إعلام ضعيف ونفسيات مضطربة.. هكذا ينمو الإلحاد!

الإلحاد ومسبباته

انتشار ظاهرة الإلحاد خصوصاً بين الشباب المبتعثين هل هو لضعف الثقافة الدينية أم لقوة في منطق الإلحاد وأدلته؟

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

ظاهرة الإلحاد كسائر الظواهر التي عندما نريد أن ندرسها لا بد من أن ندرسها بطريقة علمية وفي تسليط الضوء على العوامل والأسباب التي أسهمت وساعدت في تولد هذه الظاهرة وانتشارها خصوصاً بين شبابنا المبتعثين في الخارج للدراسات. ونحن عندما نسلط الضوء على ظاهرة الإلحاد نكتشف أنّ هناك عدة عوامل ساهمت في انتشار هذه الظاهرة، فهناك عوامل فكرية وهناك عوامل إعلامية وهناك عوامل نفسية ونحن نتحدث عن كل عامل من هذه العوامل بتفصيل ووضوح.

العامل الأول: ألا وهو العامل الفكري بمعنى أن يرجع الإلحاد إلى مدارس فكرية، وجذور فكرية وأيدلوجية مؤسسة ينتج عنها تبني الإلحاد، في البداية لا بد أن نفرق بين عدة ألوان؛ فهناك الملحد وهناك اللا ديني وهناك الربوبي وهناك المشكك وهناك اللا أدبي وهناك العلماني؛ هناك ألوان لا ينبغي أن نخلط بعضها بالبعض الآخر. الملحد وهو الذي ينكر وجود المبدأ لهذا الكون ووجود الخالق. هناك اللا ديني الذي يعترف بوجود خالقه ولكن يقول أنا لا أعترف بجميع الأديان واعتبرها اجتهادات وأفكار بشرية وضعها ما يسمى بالأنبياء والرسل.

هناك مثلاً الربوبي وهو الذي يعتقد بوجود الله ولكن يعتقد أن الله برأ هذا الكون وأبدع هذا الوجود ثم اعتزل وترك الكون يسير عبر أنظمة فيزيائية دقيقة فهو يُحكم مسيرته بنفسه بلا حاجة إلى أن يتدخل الإله في مراحل مسيرة الكون. هناك اللا أدبي الذي يقول أنا لا أريد أن أشغل نفسي في الفكر الديني هل هو صحيح أم لا، أنا مهمل أنا لا أدري عن شيء من ذلك أو أنا لا أستطيع أن أتصور هذه المفاهيم فأتركها. وهناك المشكك الذي يقول بأنني استمعت إلى أدلة رجال الدين استمعت إلى البراهين التي تطرحها الأديان على وجود المبدأ على وجود النبوات فلم أقتنع بشيء منها.

وهناك العلماني وهو الذي يفصل الدين عن الحياة ويقول بأن الدين هو ظاهرة ودور شخصي بين الإنسان وبين ربه صح أم أخطأ وليس للدين بصمات منعكسة على مجالات الحياة المختلفة سواء بالسياسة أو في الاقتصاد أو في العلاقات الاجتماعية العامة. نحن الآن نركز على الأقسام الثلاثة الأولى:

الأول: من ينكر المبدأ تعالى، والثاني: من يعترف بالمبدأ وينكر الأديان، والثالث: من يعترف بالله وينكر نفوذه ونفوذ سلطنته وقدرته في إدارة هذا الوجود. فنحن عندما نتحدث عن هذه الألوان الثلاثة نقول: هناك عوامل أسهمت في بروز ظاهرة الإلحاد التي تشمل الألوان الثلاثة، العامل الأول كما قلنا هو العامل الفكري، والعامل الفكري يتمثل في نوعين:

النوع الأول: هو نجاح العلم الحديث سواء على مستوى فيزيائه وكيميائه وفلكه أم نجاح العلم الحديث في تفسير الظواهر. لاحظوا أنّ الطرح الديني الذي كان سائداً قبل -لنفترض- 300 سنة أو 400 سنة كيف كان يتعامل مع الظواهر كظاهرة المطر وظاهرة الخسوف والكسوف وظاهرة الزلازل وظاهرة الأوبئة المنتشرة كيف كان يتعامل معها الطرح الديني آنذاك، كانت هذه الظواهر تطرح بصفتين صفة ميتافيزيقية غيبية وصفة غائية، الصفة الميتافيزيقية أن يقال: إنّ المطر تديره ملائكة والرياح تديرها ملائكة وكذلك الخسوف والكسوف يرجع إلى تدخل ملائكي في إبراز هذه الظاهرة تفسر ظواهر الكون التي تحيط بالإنسان بأن لها بعداً ميتافيزيقياً غيبياً لا يصل الإنسان إلى حقيقته وكُنهه، لذلك يتعامل الإنسان مع جميع الظواهر التي حوله بأنه يستسلم لها لأنه لا يستطيع أن يفهمها ولا أن يفسر كيف يتعامل، ومعها الصفة الثانية هي الصفة الغائية بأنّ جميع أحداث الكون حتى الزلازل وحتى البراكين جميع أحداث الكون وحتى الأمراض التي تحدث على الأرض هي لغاية إلهية يريدها الله، فهناك غاية يعرفها الله تبارك وتعالى وجميع ما في الكون من أحداث حتى لو كانت أحداثاً مدمرة هي أحداث منوطة بغاية وليست أحداثاً اعتباطية، وفي مقابل هذا الطرح الديني نجح العلم بنظر الناس في أن يبدد هذا الطرح الديني بكلتا الصفتين؛ أولاً استطاع أن يفسر هذه الظواهر تفسيراً مادياً خالياً من البعد الغيبي، ليس هناك بعداً غيبياً في ظاهرة المطر، هناك عملية تكوينية واضحة أنّ الشمس تسطع بأشعتها على ماء البحر فيتبخر الماء فيتحول إلى هذه المادة الغازية المكثفة وتمر الرياح عليها فترجع ماءً مرة أخرى من دون بعدٍ ميتافيزيقي آخر. ظاهرة الخسوف وظاهرة الكسوف كلها ظواهر كونية لها أسبابها الكونية المعروفة، لا نحتاج إلى أن ندخل بعداً غيبياً في تكون هذه الظواهر

وثانياً: في الصفة الأخرى لا توجد غاية، فهذه الظواهر أمور طبيعية تحدث عند حدوث أسبابها من دون وجود غاية وراء ذلك ولا هدف وراء ذلك، فاستطاع العلم تبديده لصفتي الغيبية والغائية في تحليل ظواهر الكون وأن يعبر إلى أذهان الملحدين فيقال إذا استطاع العلم أن يفسر هذه الظواهر فإنّه سيستطيع أن يفسر الظواهر الأخرى. ما يقال عنه بأنّه روح ليس هناك روح ليس هناك إلا أبعاد مادية كان الناس يسمونها بالروح؛ لأنهم لم يكونوا يدركون أسبابها المادية، ليس هناك فرق بين الموت والحياة إلا بفرق فيزيائي محض، وأما دعوة أنّ هناك روحاً يستلمها ملك الموت وتعرج إلى عالم آخر فكل هذا إنما هو تفسير ميتافيزيقي غيبي، والعلم كما فسّر ظاهرة المطر وظاهرة الخسوف والكسوف سيفسّر لنا ظاهرة الموت بتفسير فيزيائي واضح من دون أن نحتاج إلى إدخال الأبعاد الميتافيزيقية والغيبية. مثلاً عندما نأتي إلى مسألة الانفجار العظيم لهذا الكون وما طرحه (ستيفن هوكينج) في هذا المجال يقال بأنه إذا قرأنا هذه النظرية التي أصبحت الآن تتربع على جميع النظريات في تفسير وتحليل مبدأ الكون نجد أنّ الانفجار حدث صدفة وبشكل عشوائي بدون أسباب غيبية أو غائية وراء ذلك، إذن يمكن للعلم أن يُزحزح الدين عن كونه مصدراً للإجابة عن الأسئلة ويحل العلم محله وتنتهي ظاهرة التديّن من هذا الوجود، ومن هذا المجتمع البشري. هذا عامل من العوامل الفكرية التي أسهمت في انتشار ظاهرة الإلحاد. والنوع الثاني: هو بروز الفلسفة الوضعية. ففي القرن الثامن وعلى يد الفيلسوف الفرنسي (كانت) أسس ما يسمى بالفلسفة الوضعية تبتني هذه الفلسفة على أنّ ما لا يمكن رصده فلا وجود له، أنت تستطيع أن ترصد الخسوف والكسوف وله وجود، تستطيع أن ترصد الجاذبية من خلال رصد أثارها، فالجاذبية لها وجود، تستطيع أن ترصد الثقوب السوداء بألحاظ أثارها، فلها وجود، أما المَلَك أو الروح أو الإله أو الآخرة بما أنّه لا يمكن رصدها إذن لا وجود لها. ثم جاء الفيلسوف الانكليزي (آلن) عام 1936 ورسخ الفلسفة الوضعية وأضاف إليها هذه الصفة (الفلسفة الوضعية المنطقية)، والفلسفة الوضعية المنطقية تقوم على مبدأ التثبت، ما هو مبدأ التثبت؟

يقال: كل قضية تعرض عليك لها معيار في تصديقها أو تكذيبها، والمعيار العلمي في تصديق القضية إما معيار تجريبي وإما معيار رياضي وإما معيار منطقي، ولا يوجد معيار رابع بحسب الحصر العلمي. ففي المعيار التجريبي نقول: كل ماء تبلغ درجة حرارته (100) فإنّه يغلي، هذه قضية هي بحد ذاتها قضية تجريبية نعرضها على المعيار التجريبي لنثبت صحتها من فسادها، نأتي إلى القضية الرياضية فنحن عندما نقول 4 نصف 8 و4 ربع 16 هذه قضية معيار صدقها هو المعيار الرياضي، والمعيار المنطقي بمعنى أنّ القضية عندما تعرض بألفاظها يعني بما لها من مادة وصورة في عالم الألفاظ فهي تثبت صدقها من كذبها من خلال ألفاظها، فأنا عندما أقول أنا مفكر فهذه قضية بنفسها تثبت صحتها أو فسادها؛ لأنها تبتني على مادة وصورة ومضمون يتلقفه ذهن المخاطب ليستطيع أن يحلل صدقه من كذبه، أما القضايا الميتافيزيقيا  -المَلَك، الآخرة، الله، الروح- هذه القضايا لا يمكن عرضها لا على المعيار التجريبي ولا على المعيار الرياضي ولا على المعيار المنطقي، فإذا لم يوجد معيار لمحاكمتها فهي إذن قضايا افتراضية لا نشغل أنفسنا بها، لذلك الفلسفة الوضعية المنطقية التي تقول لا تعنينا هذه القضايا الدينية لأنه لا يمكن إخضاعها لمقياس التصحيح والتخطئة لذلك أنتجت عن هذه الفلسفة الوضعية بروز ظاهرة الإلحاد.

لاحظوا (أنتوني فلو) هذا أستاذ الفلسفة في جامعة أكسفورد الذي كان 80 سنة من حياته ملحداً ثم انقلب على الإلحاد وكتب كتابه المشهور (هناك إله)، هذا المفكر في زمان إلحاده كتب عدة كتب منها (فرضية الإلحاد) جعل الكرة في ملعب المتدينين، قال نحن لا نحتاج إلى أن نثبت عدم وجود الإله!! أنتم أيها المتدينون تحتاجون إلى إثبات وجود الإله؟! لأننا عندنا مقياس لصحة كل قضية إما تجريبي وإما رياضي وإما منطقي؟ قضاياكم لا تخضع لهذا المقياس أنتم الذين تحتاجون إلى إثبات فرضية الإله!! لأننا الذين لا نحتاج إلى نفي هذه الفرضية؛ فجعل الكرة في ملعب المتدينين. من العوامل الفكرية التي أسهمت في بروز ظاهرة الإلحاد هو مبدأ حساب الاحتمالات، ومبدأ حساب الاحتمالات ألغى المنطق الأرسطي، وأنا لا أريد أن أدخل في تحليل هذه الجهة، والمنطق الأرسطي يعتبر بحسب المنطق الرياضي أنه منطق عقيم، منطق لا ينتج؛ لأنّ النتيجة مستبطنة ومختزنة في إحدى مقدمتي القياس، فبما أنّ النتيجة مستبطنة في إحدى مقدمتي القياس إذاً هو قياس صوري واستدلال شكلي، وإلا فالمقدمة والنتيجة هي موجودة في رحم المقدمة، لذلك إنّ المنطق الأرسطي لا يصلح للاستدلال لإثبات القضايا، فاستبدل بمنطق حساب الاحتمالات، وبما أنه استبدل بمنطق حساب الاحتمالات، كثيراً من العلم الديني أو ما نعبّر عنه بعلم الكلام كثيراً من علم الكلام فقد مصداقيته كعلم ناهض، فنحن نثبت وجود الله من خلال براهين عقلية؛ برهان الإمكان وبرهان الحدوث، مثلاً برهان الصديقين نحن نثبت نبوة النبي من خلال حكم العقل العملي بقبح إعطاء المعجزة بيد الكاذب، بالنتيجة نحن نعتمد في إثبات المبدأ والنبوة على المنهج الأرسطي على القياس المنطقي الأرسطي، وبما أنّ هذا قياس أثبت فشله وعقمه إذاً خسرنا علماً كثيراً من علم الكلام الذي كنّا نعتمد عليه في إثبات المبدأ والعدل والنبوة والمعاد يوم القيامة، لأجل ذلك بروز دليل حساب الاحتمالات كمنطق رياضي حاكم هو الذي استوجب من أمثال السيد الشهيد السيد محمد باقر الصدر+ أن يقتحم هذا الميدان ويكتب كتابه (الأسس المنطقية للاستقراء) ليحاكم دليل حساب الاحتمالات، وأنه هل دليل حساب الاحتمالات صالح للإجابة على جميع الأسئلة من دون عوامل كيفية تنضم إلى هذا الدليل، فأسّس كتابه على هذه النقطة ليصح استخدام دليل حساب الاحتمالات في إثبات المبدأ وإثبات النبوة وفي إثبات المنتهى ألا وهو يوم المعاد.

هذه نعبر عنها بالعوامل الفكرية التي أسهمت في بروز ظاهرة الإلحاد.

نأتي إلى القسم الثاني من العوامل ألا وهو العامل الإعلامي: فالإعلام قد خدم الإلحاد؛ لأن المتدينين لا يملكون إعلاماً مؤثّراً، لا يملكون إعلاماً نافذاً، لاحظوا (دوكنز) معروف وهو من أشهر الملحدين في عصرنا الحاضر صاحب كتاب (الجيل الأناني) وكتاب (صانع الساعات الأعمى) وكتاب (وهم الإله) وهو من أشهر كتب الإلحاد المنتشرة بين شباب الغرب وشبابنا المبتعثين في الغرب، هذا الباحث الانكليزي قد أنشأ مؤسسات، والمتدينون غافلون لا ينشئون مؤسسات في الدعوة إلى الدين، بينما الملحدون ينشئون مؤسسات للدعوة إلى الإلحاد، قد أنشأ مؤسسات تتبنى استغلال الإعلام في نشر الإلحاد. مثلاً نذكر عدة خطوات قامت بها هذه المؤسسات:

الخطوة الأولى: استغلال كل وسائل الإعلام كالاتوبوسات في بريطانيا والقطارات والمطاعم ومحطات البنزين والحدائق العامة وكل الأماكن التي يقطنها أو يرتادها الإنسان مقيماً عابراً مسافراً يلقى شعارات الإلحاد فيها حتى يقربوك من الإلحاد شيئاً فشيئاً، مثلاً يكتبون: (على الأغلب ليس هناك إله فاستمتع بحياتك) يعني لا تقلق أن هناك إله، مثلاً يصوّرون طفلاً يخاطب والديه يقول لهما: من فضلكما لا تصنّفاني متديّناً دعوني أكبر وأختار لنفسي وبإرادة حرة. فهم الآن يعتبرون -في بريطانيا- تعليم الطفل الدين يتنافى مع الحرية الفكرية، اتركوا الطفل، لا تتحدث معهم عن الدين أبداً إلى أن يكبر ويقرّر مصيره بنفسه. يعتبرون حديثك مع الطفل عن الدين هو إرهاق وخلاف الحرية الفكرية التي يمتلكها الطفل! من الشعارات: الحياة الممتعة لا تحتاج إلى إيمان، فبإمكانك أن تستمتع بحياتك بدون إيمان.

الخطوة الثانية: قد عقدوا مؤتمرات كثيرة لتسفيه واحتقار الفكر الديني واستبدال العلم بدله فقالوا البديل عن الدين هو العلم والعلم الذي يستطيع أن يجيب عن الأسئلة المصيرية التي تمر بالإنسان في مؤتمر كاليفورنيا عام 2006م طرحت هذه المفاهيم منها "الدين وهم يدعو إلى العنف والحروب" يقولون ماذا حصلنا من الدين!! سواء الحروب بين المسلمين والمسيحيين والحروب الصليبية والفتوحات الإسلامية؟

ماذا حصلنا من الدين غير ظهور القاعدة وربيبتها داعش، ماذا حصلنا من الدين غير تدمير البشرية، الدين وهمٌ يدعو إلى العنف والحروب، لا نحتاج إلى الإله كي نكون على خُلُق، فأنتم لاحظوا الأمين الصادق لا يحتاج أن يكون متديّناً، فيمكن للإنسان أن يكون أميناً عفيفاً وصادقاً مع الآخرين من دون أن يكون متديّناً. فلماذا نقحم الدين حتى في علاقاتنا الاجتماعية!! فإذا تخلّصنا من الدين سنستطيع أن نجيب على جميع الأسئلة، هذه الخطوة الثانية. الخطوة الثالثة: لقد ملؤا عالم الانترنت كصفحات الفيسبوك مثلاً ملؤوها بصور العمليات الانتحارية التي تقوم بها داعش وأخواتها وصور اختطاف الأبرياء وصور اغتصاب الأطفال من قبل هذه الزمر الظلامية التي تتبنى الإسلام وصور سرقة بعض مَن يتسمى بالدين أموالَ الناس باسم الدين.

فظاهرة الرق قد عادت من جديد كما تعرفون، واسترقاق الناس، وسوق النخاسة وبيع النساء من طرف إلى طرف آخر. ومما أجّج استغلال الإلحاد لوسائل الإعلام هي أحداث 11 سبتمبر عام 2001م، أكدت على استغلال الإلحاد لوسائل الإعلام، لذلك نفسه (دوكنز) مباشرة بعد هذه الأحداث ظهر على شاشات التلفزيون في بريطانيا وفي عدة مقابلات قال "تحولت (أنا كنت محايداً فالآن أنا لست محايداً) بعد هذه الأحداث إلى متطرف راديكالي وتلاشى من قلبي بقايا -لقد كانت عندي بقايا احترام للدين تلاشى- وتلاشى من قلبي بقايا احترام الديانات فتلاشى الاحترام مع الدخان والتراب الذي تصاعد نتيجة التفجير في أحداث 11 سبتمبر!!" هذا العامل الإعلامي.

والعامل الأخير الذي أتعرض له هو العامل النفسي: الإلحاد أحياناً تقوده عوامل نفسية تؤدي إلى تبني الإلحاد، على سبيل المثال أذكر عدة عوامل؛ فنحن من خلال الاستقراء استقرأناها من عدة تجارب إلحادية استمعنا إليها فالعامل الأول هو الراحة، فيقول أحدهم: (أنا الآن سعيد مع كوني ملحداً، فعندما أصبحت ملحداً شعرت بالسعادة؛ فليس هناك رقابة عليّ، وليس هناك من يتابعني، وليس هناك إله يراقبني ويحصي عثراتي، فأنا شعرت بالسعادة لأني أنا ملحد، فلماذا أخرج من هذا العالم -عالم السعادة- إلى عالم قيود وتضييق ورقابة ومتابعة وهو عالم التدين؟)

مثلاً عامل نفسي آخر ألا وهو السأم من العبادة، فلماذا نتعب أنفسنا بالعبادة 50 سنة أو 70 سنة كلها عبادة يوميّاً؟ لماذا، بما أنّ الله الذي يطرحه المتدينون لا يحتاج إلى عبادتنا فلماذا نحن نتعب أنفسنا في العبادة؟ فلنترك هذه العبادة ونتجه إلى حياتنا ونستثمر الوقت الذي سنستثمره في العبادة، فلنستثمره في الدراسة وفي العلم وفي الإنتاج والعطاء وفي تطوير الحياة. إذاً هذا عامل نفسي وهو السأم من طول العبادة أو من فكرة العبادة.

ومن العوامل النفسية الأخرى الحرية الإباحية، فتعرفون جيداً بأنّ هناك نمط من الناس يعيش فرطاً في النزعة الجنسية وكذلك يعيش فرطاً في النزعة العاطفية، يجد أن لا متنفس له في المجتمع الديني وفي المجتمع المحافظ، فعندما يتجاوز الدين ويتحول إلى ملحد يجد إشباعاً لنهمه الجنسي والعاطفي، إنّه يجد في المجتمعات الإباحية مجالاً لإشباع غريزته؛ لذلك يخرج عن إطار التدين إلى إطار الإلحاد انقياداً للعامل النفسي الذي يعيشه. هنا أذكر أيضاً من الأسباب النفسية ما طرحه (بدز) أستاذ الطب النفسي في جامعة نيويورك، هذا كان ملحداً لمدة 40 سنة ثم أصبح متديناً، ولما أصبح متديناً أجرى دراسات نفسية على مجموعة من الملحدين فاكتشف عاملاً مشتركاً بينهم، فعبّر عنه بخلل عصابي وراء هؤلاء الملحدين، فما هو هذا الخلل العصابي؟ هو (الميول والرغبة الشديدة للانتماء للطبقة الأفضل في المجتمع)، وكثيراً من شبابنا المبتعثين مع كل الأسف يشعرون بأنهم طبقة هابطة عندما يذهبون إلى الغرب، هو يرغب بأن ينتمي لتلك الطبقة الراقية في الغرب، الطبقة المستحوذة على الشركات وتمتلك الإعلام وتمتلك النجومية وتمتلك الشهرة وتمتلك العطاء والإنتاج في الغرب، فرغبته في أن ينتمي إلى هذه الطبقة تعني أن يتخلى عن الدين، وخصوصاً إذا كان الدين هو الإسلام فهو دين مبغوض لأجل ذلك حتى يتخلص من هذا العبء وينتمي إلى تلك الطبقة، يتخلّص من الدين ويصبح ملحداً ليكون شخصاً مرغوباً أو يتحرر من المحيط الأسري والاجتماعي الذي يشعر بأنّ المحيط الشرقي في دول الخليج وفي العراق وفي إيران؛ هذا المجتمع الشرقي مجتمع أسري ضيق يتابع الإنسان ويراقبه ويجهز على حريته، فلكي يتخلّص من هذا المجتمع لا بدّ أن يتبنى الإلحاد، لذلك كتب (بدز) هذا الكتاب (منظور التقصير الأبوي) يعني الأسرة دائماً تربي الطفل على الخنق والضيق بحيث يكون هذا العامل التربوي سبباً في بعده عن الدين كما ظهر هذا الكتاب عام 1999م. هذه مجموعة العوامل الفكرية والإعلامية والنفسية التي أسهمت في بروز ظاهرة الإلحاد.