لماذا أصبح يوم الغدير عيداً؟

العيد هو كل يوم يجمع الناس عامة، وأصله من العود لأنه يعود كل عام ويتكرر، وقيل معناه اليوم الذي يعود فيه الفرح والسرور.

لكن الاسلام ينظر الى الاعياد بنظرة متميزة، فيرى أن العيد فرصة للاجتماع الإيماني الكبير بهدف ذكر الله وإحياء السنن وذكر الله والتوجه إليه بالدعاء والابتهال اليه فعَنِ الامام علي بن موسى الرِّضَا (عليه السلام)‏: "أَنَّهُ إِنَّمَا جُعِلَ يَوْمُ الْفِطْرِ الْعِيدَ لِيَكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ مُجْتَمَعاً يَجْتَمِعُونَ فِيهِ وَيَبْرُزُونَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيُمَجِّدُونَهُ عَلَى مَا مَنَّ عَلَيْهِمْ فَيَكُونُ يَوْمَ عِيدٍ وَيَوْمَ اجْتِمَاعٍ ..." 1.

فيوم العيد إنما هو يوم شكر على ما منَّ الله علينا من النعم، ويوم فرح وسرور للمؤمنين لاجتماعهم على طاعة الله ومرضاتهم وذكره وعبادته.

عيد الغدير يوم إكمال الدين وإتمام النعمة

لقد أكمل الله عَزَّ وجَلَّ دينه وأتم نعمته على المؤمنين بتنصيب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام خليفة ووصياً وإمام من بعد النبي صلى الله عليه وآله في يوم غدير خم فهو عيد عظيم بل من أعظم الأعياد لأنه يوم إكمال الدين وتمام النعمة وأي نعمة أعظم من نعمة إكمال الدين وإتمام النعمة الالهية، وهذه النعمة تستحق الشكر والثناء وتمجيد الله عَزَّ وجَلَّ من قِبَل المؤمنين على ما منَّ عليهم في هذا اليوم المبارك.

روى أبو المؤيد، الموفق بن أحمد بن محمد المكي الخوارزمي، المتوفى سنة: 568 هجرية، روى بإسناده، عن أبي سعيد الخدري قال: إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما دعا الناس إلى علي ( عليه السلام ) في غدير خم و أمر بما تحت الشجرة من الشوك فقُمَّ، و ذلك يوم الخميس، فدعا علياً فأخذ بضبعيه فرفعهما حتى نظر الناس إلى بياض إبطي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثم لم يتفرقوا حتى نزلت هذه الآية: ﴿ ... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ... ﴾ 2 . فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي من بعدي " 3.

و روى أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي المعروف بابن عساكر، المتوفى سنة: 571، بإسناده عن أبي هريرة قال: من صام ثمانية عشر من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً، و هو يوم غدير خم لما أخذ النبي (صلى الله عليه وآله) بيد علي فقال: " ألست ولي المؤمنين"؟

قالوا: بلى يا رسول الله.

قال: "من كنت مولاه فعلي مولاه".

فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مسلم، فأنزل الله: ﴿... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ...﴾ 2 4.

عيد الغدير أعظم الأعياد وأشرفها

رَوَى عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ يَحْيَى عَنْ جَدِّهِ الْحَسَنِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) قَالَ: قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ لِلْمُسْلِمِينَ عِيدٌ غَيْرَ الْعِيدَيْنِ؟

قَالَ: "نَعَمْ يَا حَسَنُ أَعْظَمُهُمَا وَأَشْرَفُهُمَا ".

قُلْتُ: وَأَيُّ يَوْمٍ هُوَ؟

قَالَ: "هُوَ يَوْمٌ نُصِبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ فِيهِ عَلَماً لِلنَّاسِ".

قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ وَمَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَصْنَعَ فِيهِ؟

قَالَ: "تَصُومُهُ يَا حَسَنُ، وَتُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَتَبَرَّأُ إِلَى اللَّهِ مِمَّنْ ظَلَمَهُمْ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ كَانَتْ تَأْمُرُ الْأَوْصِيَاءَ بِالْيَوْمِ الَّذِي كَانَ يُقَامُ فِيهِ الْوَصِيُّ أَنْ يُتَّخَذَ عِيداً".

قَالَ قُلْتُ: فَمَا لِمَنْ صَامَهُ؟

قَالَ: "صِيَامُ سِتِّينَ شَهْراً ... " 5.

وعن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنّه قال: "أَعظم الاعياد وأَشرفها يومُ الثامن عشر من شهر ذي الحجَّة، وهو اليوم الَّذي أَقام فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أَميرَ المؤمنين عليه السلام ونصبهُ للنَّاس علماً".

قال الراوي قلْت: ما يجبُ علينا في ذلك اليوم؟ قال: يجبُ عليكم صيامُهُ شُكراً للَّه وحمداً له «مع أَنَّهُ أَهلٌ أَنْ يُشكر كلَّ ساعة»، ومنْ صامهُ كان أَفضل منْ عملِ ستِّينَ سنة" 6.

وعن الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام في بيان عظمة هذا اليوم: "إِنَّ يومَ الغدير في السَّماءِ أَشهرُ منهُ في الأَرضِ... واللَّه لو عرف النَّاسُ فضل هذا اليوم بحقيقته لصافحتهمُ الملائكةُ في كلِّ يوم عشر مرَّات" 7.

الهوامش: ع٤

1. من لا يحضره الفقيه: 1 / 522، للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن حسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق، المولود سنة: 305 هجرية بقم، و المتوفى سنة: 381 هجرية، طبعة انتشارات اسلامي التابعة لجماعة المدرسين، الطبعة الثانية، سنة: 1413 هجرية، قم / إيران .

2. a. b. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 3، الصفحة: 107.

3. مناقب علي بن أبي طالب: 135، طبعة: قم / إيران .

4. تاريخ ابن عساكر: ترجمة الامام علي ( عليه السلام ): 2 / 78، طبعة: دار الفكر / بيروت.

5. الكافي: 4 / 148، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني، المُلَقَّب بثقة الإسلام، المتوفى سنة: 329 هجرية، طبعة دار الكتب الإسلامية، سنة: 1365 هجرية / شمسية، طهران / إيران .

6. وسائل الشيعة (تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة): 10 / 443، للشيخ محمد بن الحسن بن علي الحُر العاملي، المولود سنة: 1033 هجرية بجبل عامل لبنان، والمتوفى سنة: 1104 بمشهد الإمام الرضا و المدفون بها، طبعة: مؤسسة آل البيت، سنة: 1409 هجرية، قم / إيران.

7. تهذيب الأحكام: 6 / 25، للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، المولود بخراسان سنة: 385 هجرية، و المتوفى بالنجف الأشرف سنة: 460 هجرية، طبعة دار الكتب الإسلامية، سنة: 1365 هجرية / شمسية، طهران / إيران.