أنبوبة الاختبار هي الحكم: هل فشل المنهج التجريبي في معرفة «الإله»؟

يحكى ان رجلاً رأى أحدَ العمّال يبحث عن المعادن تحت الرمال عن طريق جهاز الكشف عن المعادن. فتعجّب من دقة الجهاز وقدرته على التنبؤ بما هو مدفون تحت الأرض من المعادن.

فأخذ نفس هذه الآلة وبدأ يبحث عن أشياء بلاستيكية وخشبية مدفونة تحت الأرض باستخدام نفس هذه الآلة. فلمّا لم يجد قال:

"لا يوجد في هذا الشاطئ خشب ولا بلاستيك لأنني استعملت هذه الآلة التي أثبتت كفاءتها في البحث عن المفقودات فلم أجد شيئاً".

يبدو أن هذا الرجل قد ارتكب خطأ كبيراً في استعمال الآلة تلك في غير موضوعها.

تخيل أنه زاد على ذلك من شدة إعجابه بهذه الآلة فقال: لا يوجد في الوجود خشب أو بلاستيك، لأنني كلما استعملت هذه الآلة لم أجد شيئا. وأنا لا أصدق غيرها!!

فخطأ هذا الإنسان ليس في تصديقه لهذه الأجهزة بعد أن أثبتت كفاءتها في الكشف عن المعادن، وإنما خطؤه في أنه قصر المصدر الوحيد للمعرفة على هذه الأجهزة. فهي –بالرغم من كفاءتها في مجالها- لا تكشف عن كل شيء في العالم.

بعض الناس صار يرتكب خطأ مشابها في معرض حماسته للعلم التجريبي، ويقول إنه لن يصدق إلا ما رآه بعينيه، وأن العلم التجريبي هو مقصده الأوحد للكشف عن أي حقيقة. وهذا القائل يظلم العلم التجريبي، ويسيء فهم دوره من حيث يظن أنه يتبعه وينصره.

تقوم حقيقة هذا الاعتراض على ان الطريق الوحيد المأمون الذي يمكن من خلاله اثبات الأشياء ونفيها في الخارج هو المنهج العلمي التجريبي، الذي يسلكه العلماء التجريبيون في بحوثهم ودراساتهم، وفي بيان هذا المعنى يقول بتراند راسل: ان الذي يعجز العلم عن اكتشافه لا يستطيع البشر معرفته[1]. ويقول جي، ي، مورلاند ـ أحد المعاصرين الغلاة في العلم ـ: العلم وحده عقلاني، العلم وحده يحقق الحق وأن كل شيء آخر مجرد عقيدة ورأي... إذا كان هناك شيء لا يمكن قيامه واختباره بالطريقة العلمية فلا يمكن ان يكون صحيحاً او عقلانياً[2].

وبما ان الوجود الإلهي لا يمكن اثباته بالطريق العلمي التجريبي، فإنه لا يصح الإيمان بوجوده ولا التسليم بخلقه للكون، يقول بوجين سكون ـ عالم في المركز القومي للتعليم العلمي ـ لا يمكن ان نضع إلهاً كلياً في أنبوب اختبار[3].

وكتب قبله ستيوارت مل مقالاً بعنوان: (الايمان بالله والدين المنزل)، قال فيه: ان الله لا مكان له في العالم الحديث؛ نظراً لعدم قدرة الإنسان على اخضاع فكرة الإلوهية للتجرية[4].

لكن بمراجعة لطبيعة المنهج العلمي التجريبي نجد انه لا يثبت ولا ينفي ما لا يمكن اخضاعه للاختبار والتجربة، لكون هذه الأمور خارجة عن نطاقه الذي يمكن ان يعمل فيه، وأصول القضايا الدينية ليست مما يمكن اخضاعها للاختبار والتجربة، إذن فالمنهجية العلمية الصحيحة تقتضي ان لا يحكم عليها من خلال المنهج التجريبي بإثبات ولا نفي، لكونها خارجة عن نطاقه.

يقول ستيفن جاي جولد: العلم لا يمكنه بأساليبه المشروعة أن يتخذ قرارات فاصلة في قضية وجود الله فنحن لا نؤكدها ولا ننكرها، وبصفتنا علماء لا يمكننا التعليق عليها أصلاً[5].

وتؤكد الأكاديمية الامريكية للعلوم المعنى ذاته فتقول: العلم هو وسيلة للمعرفة عن العالم الطبيعي، ويقتصر على تفسير العالم الطبيعي من خلال الأسباب الطبيعية، لذلك لا يمكن للعلم ان يقول أي شيء عما هو فوق طبيعي، فمسألة وجود الله او عدم وجوده هي أمر يقف العلم تجاهها على الحياد[6]. هذا أولاً.

وثانياً، ان طرق اثبات الوجود الخارجي للأشياء لا تقتصر على طريق الأدراك الحسي، واخضاعه للاختبار والتجربة، وإنما يمكن إثباته عن طريق آثاره وأفعاله، فكثير من الحقائق التي يؤمن بها العلماء التجريبيون ويصدقون بها، ويبنون عليها اكتشافاتهم، لم يتم إثباتها عن طريق الحس والتجربة، يقول واين أولت ـ وهو من المختصين بالكيمياء الحيوية ـ مبيناً تناقض الذين ينكرون وجود الله بناء على ان وجوده لا يخضع للمنهج العلمي التجريبي: يسلم العلماء بصحة بعض الفروض المقبولة ، والتي ليس هناك سبيل لأدراكها إدراكاً حسياً، فليس هناك من يستطيع أن يدعي أنه رأى البروتون او الإلكترون، ولكن الناس يلمسون آثارهما، وكذلك الحال فيما يتصل بتركيب الذرة وخواصها، وكذلك الحال فيما يتعلق بتركيب الأجرام السماوية البعيدة، وما يفصلها من مسافات شاسعة، مما لا نستطيع أن نخضعه لتجاربنا، أو نقيم الأدلة المباشرة على صحة نظرياتنا وفروضنا حوله.

فمن الواضح ان كثيراً من المعلومات التي يحتاجها الإنسان في حياته ويسلم بصحتها، لابد أن يتقبلها ويؤمن بها إيماناً يقوم على التسليم بصحتها، وليس معنى ذلك أنه إيمان أعمى، فهو إيمان يسمح بأن يوضع على محك الاختبار في شتى مواضيعه، فيزداد بذلك قوة وتدعيماً ويستطيع الإنسان أن يمارس مثل هذا الإيمان فيما يتصل بفكرة وجود الله[7].

ويؤكد أستاذ الفيزياء التطبيقية جورج هربرت لونت وجود التناقض نفسه عند الغلاة في العلم المنكرين لوجود الله، فيقول في كلام مفصل: فمن المعروف في علم الهندسة اننا نستطيع ان نبني كثيراً من النظريات على عدد قليل من البديهيات، (يقصد بالبديهيات الأمور التي لا يمكن اختبارها وإقامة التجربة عليها) او تلك الفروض التي نسلم بها دون مناقشة أو جدال حول صحتها، فالعلماء يسلمون أولاً بالبديهيات، ثم يتبعون مقتضياتها او النتائج التي تترتب عليها، وعند اثبات أي نظرية نجد ان برهانها يعتمد في النهاية على مسلمات أو أمور بديهية، ومع ذلك فإن النظريات مجتمعة لا تستطيع أن تقدم دليلاً على صحة بديهية من هذه البديهيات، ولكننا نستطيع أن نختبر صحة هذه البديهيات بمعرفة ما يترتب على استخدامها من اتفاق او تضارب مع التطبيقات العملية والحقائق المشاهدة.

ولا تعتبر صحة النظريات التي تقوم على الأخذ بهذه البديهيات، ولا مجرد عدم مشاهدة آثار للتناقض بين هذه النظريات وبين الواقع والمشاهد، دليلاً او برهاناً كافياً، فالواقع أننا نقبل البديهيات قبول تسليم وإيمان، وليس معنى ذلك بطبيعة الحال أنه تسليم وإيمان أعمى لا يقوم على البصيرة.

وكذلك الحال فيما يتعلق بوجود الله، فوجوده تعالى امر بديهي من الوجهة الفلسفية، والاستدلال بالأشياء على وجود الله ـ كما في الإثبات الهندسي ـ لا يرمي الى إثبات البديهيات، ولكنه يبدأ بها، فإذا كان هناك اتفاق بين هذه البديهية وبين ما نشاهده من حقائق هذا الكون ونظامه، فإنه يعد دليلاً على صحة البديهية التي اخترناها، وعلى هذا فإن الاستدلال على وجود الله يقوم على أساس المطابقة بين ما نتوقعه إذا كان هناك إله وبين الواقع الذي نشاهده.

والاستدلال بهذا المعنى ليس معناه ضعف الإيمان، ولكنه طريقة مقبولة البديهيات قبولاً يتسم باستخدام الفكر، ويقوم على أساس الاقتناع بدلاً من ان يكون تسليماً أعمى[8].

وأيضاً يقول فيرنر هايزنبرك الحائز على جائزة نوبل بأن: قوانين الطبيعة عندما صيغت رياضياً في النظرية الكمومية لا تتعامل بهذه الحالة مع الجسيمات الأولية ولكنها تتعامل مع معرفتنا بها[9].

فكثير من القوانين الطبيعية المسلمة اليوم لم تخضع للتجربة، وإنما آمنا بها لمعرفتنا بآثارها.

وثالثاً: ولعله تأكيد لما تقدم، ان الذي يطالع أكثر الآراء العلمية اليوم يجدها (تفسير للملاحظات)، أي ان العالم عندما يلاحظ شيئاً يعطيه تفسيراً معيناً، وتفسيره هذا غير ملاحظته، فقد يرى الإنسان سلوكاً معيناً للجزيئات تحت الذرية كالإلكترونات والبروتونات، فيفسره تفسيراً معيناً فهذا التفسير ليس هو ما لاحظه، وأدخله أنبوب التجارب، وانما هو استنباط واستنتاج وقياس بعض السلوكيات على البعض الآخر، وهذه التفسيرات لا تسمى تجربة، وكلما زادت الشواهد التي تؤيد تفسيره، قوي التفسير الى ان يصل الى حد النظرية المسلمة، فمثلاً  إيه ميكلسون وإي مورلي حاولا تفسير انتقال الموجات الكهرومغناطيسية، ففسراها كحال أكثر علماء تلك الفترة عن طريق وجود الأثير وأنه المسؤول على حمل الموجات الكهرومغناطيسية، ولكن عند فشلهما في إثبات وجود الأثير تخلا عن هذا التفسير الى ان وضع أينشتاين تفسيراً للظاهرة، لكن العلماء لاحظوا قصور المعادلات المبنية على هذه النظرية من قياس المسافات الضئيلة، الى ان وصلت النوبة الى مجموعة من العلماء الشباب أمثال هيزنبيرج وديراك وبوهر وباولي وغيرهم من أفذاذ التاريخ البشري، وأسسوا نظرية تتعلق بفيزياء الكم قادرة على قياس المسافات الضئيلة الذرية وما دونها. فعندما وجد العلماء أن هذه المعادلات الكلاسيكية لا تستطيع تفسير فيزياء المسافات الضئيلة تم اقتراح تفسيراً آخر قائم على مبادئ فيزياء الكم. وهكذا ، فالعلم قائم على الافتراض والتفسير اي تفسير الظواهر وما تقوم عليه الملاحظة والتجربة، وهذا التفسير قد يصيب وقد يخطأ، ويتم التحقق منه بحسب قدرته على تفسير كل مصاديق وأفراد الظاهرة، وعند عجزه عن التفسير يُعلم ان ثمة خطب ما في هذا التفسير ولابد من البحث عن تفسير آخر، يقول الكسيس كارليل: إن الكون الرياضي شبكة عجيبة من القياسات والفروض[10].

فالعلم ليس هو الا قياس بعض الأمور على بعض وافتراضات يمكن التحقق من صحتها من خلال ما تقدم.

ويقول البروفيسور أ. ي. ماندير: إن الحقائق التي نتعرفها مباشرة تسمى الحقائق المحسوسة، بيد ان الحقائق التي توصلنا الى معرفتها لا تنحصر بالحقائق المحسوسة ، فهناك حقائق أخرى كثيرة لم نتعرف عليها مباشرة، ولكنا عثرنا عليه على كل حال، ووسيلتنا في هذا السبيل هي الاستنباط، فهذا النوع من الحقائق هو ما نسميه بالحقائق المستنبطة، والأهم ان نفهم انه لا فرق بين الحقيقتين، وإنما الفرق هو في التسمية، من حيث تعرفنا على الأولى مباشرة وعلى الثانية بالواسطة، والحقيقة دائماً هي الحقيقة، سواء عرفناها بالمباشرة او بالاستنباط[11].

ويضيف ماندير قائلاً: إن حقائق الكون لا تدرك الحواس منها غير القليل، فكيف يمكن أن نعرف شيئاً عن الكثير الآخر؟ .. هناك وسيلة وهي الاستباط او التعليل. وكلاهما طريق فكري، نبتدأ به بواسطة حقائق معلومة، حتى ننتهي بنظرية: إن الشيء الفلاني يوجد هنا ولم نشاهده مطلقاً[12].

فطريقة العلم الحديث أنه يقدم رأياً عن شيء بعد مشاهدة مظاهره، وعندما يجتمع لدى العالم قدراً مناسباً من الحقائق الملحوظة فإنه يحس بضرورة وضع نظرية او فرض علمي، وبعبارة أدق: ضرورة فكرة اعتقادية ووجدانية، تقوم بتفسير الملاحظات، وربط بعضها ببعض، فإذا نجحت هذه الفكرة الاعتقادية في تفسير الحقائق تفسيراً كاملاً عدت حقيقة علمية، رغم أنها لم تلاحظ قط كما لوحظت الحقائق الأخرى التي نعرفها بالمشاهدة، او بالملاحظة العلمية.

ومعنى ذلك ان العالم يؤمن بوجود شيء غريب بمجرد ظهور نتائجه وآثاره، فكل حقيقة نؤمن بها تكون دائماً (فرضاً) في أول أمرها، الى ان نكشف حقائق جديدة تدعم صدقها، فنزداد يقيناً بها، حتى نبلغ حق اليقين. وإذا لم تؤيدها الملاحظات اللاحقة تخلينا عنها.

فالحقائق العلمية ليست بحقائق شوهدت فعلاً، وإنما هي تفسيرات لبعض المشاهدات، لأن المشاهدات الإنسانية لا يمكن ان توصف بانها كاملة، يقول البروفيسور سوليفان بعد نقده للنظريات العلمية: هذا العرض للنظريات العلمية يثبت ان معنى نظرية علمية صحيحة أنها فروض عملية ناجحة ومن الممكن ان تكون سائر النظريات العلمية باطلاً، ذلك ان النظريات التي نعتبرها اليوم حقيقة ليست إلا ـ قياساً على وسائلنا المحدودة للملاحظة ـ ولا تزال قضية الحقيقة في عالم العلم قضية علمية ونفعية[13].

وهذا ما قام به المتدينون، فلاحظوا ظواهر عدة واستنبطوا منها وجود الإله، أفلا يكون هذا وفق المنهج العلمي!!

رابعاً: قصور العلم التجريبي وعدم قدرته على توفير الأجوبة لكثير من الأسئلة، فالاقتصار على انبوبة الاختبار يجعل مثل قضايا الفن والجمال والقيم والأخلاق والشعر والفلسفة ليست علمية، وحينئذ يكون الاقتصار على العلم التجريبي التزاماً بالجهل، وعدم إمكان تحديد موقف في مثل هذه القضايا. ولنقرب المسألة بمثال: هب ان أمك صنعت لك كعكة، فأخذناها ليتم تحليلها من قبل مجموعة من العلماء، فإذا سألتهم عن تفسير للكعكة؟ فعلماء التغذية سيخبروننا عن عدد السعرات الحرارية في الكعكة وأثرها التغذوي، أما علماء الكيمياء الحيوية فسيحيطوننا علما عن البروتينات والدسم الى أخره، والكيميائيون سيحدثوننا عن العناصر التي دخلت في الكعكة، والفيزيائيون يحللونها وفق الجسيمات الأولية، وسيكون دور أهل الرياضيات عرض مجموعة من المعادلات الأنيقة التي تصف سلوك هذه الجزيئات. وبعد أن قدم لنا كل هؤلاء العلماء وصفاً علمياً للكعكة، هل يمكن ان نقول ان الكعكة قد تم تفسيرها تفسيراً كاملاً، فلنفترض إنك سألت هؤلاء العلماء: لماذا صنعت أمي الكعكة؟ هل يستطيعون إجابتك؟ بالقطع لا؛ لأن العلم يختص بجواب أسئلة كيف، ولا يجيب عن أسئلة من قبيل لماذا. من هنا يتضح قصور العلم الحسي التجريبي عن تفسير كافة الظواهر، والحاجة الى علوم أخرى قادرة على ذلك، ومكملة له. يشير الى هذا حامل جائزة نوبل سير بيتر ميداوار في كتابه (نصيحة الى العالم الشاب): لا يوجد أسرع في التسبب بالعار للعالم لنفسه او لمهمته من ان يعلن بطريقة شاملة وخصوصاً عندما لا يوجد أي داع لمثل هذا الإعلان، بأن العلم يعرف او سيعرف قريباً أجوبة كل الأسئلة التي تستحق أن تسأل وأن الأسئلة التي تتطلب جواباً علمياً هي بطريقة ما ليست أسئلة او أسئلة كاذبة يسألها الأغبياء فقط ويدعي السذج أنهم قادرون على إجابتها.

ويتابع قائلاً: إن وجود حدود للعلم شيء واضح من عجزه عن الإجابة على أسئلة من مستوى أسئلة تلاميذ المدرسة الابتدائية، بما يتعلق بأول وآخر الأشياء، أسئلة من نوع: (كيف بدأ كل شيء؟) او (لماذا نحن هنا؟)، (والغاية من الحياة؟).. ويضيف: باننا يجب ان نلجأ الى الأدب التخيلي والى الدين للحصول على الأجوبة لهذه الأسئلة[14].

ويؤكد فرانسيس كولنز: مدير معهد الجينوم على هذا: العلم لا حيلة له في الإجابة عن أسئلة من نوع "لماذا جاء الكون الى الوجود؟"

، ما معنى الوجود الإنساني؟" " مالذي سيحدث بعد أن نموت؟"[15].

يكتب أوستن فاور: كل علم يختار منحى من مناحي الأشياء في العالم ويظهر لنا كيف تعمل، وكل شيء يقع خارج المجال يقع خارج مجال هذا العلم، ونظراً لأن الإله ليس جزءً من هذا العالم، وبالأحرى ليس أحد مظاهره، لا يمكن أي شيء يقال عن الخالق ـ مهما كان حقاً ـ ان يصير عبارة تنتمي الى أي نوع من أنواع العلوم[16].

فالقول بأنه لابد ان يخضع الوجود الإلهي للبحث الحسي التجريبي قول عبثي قائم على تحكمات واشتراطات لا مسوغ لها ولا دليل عليها، وفي الختام أرى ان قصة كذاب بلدة كريت تنطبق تماماً على دعوى هؤلاء، وملخصها إن رجلاً دخل بلدة كريت اليونانية، وصادف أحد فلاسفتها، فقال له الفيلسوف: مالذي جاء بك؟ أجابه الرجل: جئت لأتعلم من فلاسفة هذه البلدة. فقال له الفيلسوف: إن كل فلاسفة كريت كذابون.

وهنا تحير الرجل: فإن كان كلام هذا الفيلسوف صادقاً، فلابد ان يكون قد كذب عليَّ لأنه منهم، فقد قرر الفيلسوف ان كل الفلاسفة كاذبون وبما انه منهم فيكون كاذباً.

وهنا نقول ان كان كلام المتحمسين للعلم التجريبي (بأن طريق المعرفة منحصر بالعلم التجريبي، وكل ما عداه باطل)، صادقاً بطل هذه الدعوة نفسها لأنها تفسير واستنتاج لم يخضع لآليات العلم التجريبي، فهل قامت التجربة على صحة هذه المقولة؟ وهل يمكن اختبار هذه الدعوى في المختبر، وهل هي من قبيل المادة ليتم اختبارها ومعرفتها من خلال العلم التجريبي؟

فهي مما يبطل نفسه بنفسه، فيصدق عليها قوله تعالى: (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً).النحل: 92.

الهوامش:

[1] العلم والدين 243.

[2] القضية الخالق، لي سترويل 94.

[3] القضية الخالق، 24.

[4] الإلحاد في الغرب، رمسيس عوض، 206.

[5] العلم ووجود الله، هل قتل العلم الايمان بوجود الله؟ جون لينكس، 160.

[6] من خلق الله، إدكار اندورز، 70. هذا اولاً.

[7] الله يتجلى في عصر العلم، تحرير جون كلوفرمونسيما، 136.

[8] الله يتجلى في عصر العلم، 185.

[9] اقوى براهين جون لينكس، 50.

[10] الإسلام يتحدى، ص40.

[11] A.E. mander. Clearer thinking. 46.

[12] المرجع السابق، 49.

[13] J.w.n.Sullvan. Limitaions of Science, p. 158.

[14] Hannah Devlin. Hawking: God Did Not Greate The Universe. 12 Sep 2010.

[15] أقوى براهين جون لينكس، ص70.

[16] Fan 1997. P. 26ـ/ Is science a religion?. The Humanist. Jan