من تراث المرجع الراحل: جهود النبي (ص) قبل الهجرة في 10 سنين فقط

كانت المحصلة لجهوده (صلى الله عليه وآله) قبل الهجرة في مدة تقرب من عشر سنين هي:

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

أولاً: مواجهة مجتمع قريش في مكة بإعلان دعوته الشريفة بشجاعة وإصرار، مع ما سبق من جهات مناقضتها لمفاهيمهم وثقافتهم السائدة منذ مدة طويلة، وللواقع المنظور في موازين القوى المادية.

وثانياً: إرباك المجتمع المكي وانشقاقه على نفسه، نتيجة تقبل جماعة كبيرة لدعوته واعتناقهم الإسلام، وهم منبثون فيهم على اختلاف بطونهم.

وثالثا: خروج الإسلام إلى الحبشة بهجرة من هاجر من المسلمين إليها واقتناع ملكها به في الجملة، بحيث خابت قريش في محاولتها استرجاع المسلمين، وهو مؤشر على قوة الإسلام، كما سبق.

ورابعاً: تهيئة المسلمين للثبات والصبر على الأذى في سبيل دينهم وعقيدتهم، من دون أن يتعجّلوا بردود فعل مضادة، قد تشوه صورتهم وتضخم من قبل المشركين، بحيث تغفل الناس عن ظلامتهم وعن عدوان المشركين عليهم.

وروي أن جماعة من المسلمين ممن لقوا الأذى من قريش استأذنوا النبي (صلى الله عليه وآله) في قتالهم، فأبى عليهم، وبه نزل قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ۚ وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ ۗ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا) (1).

قال الشيخ الطبرسي (قدس سره): «قال الكلبي: نزلت في عبد الرحمن بن عوف الزهري والمقداد بن الأسود الكندي وقدامة بن مظعون الجمحي وسعد بن أبي وقاص. كانوا يلقون من المشركين أذى شديدا وهم بمكة قبل أن يهاجروا إلى المدينة، فيشكون إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ويقولون: يا رسول الله ائذن لنا في قتال هؤلاء، فإنهم قد آذونا، فلما أمروا بالقتال وبالمسير إلى بدر شق على بعضهم، فنزلت هذه الآية» (2).

وخامسا: إقناع الأنصار بدعوته (صلى الله عليه وآله) الشريفة، ثم تبنيهم لها بعد أن

أيس (صلى الله عليه وآله) من إقناع قريش ـ كجماعة موحدة متماسكة لها هيبتها ـ بها.

تبني الأنصار الدعوة مع شعورهم بفداحة الثمن.

كل ذلك مع شعور الأنصار بفداحة الثمن الذي يتعرضون لدفعه، حتى قال لهم العباس بن نضلة الأنصاري عند بيعة العقبة الثانية:

«يا معشر الخزرج هل تدرون على ما تبايعون هذا الرجل؟ تبايعونه على حرب الأحمر والأسود، فإن كنتم ترون أنكم إذا أنهكت أموالكم مصيبةً وأشرافكم قتال أسلمتموه، فمن الآن. فهو والله خزي الدنيا والآخرة، وإن كنتم ترون أنكم وافون له فخذوه، فهو والله خير الدنيا والآخرة» قالوا: «فإنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف، فما لنا بذلك يا رسول الله؟»  قال: «الجنة».

وذكر اليعقوبي أن بيعة الأنصار تمت على أن يمنعوه وأهله مما يمنعون منه أنفسهم وأهليهم وأولادهم، وعلى أن يحاربوا معه الأسود والأحمر، وأن ينصروه على القريب والبعيد، وشرط (صلى الله عليه وآله) لهم الوفاء بذلك والجنة» (3).

وذكر الشيخ الطبرسي (قدس سره) أنها تمت على أن يمنعوه وأهله مما يمنعون منه أنفسهم وأهليهم وأولادهم، قالوا: فما لنا بذلك؟ قال: الجنة، تملكون بها العرب في الدنيا، وتدين لكم العجم، وتكونون ملوكا (4).

الهوامش:

(1) سورة النساء الآية: ٧٧.

(2) مجمع البيان في تفســر القرآن ج:3 ص:134 في تفسري الآية الشريفة، واللفظ له. مرآة العقول في رشح أخبار آل الرســول ج:26 ص:456. التفسير الكبري للطبراني ج:2 ص:263. السرية الحلبية ج:2 ص:341. تفسري الثعلبي ج:3 ص:341. وغريها من المصادر.

(3) الكامــل في التاريخ ج:2 ص:99-100 ذكر بيعة العقبة الثانية، واللفظ له. أســد الغابة ج:3

ص:108-109 في ترجمة العباس بن عبادة بن نضلة. تاريخ الطربي ج:2 ص:93. المنتظم في تاريــخ الأمم والملوك ج:3 ص:37 ذكر الحوادث التي كانت في ســنة ثالث عرشة من النبوة:

ذكــر العقبة الثانية. دلائل النبوة ج:2 ص:450 باب ذكر العقبة الثانية. وباختصار في الإصابة

في معرفة الصحابة ج:3 ص:511 في ترجمة العباس بن عبادة بن نضلة.

(4) تاريخ اليعقوبي ج:٢ ص:٣٨ عند الكلام في قدوم الأنصار مكة.

(5) إعلام الورى بأعلام الهدى ج:١ ص:١٤٢ في الفصل الســابع في ذكر عرض رســول الله (صلى الله عليه وآله) نفسه على قبائل العرب...

المصدر: خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله)، المرجع الراحل آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم، ص52-55.