ما حقيقة كسر رباعية النبي (ص) في معركة أحد؟

ما مدى صحة ما رويّ عن رسول الله (ص): "ألم تكسرْ رباعيَّتي؟ .. ألم يُعفّر جبيني؟".

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

الفقرةُ المذكورة وردت في روايةٍ أوردها الشيخُ الصدوق في الأمالي بسندٍ ينتهي إلى عبد الله بن عباس (رحمه الله) قال: لمَّا مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعنده أصحابه، قام إليه عمار بن ياسر (رضي الله عنه)، فقال له: فداك أبي وأمي يا رسول الله، مَن يُغسِّلك منا، إذا كان ذلك منك؟ قال: ذاك علي بن أبي طالب، لأنَّه لا يهمُّ بعضوٍ من أعضائي إلا أعانته الملائكة على ذلك .. ثم قال (ص): يا بلال، هلم عليَّ بالناس، فاجتمع الناس فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) متعصِّباً بعمامته، متوكئاً على قوسه حتى صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: معاشر أصحابي، أيُّ نبيٍّ كنتُ لكم! ألم أُجاهد بين أظهركم، ألم تُكسر رباعيتي، ألم يُعفَّر جبيني، ألم تسلِ الدماء على حرِّ وجهي حتى لثقت لحيتي، ألم أُكابد الشدَّة والجهد مع جهَّال قومي، ألم أربطْ حجرَ المجاعة على بطني؟ قالوا: بلى يا رسول الله، لقد كنتَ لله صابرا، وعن منكر بلاء الله ناهي، فجزاك الله عنا أفضل الجزاء .."(1).

شرح الرواية:

فقولُه (ص) -بحسب الرواية-: "ألم تُكسر رباعيتي، ألم يُعفَّر جبيني، ألم تسلِ الدماء على حرِّ وجهي حتى لثقت لحيتي" يُشير إلى ما وقع له يوم أُحد بعد أن قُتل من أصحابه قرابة السبعين وفي طليعتهم حمزة بن عبد المطلب وانهزم المسلمون، وثبت هو (ص) والإمامُ عليٌّ (ع) وعددٌ يسير من أصحابه لا يتجاوز السبعة، وحينها أصابت النبيَّ (ص) جراحةٌ بليغة في جبهته الشريفة من رمية رماه بها أحدُ المشركين، وأخرى في وجنتِه من حجرٍ رضخه بها عتبة بن أبي وقاص -وقيل غيره- فشجَّت وجهه الشريف وأصابت رباعيتَه وأدمت لثَّته وشقَّت شفتيه أو شفته السفلى، وورد أنَّ الرسول (ص) تعثَّر يومذاك في أرض المعركة في حفرة فأقامه أميرُ المؤمنين (ع)(2) وهذا -ظاهراً- هو معنى قوله (ص): "ألم يُعفَّر جبيني" ومعنى لثِقت من قوله (ص): "حتى لثِقت لحيتي" هو أنَّها اخضلَّت وابتلت بالدماء.

ومعنى الرباعيَّة هي السنُّ الذي يكون بين الثنيَّة والناب، اثنان منهما في الفكِّ الأعلى واحدٌ عن يمين الثنيَّة والآخر عن يسارها، واثنان في الفكِّ الأسفل عن اليمين واليسار، فرباعيتان في الفكِّ الأعلى ورباعيتان في الفكِّ الأسفل، وكلُّ واحد من الأربعة يُسمَّى رباعية، والرباعية التي قيل إنَّها كُسرت من رسول الله (ص) هي السفلى، والظاهر أنَّها الواقعة في الجهة اليسرى.

وأمَّا أنَّه هل ثبت أنَّ رباعيَّة الرسول (ص) قد كُسرت؟

فجوابه أنَّ ذلك قد ورد في العديد من الروايات الواردة من طُرق الفريقين، فممِّا ورد من طرقنا -مضافاً للرواية المذكورة- هو ما أورده الشيخ الصدوق في الخصال وعيون أخبار الرضا (ع) عن الإمام الرضا (ع) أنَّه قال: "ويوم الأربعاء شُجَّ وجهُ النبيِّ (صلى الله عليه وآله) وكُسرتْ رباعيتُه"(3).

ومن ذلك ما أورده العياشي في تفسيره عن الحسين بن أبي العلا عن أبي عبد الله (عليه السلام) وذكر يوم أحد أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كُسرت رباعيتُه وان الناس ولَّوا مصعدين في الوادي، والرسول يدعوهم في أخريهم .. وجاء أبو سفيان فعلا فوق الجبل .. فقال: أعلُ هبل، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يومئذ: اللهُ أعلى وأجلُّ، فكُسرتْ رباعيةُ رسول الله واشتكت لثَّتُه .."(4)

وأورد الشيخ الطوسي في الأمالي بسنده إلى أبي سعيد الخدري، قال: لمَّا كان يوم أُحد شجَّ النبيُّ (صلَّى الله عليه وآله) في وجهِه، وكُسرت رباعيته، فقام (عليه السلام) رافعاً يديه يقول: إنَّ الله اشتدَّ غضبُه على اليهود أنْ قالوا: عزير بن الله، واشتدَّ غضبُه على النصارى أن قالوا: المسيح بن الله، وإنَّ الله اشتدَّ غضبُه على من أراقَ دمي وآذاني في عترتي"(5).

هذه بعض الروايات الواردة من طرقنا وقد اشتملتْ على إفادة أنَّ الرسول (ص) قد كُسرت رباعيته يوم أحد، والمعنى المستظهَر بدواً من كسر رباعيته هو أنَّها تشظَّت بفعل الضربة التي أصابتها فانفصل شيءٌ منها.

الروايات النافية لكسر رباعيَّته (ص):

وفي مقابل هذه الروايات ورد ما ينفي أنَّ رباعية رسول الله (ص) قد كُسرت، فمن ذلك ما رواه الشيخ الصدوق بسندٍ موثَّق عن زرارة قال: ".. أتينا أبا جعفر (عليه السلام) فقال لنا: أين كنتم أمس فإنِّي لم أركم فأخبرناه -إلى قوله- فقلنا له: ورُويَ لنا أنَّه كسرت رباعيته - الرسول (ص). فقال (ع): لا، قبضه اللهُ سليما ولكنَّه شُجَّ في وجهه فبعث عليَّاً (ع) فأتاه بماءٍ في حجفة فعافه رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنْ يشرب منه وغسل وجهَه"(6).

ومن ذلك ما ورد في كتاب أبان بن عثمان: "إنَّه لمَّا انتهت فاطمة (عليها السلام) وصفية إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونظرتا إليه قال لعليٍّ (عليه السلام): أمَّا عمتي فاحبسها عني، وأما فاطمة فدعها، فلما دنت فاطمة (عليها السلام) من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورأته قد شُّجَّ في وجهه وأُدمي فوه إدماءً صاحت وجعلت تمسح الدم، وتقول: اشتدَّ غضبُ الله على مَن أدمى وجهَ رسول الله (ص)، وكان يتناول في يده رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما يسيل من الدم فيرميه في الهواء فلا يتراجع منه شيء. قال الصادق (عليه السلام): والله لو سقط منه شيء على الأرض لنزل العذاب.

قال أبان بن عثمان: حدثني بذلك عنه الصباح بن سيابة، قال: قلتُ: كسرتْ رباعيته كما يقوله هؤلاء؟ قال: لا والله ما قبضه اللهُ إلا سليماً، ولكنَّه شُجَّ في وجهه، قلتُ: فالغار في أحد الذي يزعمون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) صار إليه، قال: والله ما برح مكانه، وقيل له: ألا تدعو عليهم؟ قال: "اللهمَّ اهدِ قومي"(7).

الجمع بين الروايات وتعيُّن عدم الكسر:

ومقتضى الجمع بين هاتين الطائفتين من الروايات هو أنَّ رباعيَّة النبيِّ (ص) قد أُصيبتْ يوم أُحد ولكنَّها لم تُكسر بمعنى أنَّه لم يتشظَّ منها شيء، والمراد من الكسر هو أنَّها دُقَّت -كما عبَّر بعضهم (8)- أي أنَّها رُضَّتْ بفعل الحجر الذي أصابته ويؤيِّد ذلك ما ورد في بعض الروايات من التعبير بأنَّ رباعيته قد أُدميت والتعبير في روايةٍ أخرى أنَّها ضربت.

فالأول: ورد في كتاب الغيبة للنعماني بسنده إلى بشير النبال قال: ".. لمَّا قدمتُ المدينة قلتُ لأبي جعفر الباقر (عليه السلام): إنَّهم يقولون: إنَّ المهديَّ لو قام لاستقامتْ له الأمور عفوا، ولا يُهريق محجمةَ دم، فقال: كلا والذي نفسي بيده لو استقامت لأحدٍ عفوا لاستقامت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) حين أُدميت رباعيته، وشُجَّ في وجهه، كلا والذي نفسي بيده حتى نمسح نحن وأنتم العرق والعلق، ثم مسح جبهته"(9).

أقول: الاستعاضة عن الكسر بالإدماء ظاهر في عدم تحقق الكسر بالمعنى المتبادر وإلا كان ذلك هو الأولى بالذكر.

الثاني: ورد أيضاً في كتاب الغيبة للنعماني بسنده عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: "ألا أريك قميص القائم الذي يقوم عليه؟ فقلت: بلى. قال: فدعا بقمطر ففتحه وأخرج منه قميص كرابيس فنشره، فإذا في كمه الأيسر دم، فقال: هذا قميص رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي عليه يوم ضُربتْ رباعيته، وفيه يقومُ القائم، فقبلت الدم ووضعته على وجهي، ثم طواه أبو عبد الله (عليه السلام) ورفعه"(10).

 

أقول: التعبيرُ بـ "ضُربت" بدلاً من كُسرت يؤيد أنَّ رباعيته (ص) لم تُكسر بمعنى التشظِّي وإلا كان الأولى التعبير بالكسر.

وعلى أيِّ تقدير فإنَّه يكفي لترجيح عدم الكسر بالمعنى المتبادر هو النفي الصريح الوارد في موثقة زرارة، ورواية أبان، وأما الروايات التي عبَّرت بالكسر -فبغض النظر عن أسنادها- فهي لا تزيد عن الظهور في المعنى المتبادر، ولهذا يتعيَّن صرف هذا الظهور إلى المعنى المناسب للنفي الصريح للكسر -الوارد في موثقة زرارة، ورواية أبان- المؤيَّد بالروايات التي عبَّرت بالإدماء والضرب.

الهوامش:

1- الأمالي -الشيخ الصدوق- ص733.

2- شرح الأخبار -القاضي النعمان المغربي- ج1 / ص277.

3- الخصال -الشيخ الصدوق- ص389، عيون أخبار الرضا (ع) -الشيخ الصدوق- ج2 / ص598.

4- تفسير العياشي -العياشي- ج1 / ص201.

5- الأمالي -الشيخ الطوسي- ص142.

6- معاني الأخبار -الشيخ الصدوق- ص406.

7- إعلام الورى بأعلام الهدى -الشيخ الطبرسي- ج1 / ص179.

8- شرح نهج البلاغة -الشيخ ابن ميثم البحراني- ج4 / ص367.

9- الغيبة -الشيخ النعماني- ص294، 295.

10- الغيبة -النعماني- ص250.