِينَا عَنْ رِحْلَةِ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ، فَإِنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّكَ كَهَيْئَتِهِمْ ، فَبَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَهُ إِذْ نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ ، فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ أَعْطَانِي مَا سَأَلْتُمْ ، وَلَوْ شِئْتُ لَكَانَ ، وَلَكِنَّهُ خَيَّرَنِي بَيْنَ أَنْ تَدْخُلُوا مِنْ بَابِ الرَّحْمَةِ ، فَيُؤْمِنُ مُؤْمِنُكُمْ ، وَبَيْنَ أَنْ يَكِلَكُمْ إِلَى مَا اخْتَرْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَتَضِلُّوا عَنْ بَابِ الرَّحْمَةِ وَلَا يُؤْمِنُ مُؤْمِنُكُمْ ، فَاخْتَرْتُ بَابَ الرَّحْمَةِ فَيُؤْمِنُ مُؤْمِنُكُمْ ، وَأَخْبَرَنِي : إِنْ أَعْطَاكُمْ ذَلِكَ ثُمَّ كَفَرْتُمْ أَنَّهُ مُعَذِّبُكُمْ عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ فَنَزَلَتْ { وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ } حَتَّى قَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ ، وَنَزَلَتْ { وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى } ، الْآيَةُ

اخرجه الحافظ ابن حجر في المطالب العالية (3768)

فضم اليه قوله صلى الله عليه وآله علي مع القرآن والقرآن مع علي؛ فما من حضور لأحدهما دون الآخر ولن يفترقا حتى يردا على رسول الله صلى الله عليه وآله الحوض.

وما اخرجه الكليني بإسناده عن أبي الحسن الأول عليه السلام قال: قلت له: جعلت فداك أخبرني عن النبي صلى الله عليه وآله ورث النبيين كلهم؟

قال: نعم

قلت: من لدن آدم حتى انتهى إلى نفسه؟

قال: ما بعث الله نبيا إلا ومحمد صلى الله عليه وآله أعلم منه

قال: قلت: إن عيسى ابن مريم كان يحيى الموتى بإذن الله

قال: صدقت وسليمان بن داود كان يفهم منطق الطير وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقدر على هذه المنازل، قال: فقال: إن سليمان بن داود قال للهدهد حين فقده وشك في أمره " فقال مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين " حين فقده، فغضب عليه فقال: " لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين " وإنما غضب لأنه كان يدله على الماء، فهذا - وهو طائر - قد أعطي ما لم يعط سليمان وقد كانت الريح والنمل والانس والجن والشياطين [و] المردة له طائعين، ولم يكن يعرف الماء تحت الهواء، وكان الطير يعرفه وإن الله يقول في كتابه: " ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى " وقد ورثنا نحن هذا القرآن الذي فيه ما تسير به الجبال وتقطع به البلدان، وتحيى به الموتى، ونحن نعرف الماء تحت الهواء، وإن في كتاب الله لآيات ما يراد بها أمر إلا أن يأذن الله به مع ما قد يأذن الله مما كتبه الماضون، جعله الله لنا في أم الكتاب، إن الله يقول: " وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين " ثم قال: " ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا " فنحن الذين اصطفانا الله عز وجل وأورثنا هذا الذي فيه تبيان كل شئ.

الحصاد:

لما كان السلطان الحاكم هو العلم الشامل لكل شيء المتضمن لخصوصيات الكائنات وما بينها من علاقات وكان قد اتيح للإنسان من خلال التراكم التجربي أن يهتدي الى شيء منه وما زال الباب مفتوحاً بحيث ننتظر كل يوم اعجوبة علمية تزف الى البشرية حتى اصبحنا لا ننكر شيئا من تلكم الأخبار التي تتناقلها وكالات الأنباء عن مراكز الدراسات على غرابتها وكنا نعتقد ان الله تعالى محيط بكل تلك الخصوصيات وهو مسبب اسبابها فهل يليق بنا أن نتوقف بعد هذا كله في أن يؤتيها لصفوة اوليائه المنتجبين او نستعظم ذلك فنجنح لإنكاره اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣)الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤)عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ .

((يتبع إن شاء الله تعالى))

كتبه لائذاً بجوار امير المؤمنين صلوات الله عليه

ليلة السابع عشر من شهر ذي لقعدة الحرام ١٤٤١ للهجرة

عبد آبائه الطاهرين محمد الرضا شرف الدين