نقل الفتوى في زمن النبي والأئمة (ع).. هل اختلف «الاجتهاد» في وقتنا الحالي؟

إن الفقاهة والاجتهاد في العصور الماضية لا يختلفان عن الفقاهة والاجتهاد في عصرنا الحالي، ويخطئ من يقول إنهما في الماضي كانا فقط مجرد نقل الفتيا والحكم الشرعي من مصدرها المتمثل بالمعصومين عليهم السلام، وأما هذا الاجتهاد الموجود في زماننا فلم يكن له أثر ولا عين.

ومن هنا قالوا:  لا دلالة للآية المباركة ﴿فَلَوْ لاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي اَلدِّينِ ولِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ على حجية إنذار الفقيه بالمعنى المصطلح لتدل على حجية فتواه، وإنما تدل على حجية النقل والرواية فقط  فيكون إنذار الفقيه ـ المذكور في الآية الكريمة السابقة - هو مجرد نقله للحكم الشرعي عند سماعه من النبي صلى الله عليه وآله ولا ينطبق على المجتهدين في زماننا!!

لكن الآية الكريمة قد أخذت عنوان الفقاهة في موضوع وجوب التحذر، وبعبارة أوضح: إنها بينت وجوب الإنذار على صنف خاص من الناس وهم الفقهاء، والراوي لا يجب أن يكون فقيهاً. فلا يشترط أن يكون الراوي منتبهاً وفاهماً الى المراد من الرواية بل يشترط أن يكون الناقل للرواية ثقة حافظاً فقط.

وحتى لو كان الراوي ملتفتاً وفاهماً للمراد من الرواية فأنه حينئذ لا يصدق عليه عنوان الفقيه، لضـرورة أن العلم بحكم أو بحكمين لا يكفي في صدق عنوان الفقاهة عليه.

ومن جهة أخرى فلأنه كما قلنا إن الاجتهاد والفقاهة في الماضي غير مختلف عنهما في هذا الزمان بل هما أمر واحد حيث أن المعنى المراد منهما هو:

 معرفة الأحكام بالدليل، ولا اختلاف في ذلك بين العصور، نعم يتفاوت الاجتهاد في تلك العصور مع الاجتهاد في مثل زماننا هذا في السهولة والصعوبة حيث أن التفقه في الصدر الأوّل إنما كان بسماع الحديث، ولم تكن معرفتهم للأحكام متوقفة على تعلم اللغة، لكونهم من أهل اللسان، ولو كانوا من غيرهم ولم يكونوا عارفين باللغة كانوا يسألونها عن الإمام عليه السلام فلم يكن اجتهادهم متوقفاً على مقدمات، أما اللغة فلما عرفت، وأمّا حجية الظهور واعتبار الخبر الواحد وهما الركنان الركينان في الاجتهاد فلأجل أنهما كانا عندهم من المسلّمات. وهذا بخلاف الأعصر المتأخرة لتوقف الاجتهاد فيها على مقدمات كثيرة، إلاّ أن مجرد ذلك لا يوجب التغيير في معنى الاجتهاد، فإن المهم مما يتوقف عليه التفقه في العصور المتأخرة إنما هو مسألة تعارض الروايات، وقد كان يتحقق في تلك العصور أيضاً، لذا كان الأصحاب يسألون الأئمة عليهم السلام عمّا إذا ورد عنهم خبران متعارضان. إذن التفقه والاجتهاد بمعنى إعمال النظر متساويان في الأعصار السابقة واللّاحقة وقد كانا متحققين في الصدر الأول أيضاً. ومن هنا ورد في مقبولة عمر بن‏ حنظلة: «ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا...» ([1]) وفي بعض الأخبار ورد الأمر بالإفتاء صريحاً.

فدعوى أن الفقاهة والاجتهاد بالمعنى المصطلح عليه لا عين ولا أثر له في الأعصار السالفة مما لا وجه له. ومعه لا موجب لاختصاص الآية المباركة بالحكاية والإخبار، لشمولها الإفتاء أيضاً كما عرفت. فدلالة الآية على حجية الفتوى وجواز التقليد مما لا مناقشة فيه.

(([1] الكافي للشيخ الكليني قدس سره 1: 67، و7: 412؛ وكتاب من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق 3: 5؛ وكتاب التهذيب للشيخ الطوسي 6: 301؛ وكتاب الاحتجاج للطبرسي: 194.