ماذا تعرف عن «غزوة بني قريظة»؟

غزوة بني قريظة من الفعاليات العسكرية التي حفظها لنا التاريخ فيما حفظ من السيرة النبوية الشريفة، وتتلخص احداثها في أن يهود بني قريظة، الذين ارتبطوا مع النبي الاكرم صلى الله عليه وآله، بعهود ومواثيق في مقدمة ما تلزمهما به عدم اعتداء طرف على طرف آخر، وان لا يكون في حرب عليه، خانوا العهد في معركة الاحزاب حين جاء سيدَهم كعب بن أسد حيي بن اخطب سيد بني قينقاع، الذين سبق وأن أجلاهم النبي صلى الله عليه وآله عن المدينة لما قاموا به من اعتداء على المسلمين، وأقنعه بالانضمام الى المشركين والغدر بالمسلمين ونكث العهود معهم. قال حيي بن اخطب: ويحك يا كعب جئتك بعز الدهر، وببحر طامٍ. جئتك بقريش على قادتها وسادتها، حتى أنختهم بالمدينة. وجئتك بغطفان على قادتها وسادتها. وقد عاهدوني ألا يبرحوا حتى يستأصلوا محمداً ومن معه. فتأبّى كعب، وقال: جئتني بذل الدهر، بجهام هراق ماؤه، وبرعد وببرق ليس فيه شيء. فلم يزل يفتله في الذروة وفي الغارب، حتى أعطاه عهداً من الله وميثاقاً أن يكون معه، على أنه إن رجعت تلك الجموع خائبة ولم يقتلوا محمداً أن يرجع معه إلى حصنه، يصيبه ما أصابه. ونقض كعب ما بينه وبين رسول الله، وبرئ مما كان عليه له ومزقوا الصحيفة التي كان فيها العقد (السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص231 و 232)، وقد أضرت هذه الخيانة بالنبي صلى الله عليه وآله ومن معه من المسلمين بضرر شديد، حيث ان يهود بني قريضة قد فتحوا جبهة داخلية تسببت بنشر الخوف، وقد جاء في وصف ذلك الخوف على لسان ام سلمة حيث قالت قد شهدت مع رسول الله مَشاهِد فيها قتال وخوف لم يكن من ذلك شيء أتعب لرسول الله ولا أخوف عندنا من حرب الخندق وذلك أنّ المسلمين كانوا مثل الحرجة (الشجرة ذات الأغصان الكثيرة) وأن قريظة لا نأمنها على الذراري والمدينة تُحرَس حتى الصباح، يُسمع تكبير المسلمين فيها حتى يُصبِحوا خوفاً.

كما ان بني قريضة قد قامت بمراسلة المشركين المحاصرين للمدينة تطلب منهم أن يمدوها بألف من قريش والف من غطفان ليُغِيروا بهم على المسلمين (الواقدي، ج1، ص 467 – 468)، كما انها في احدى الليالي ارسلت نفرا من شجعانها بما يشبه الغارة فتصدى لهم بعض المسلمين في البقيع واجبروهم على الفرار.

 وما إن انهزم الأحزاب حتى جاء المسلمين النداء من النبي صلى الله عليه وآله: "لا يصلينّ أحد العصر إلا في بني قريظة". وكان هذا النداء من الله (عز وجل) فما إن عاد رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة ووضع السلاح واغتسل وقد عصب رأسه الغبار حتى جاءه جبرائيل عليه السلام فقال له: وضعت السلاح فو الله ما وضعته ؟! فقال رسول الله فأين ؟ قال: ها هنا، وأومأ إلى بني قريظة.

فاستعد المسلمون لقتال بني قريظة ومعاقبتهم على خيانتهم العظيمة وغدرهم بهم فبعث النبي صلى الله عليه وآله علياً عليه السلام قائداً على سرية وتبعه النبي فحاصرهم خمسة وعشرين يوماً، وكان حيي بن أخطب معهم في حصنهم حين رجعت قريش وغطفان، وكان يحرضهم على قتال النبي ولما أيقن بنو قريظة أن رسول الله صلى الله عليه وآله لا يتركهم حتى يقاتلهم، عرض عليهم كعب بن أسد اتّباع النبي فقال لهم:

يا معشر اليهود، إنه قد نزل بكم من الأمر ما ترون، وإني عارض أن نتابع هذا الرجل ونصدقه، فو الله لقد تبين لكم أنه نبي مرسل، وأنه الذي تجدونه في كتابكم، فتأمنوا على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم. فقالوا: لا نفارق حكم التوراة ولا نستبدل به غيره.

ولما طال الحصار عليهم، واشتد البلاء قيل لهم انزلوا على حكم رسول الله فقالوا: ننزل على حكم سعد بن معاذ فهو حليفنا ولن يخذلنا وكان سبب نزولهم هذا خوفهم من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فعندما شاهدوا أمير المؤمنين وقد ركز الراية عند الحصن قالوا لقد جاء قاتل عمرو بن عبد ود فأصابهم الرعب وكان النبي قد أرسل قبل علي عدداً من الصحابة لكنهم انهزموا أمام اليهود.

وما إن وصل أمير المؤمنين إلى الحصن حتى صاح: لأذوقنّ ما ذاق عمي حمزة أو لأفتحن حصونهم، فلمّا رأوه وهو كالليث الضاري وقد عرفوه من هو، تملكهم الخوف والرعب منه وأيقنوا بالهلاك، وقالوا: يا محمد رضينا بحكم سعد.

فأرسل من يحضر سعدا فجيء به وهو جريح فقال له النبي : إن هؤلاء نزلوا على حكمك، فقال سعد: فإني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم، وتقسم أموالهم. فقال النبي : حكمت بحكم الله عز وجل من فوق سبع سموات. فقتل رجالهم وكان عددهم بين الأربعمائة والستمائة ولم ينج منهم إلا من أسلم فحقن إسلامه دمه، وسُبيت نساؤهم وذرياتهم.

ومع هذه الاحداث التاريخية للواقعة تستوقفنا نقطة هامة وهي الحكم الذي قضى بقتل رجال بني قريظة واعتبار ذلك، من قبل المتخندقين ضد الاسلام، دليلا نابضا على دموية الاسلام ووحشيته، فنقول لهؤلاء المتخندقين في معرض الرد:

1-      إن يهود بني قريظة وقينقاع وبني النظير قد وقعوا مع النبي معاهدات جاء فيها أن لا يعينوا على رسول الله ولا على أحد من أصحابه بلسان ولا يد ولا سلاح ولا بكراع في السر والعلن، لا بليل ولا نهار، الله بذلك عليهم شهيد. فإن فعلوا فرسول الله في حل من سفك دمائهم وسبي ذراريهم ونسائهم وأخذ أموالهم. (بحار الانوار ج19 ص 110ـ 111).

2-      لقد كان جيش الأحزاب عازماً على إبادة المسلمين واستئصال شأفتهم. ولو كان قدّر لهم ذلك لكان لبني قريظة المشاركة الفعالة في هذه المجزرة بحق المسلمين

3-      إن تجربة النبي مع بني القينقاع أثبتت، بشكل قاطع، أن عملية التهجير لا تؤدي إلا لتحشيد القوى ضد المسلمين.

4-      لقد برهن اليهود من خلال عدد لا يحصى من المواقف أنهم أهل غدر وخيانة ولاعهد لهم، وأنهم لن يتوقفوا عن الكيد للإسلام ومحاربته. لهذا فإن الرسول الأكرم الذي طالما عفى وصفح، سيكون تسامحه مع يهود بني قريظة بمثابة تهاون وتقصير في مهامه كقائد تقع على عاتقه مسؤولية حماية المسلمين. إن أي تسامح مع رجال بني قريظة وأي صفح عنهم هو بمثابة إعطائهم فرصة جديدة ليلتحقوا فيها بالجهات المعادية للمجتمع الإسلامي ومحاربته. وماقام به بنو قينقاع ـ الذين عفا عنهم ـ من إشعال لمعركة الأحزاب دليل أكيد على ذلك.

5-      الحاكم عليهم بالقتل هو سعد بن معاذ وبطلب من بني قريظة في أن يكون هو الحاكم، ولما جيء بسعد وقد كان لايقدر على المسير لجرح اصابه في معركة الاحزاب، وصار بين المسلمين واليهود قيل له ‏:‏ يا سعد، إن هؤلاء قد نزلوا على حكمك‏ فقال: وحكمي نافذ عليهم ‏؟،‏ فقال اليهود ‏:‏ نعم ،‏ قال ‏:‏ وعلى المسلمين‏ ؟ ،‏ قالوا‏:‏ نعم ، قال‏ :‏ وعلى من هاهنا‏ ؟ ،‏ وأعرض بوجهه وأشار إلى ناحية رسول الله إجلالاً له وتعظيمًا‏ ، قال‏:‏ ‏نعم، وعلي ‏،‏ فأوضح‏ :‏ فإني أحكم فيهم أن يُقتل الرجال ، وتسبي الذرية ، وتُقسم الأموال ، فقال رسول الله : ‏لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سموات،‏ وعليه فإن النبي الاكرم ص غير مسؤول عن الحكم فلو حكم سعد بالعفو عنهم لأقره النبي ص لما ألزم به نفسه من رضا بحكم سعد وقضاءه.

6-      حكم سعد بن معاذ بما تنص به شريعة اليهود أنفسهم، أي أن اليهود لو تعرضوا الى خيانة خائن غدر بميثاق معهم، لرجعوا الى شريعتهم التي يؤمنون بانها شرعة الله العادلة وحكموا على الخائنين

فقد ورد في الكتاب المقدس ما نصه:

حِينَ تَقْرُبُ مِنْ مَدِينَةٍ لِكَيْ تُحَارِبَهَا اسْتَدْعِهَا إِلَى الصُّلْحِ،

فَإِنْ أَجَابَتْكَ إِلَى الصُّلْحِ وَفَتَحَتْ لَكَ، فَكُلُّ الشَّعْبِ الْمَوْجُودِ فِيهَا يَكُونُ لَكَ لِلتَّسْخِيرِ وَيُسْتَعْبَدُ لَكَ.

وَإِنْ لَمْ تُسَالِمْكَ، بَلْ عَمِلَتْ مَعَكَ حَرْبًا، فَحَاصِرْهَا.

وَإِذَا دَفَعَهَا الرَّبُّ إِلهُكَ إِلَى يَدِكَ فَاضْرِبْ جَمِيعَ ذُكُورِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ.

وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالأَطْفَالُ وَالْبَهَائِمُ وَكُلُّ مَا فِي الْمَدِينَةِ، كُلُّ غَنِيمَتِهَا، فَتَغْتَنِمُهَا لِنَفْسِكَ، وَتَأْكُلُ غَنِيمَةَ أَعْدَائِكَ الَّتِي أَعْطَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ.

هكَذَا تَفْعَلُ بِجَمِيعِ الْمُدُنِ الْبَعِيدَةِ مِنْكَ جِدًّا الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ مُدُنِ هؤُلاَءِ الأُمَمِ هُنَا. (الكتاب المقدس سفر التثنية الإصحاح 20 الفقرات من 10 ــ 16).

بل انه قد جاء في التوراة ـ في مواضع اخرى ـ ما يزيد على هذا الحكم بقتل جميع السكان دون استثناء للنساء والأطفال وكذلك إحراق كلّ ما في المدينة لتكون تلّا إلى الأبد (الكتاب المقدس، سفر التثنيه، الإصحاح 13، فقرات 12 – 16.

أضف الى كل هذا، ما أورده الباحثون من تشكيكات ومباحث تطعن بكون رواية الحكم على بني قريظة بقتل رجالهم، أمرا حقيقيا. يقول السيد جعفر شهيدي في كتابه (تاريخ تحليلي اسلام، ص 88-90)، ما يشير الى اضطراب الرواية في كتاب المغازي، كما أنها مختلفة عمّا جاء على لسان ابن إسحاق والطبري والزهري (51 - 124 ه)، حيث أن الأخير لم يصرّح إلا بقتل حيي بن أخطب؛ فالرواية قد تكون مدسوسة من قبل أناس من الخزرج بعد مُضيّ سنين من وقوع الغزوة، ويبدو أن الهدف من وراء ذلك كان هو الحطّ من منزلة الأوس لدى النبي مقابل الخزرج وإثارة الحمية التي ظهرت علاماتها بوفاة النبي في سقيفة بني ساعدة بينهم واتخذها معاوية و بنو امية مثاراً للتلاعب بتاريخ الإسلام إلى سنة أربعين للهجرة وتشويه صورته، حتى ذكروا أنه قام ص بقتل حلفاء الأوس دون حلفاء الخزرج من بني قينقاع وبني النضير، وأنّ زعيم قبيلة الأوس لم يُراعِ جانب حلفائه في غزوة بني قريظة، بل حكم بقتل جميع الرجال.