الائمة المعصومون (ع) وآليات المواجهة -1-

كان اعتزال ائمة أهل البيت عليهم السلام مسألة الحكم والوصول الى السلطة أمرا جليا ومؤكدا للجميع بما فيهم حكام الخلافة المنحرفة من أمويين وعباسيين، وقد بينّوا عليهم السلام موقفهم في القعود عن الحكم، قولا وفعلا، في مواقف لا تحصى.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

 منها إحراق الامام الصادق عليه السلام لرسالة أبي سلمة الخلال وقد أرسلها إليه يعلن فيه البيعة له، وقوله عليه السلام لابي مسلم الخراساني وقد عرض عليه البيعة ايضا (لست من رجالي ولا الزمان زماني)، خاصة أن هذين الرجلين كانا يمتلكان القوة التي مكنّت العباسيين من ارتقاء الحكم.

وكما فعل الامام الرضا عليه السلام من رفض لمنصب الخلافة وقد عرضه عليه قائلا له "إن كانت هذه الخلافة لك وجعلها الله لك فلا يجوز لك أن تخلع لباساً ألبسكه الله وتجعله لغيرك وإن كانت الخلافة ليست لك فلا يجوز لك تجعل لي ما ليس لك".

إن هذا الموقف الواضح والأكيد يضعنا أمام تساؤل عما كان يدفع الخلفاء الأمويين والعباسيين على السواء لنصب جهودهم الجبارة في محاربة الأئمة المعصومين عليهم السلام والتضييق عليهم، حتى أنهم ـ الخلفاء الأمويين والعباسيين ـ لم يكونوا يوجهوا ضد الجهات المناوئة لهم بشكل فعلي من الاهتمام ومظاهر المحاربة ما كان يوجهوه الى المعصومين عليهم السلام.

ما الذي يدفع الخليفة العباسي هارون الرشيد الى ما فعله بالإمام الكاظم عليه السلام الذي خاطب فيه عيسى بن جعفر ـ صاحب سجن الرشيد في البصرة ـ الرشيد في رسالة قال له فيها "يا أمير المؤمنين كتبتَ إليَّ في هذا الرجل وقد اختبرته طول مقامه بمن حسبته عيناً عليه لينظروا جبلته وأمره وطويّته ممّن له المعرفة والدراية فلم يكن منه سوء قط ولم يذكر أمير المؤمنين إلّا بخير ولم يكن له تطلّع إلى ولاية ولا خروج ولا شيء من أمر الدنيا ولا دعا قط على أمير المؤمنين ، فان رأى أمير المؤمنين من أن يعفيني من أمره أو ينفذ من يتسلّمه منّي وإلا أطلقت سراحه"؟!!

وقد تجاوز العداء الموجه للائمة المعصومين على الخصوص، حدود الجانب السياسي الى الجوانب العلمية والفكرية والفقهية التي انتعشت انشطتها في صدر الخلافة العباسية، فنرى الخليفة يولي ويدعم القائمين على تلك الأنشطة حتى إذا وصل الأمر إلى الإمام الباقر او الصادق عليهما السلام حوربوا ومنعت أطاريحهم.

ما الذي يهم الخليفة الحاكم من أمر فقهي في الصلاة أو الطهارة أو غيرهما حتى إذا ما قال فيه الإمام المعصوم عليه السلام قولا ووجه بالتضييق والمحاربة وإذا قال غيره فلا غبار عليه، والحال أنه راي ربما اتفق مع بعض اراء غيره؟!!

للجواب تطالعنا عوامل عدة، يمكن توضيحها بـ:

1ـ  الحقيقة الراسخة التي لم يجد الخلفاء المنحرفون بدا من الاعتراف بها، ألا وهي أن المعصومين عليهم السلام هم أصحاب الحق الشرعي في خلافة النبي الاكرم صلى الله عليه وآله، فكانوا بذلك الشوكة التي تدمي خاصرة الخلافة المنحرفة.

إن كل الذين خرجوا على خلفاء بني أمية والعباس وحاربوهم بشكل فعلي، لم يكونوا ليثيروا قلق الخلفاء بالشكل الذي يثيره المعصومون عليهم السلام لأنهم ـ الخارجون ـ  في حقيقتهم  ليسوا سوى طلاب سلطة لا يختلفون بشيء عن الخلفاء المنحرفين، وهذا ما يجعل مقاومتهم أقل كلفة على الخلافة من المعصومين عليهم السلام أصحاب الحق الشرعي، وهذا الحق ليتجاوز في خطره شكله الذاتي الى انعكاس واضح على ما هو عليه المعصومون عليهم السلام وسواهم من طلاب السلطة، فالإمام الحسين بن علي عليه السلام وعبد الله بن الزبير  ـ مثلا ـ وقد كانا على السواء في حث الخليفة الاموي يزيد بن معاوية لعامله على المدينة الوليد بن عقبة في أخذ الخلافة منهما، نجد الاختلافات التالية:

أـ أقام الزبير في الحجاز دولة مضادة لدولة الامويين في الشام قرابة العقد من الزمن، فكانت صورة اخرى منها، حيث قوّم الزبير دولته بنفس ما قوم به الامويون دولتهم من تدليس ومداهنة ونفاق وخداع.. لم يهتم الزبير ـ في سبيل غايته ـ إن بقيت للإسلام باقية أم لا.. فالتاريخ يحدثنا كيف أنه بات جذلا مسرورا حين أحرق يزيد للكعبة لما تلك الفعلة من دور إعلامي كبير في فضح الخلافة الاموية.

 ب- فجّر الامام الحسين عليه السلام ثورة تجسدت فيها القيم الانسانية بأروع صورة وقد رسمت معالمها دماء مقدسة أهرقتها نماذج لم يكن لها أشباه على مر التاريخ، وقد كان همّ الامام الحسين عليه السلام الحفاظ على الاسلام، حتى لنجده يغادر مكة في يوم الثامن من محرم وقد علم ان الامويين عازمون على قتله في الكعبة كي لا تمس قدسية بيت الله.

ج ـ قضي على دولة الزبير فكانت خبر من اخبار التاريخ لا تختلف بشيء عن خبر القضاء على دولة الامويين انفسهم.

د ـ قضي على ثورة الامام الحسين عليه السلام فكانت سفرا خالدا على صفحات التاريخ ونموذجا فريدا في تخليد القيم الانسانية السامية التي تهز عرش الطغاة في كل زمان ومكان.

يتبع...