الحرب في الإسلام: من وصايا النبي (ص) ومنهج الإمام السجاد (ع)

كان النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) ذا شخصية امتزجت فيها صفات النبي والرئيس والقائد والإنسان والمعلم. فلا نكاد نميز منه صفة من غيرها في أي جانب كان من سيرته المقدسة. فلم يكن في الدعوة نبياً وفي الدولة رئيساً وفي الحرب قائداً وفي علاقته بالآخرين إنساناً، ومعلماً في دوره كمثل أعلى. بل كان بكل صفاته معاً في المواقف كلها. لهذا كانت معاركه التي خاضها صورة منفردة لم ولن يعرف التاريخ البشري صورة مماثلة لها في الالتزام الأخلاقي والإنسانية. وقد وضع (صلى الله عليه وآله) للحرب في وصاياه شريعة سمحاء لا تقل روعة وإنسانية عن شريعته في السلم.    

لقد كانت للحرب عند النبي محمد (صلى الله عليه وآله) فلسفة تستمد مقوماتها من روح الرسالة الخاتمة التي تضمن للإنسان النظام الأصلح من خلال الانشداد إلى الله سبحانه وتعالى، فالمحارب الذي يعتمده الإسلام كواحد من جنده، عليه أن يجعل الله الغاية الأهم في جهاده ويكون قتاله في سبيله. عن ‏‏ابن عباس ‏قال: "‏كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) ‏إِذَا بَعَثَ جُيُوشَهُ قَالَ ((اخْرُجُوا بِسْمِ اللَّهِ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ كَفَرَ بِاللَّه لَا ‏تَغْدِرُوا ‏وَلَا‏ ‏تَغُلُّوا‏ ‏وَلَا‏ ‏تُمَثِّلُوا ‏وَلَا تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ وَلَا أَصْحَابَ ‏الصَّوَامِعِ)). كما أوصى (صلى الله عليه وآله) عبد الرحمن بن عوف وقد أرسله إلى قبيلة كلب النصرانية الواقعة بدومة الجندل فقال له: ((اغزوا جميعاً في سبيل الله، فقاتلوا من كفر بالله، لا تَغُلُّوا، ولا تَغْدِرُوا، ولا تُمَثِّلُوا، ولا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، فهذا عَهْدُ اللهِ وسيرة نبيّه فيكم.))  وفي أثناء سير الرسول محمدٍ وصحبه إلى بدر، التحق أحد المشركين راغباً بالقتال مع قومه، فردّه الرسول وقال: ارجع فلن أستعين بمشرك. وكرّر الرجل المحاولة فرفض الرسولُ حتى أسلم الرجل والتحق بالمسلمين"  

الله يمثل الخير والنور والعدل والحق، فإذا جعل الإنسان جهاده في سبيل الله كان جهاده في سبيل الخير والنور والعدل والحق. وإذا صلح فيه إيمانه وصَدق في الجهاد في سبيل الله، طمع فيما عند الله وهو الخير فزهد في كل مغنم زائل، والتزم بكل ما يرضي الله من صفات أخلاقية، وجعل هدفه من القتال نشر الدعوة الإسلامية الكفيلة بتحقيق الصلاح، فيقاتل لا لشيء إلا لأنه استنفد مع عدوه كل وسيلة لإصلاحه ولأن عدوه بات عائقاً حقيقياً لعملية الإصلاح التي تمثل القضية الأساس لدى المحارب المسلم. ولهذا نجد الإمام علياً بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) الذي اعتمد ـ نتيجة التضييق الذي مارسه الأمويون حياله ـ أسلوب الدعاء في بث تعاليمه وإرشاداته التي هي المضامين الحقيقية للإسلام يقول في دعائه المعروف بدعاء الثغور "أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَعَرِّفْهُمْ مَا يَجْهَلُونَ، وَعَلِّمْهُمْ مَا لاَ يَعْلَمُونَ، وَبَصِّرْهُمْ مَا لاَ يُبْصِرُونَ. أللَّهُمَّ صَلِّ علَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَأَنْسِهِمْ عِنْدَ لِقَآئِهِمُ الْعَدُوَّ ذِكْرَ دُنْيَاهُمُ الْخَدَّاعَةِ الْغَرُورِ، وَامْحُ عَنْ قُلُوبِهِمْ خَطَرَاتِ الْمَالِ الْفَتُونِ، وَاجْعَلِ الْجَنَّةَ نَصْبَ أَعْيُنِهِمْ وَلَوِّحْ مِنْهَا لأِبْصَارِهِمْ مَا أَعْدَدْتَ فِيهَا مِنْ مَسَاكِنِ الْخُلْدِ وَمَنَازِلِ الْكَرَامَةِ وَالْحُورِ الْحِسَانِ وَالأَنْهَارِ الْمُطَّرِدَةِ بِأَنْوَاعِ الأَشْرِبَـةِ، وَالأَشْجَارِ الْمُتَدَلِّيَةِ بِصُنُوفِ الثَّمَرِ، حَتَّى لاَ يَهُمَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِالأدْبَارِ، وَلا يُحَدِّثَ نَفْسَهُ عَنْ قِرْنِهِ بِفِرَار.

وَأَيُّمَا غَاز غَزَاهُمْ مِنْ أَهْلِ مِلَّتِكَ أَوْ مُجَاهِد جَاهَدَهُمْ مِنْ أَتْبَاعِ سُنَّتِكَ لِيَكُونَ دِينُكَ الاعْلَى وَحِزْبُكَ الأقوَى وَحَظُّكَ الأوْفَى فَلَقِّهِ الْيُسْرَ، وَهَيِّئْ لَهُ الأمْرَ، وَتَوَلَّهُ بِالنُّجْحِ، وَتَخَيَّرْ لَهُ الأصْحَابَ، وَاسْتَقْوِ لَهُ الظَّهْرَ، وَأَسْبِغْ عَلَيْهِ فِي النَّفَقَةِ وَمَتِّعْهُ بِالنَّشَاطِ، وَأَطْفِ عَنْهُ حَرَارَةَ الشَّوْقِ، وَأَجِرْهُ مِنْ غَمِّ الْوَحْشَةِ، وَأَنْسِهِ ذِكْرَ الاهْلِ وَالْوَلَدِ وَأَثُرْ لَهُ حُسْنَ النِّيَّةِ وَتَوَلَّه بِالْعَافِيَةِ، وَأَصْحِبْهُ السَّلاَمَةَ، وَأَعْفِهِ مِنَ الْجُبْنِ، وَأَلْهِمْهُ الْجُرْأَةَ وَارْزُقْهُ الشِّدَّةَ وَأَيِّدْهُ بِالنُّصْرَةِ، وَعَلِّمْهُ السِّيَرَ وَالسُّنَنَ، وَسَدِّدْهُ فِي الْحُكْمِ، وَاعْزِلْ عَنْهُ الرِّياءَ، وخَلِّصْهُ مِنَ السُّمْعَةِ وَاجْعَلْ فِكْرَهُ وَذِكْرَهُ وَظَعْنَهُ وَإقَامَتَهُ فِيْكَ وَلَكَ. 

أللَّهُمَّ وَأَيُّمَا مُسْلِم خَلَفَ غَازِياً أَوْ مُرَابِطاً فِي دَارِهِ أَوْ تَعَهَّدَ خَالِفِيْهِ فِيْ غَيْبَتِهِ، أَوْ أَعَانَهُ بِطَائِفَة مِنْ مَالِهِ، أَوْ أَمَدَّهُ بِعِتَاد، أَوْ شَحَذَهُ عَلَى جِهَاد، أَوْ أَتْبَعَهُ فِي وَجْهِهِ دَعْوَةً، أَوْ رَعَى لَهُ مِنْ وَرَآئِهِ حُرْمَةً. فَأَجْرِ لَهُ مِثْلَ أَجْرِهِ وَزْناً بِوَزْن وَمِثْلاً بِمِثْل وَعَوِّضْهُ مِنْ فِعْلِهِ عِوَضاً حَاضِراً يَتَعَجَّلُ بِهِ نَفْعَ مَا قَدَّمَ، وَسُرُورَ مَا أَتَى به، إلَى أَنْ  يَنْتَهِيَ بِهِ الْوَقْتُ إلَى مَا أَجْرَيْتَ لَـهُ مِنْ فَضْلِكَ، وَأَعْدَدْتَ لَهُ مِنْ كَرَامَتِكَ. أللَّهُمَّ وَأَيُّمَا مُسْلِم أَهَمَّهُ أَمْرُ الإِسْلاَمِ وَأَحْزَنَهُ تَحَزُّبُ أَهْلِ ألشِّرْكِ عَلَيْهِمْ فَنَوَى غَزْواً أَوْ هَمَّ بِجهَـاد  فَقَعَدَ بِـهِ ضَعْفٌ أَوْ أَبطَأَتْ بِهِ فَاقَةٌ، أَوْ أَخَّرَهُ عَنْهُ حَادِثٌ، أَوْ عَرَضَ لَهُ دُونَ إرَادَتِهِ مَانِعٌ، فَاكْتُبِ اسْمَـهُ فِي الْعَابِدِينَ وَأوْجبْ لَهُ ثَوَابَ الْمُجَاهِدِينَ وَاجْعَلْهُ فِي نِظَامِ الشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ".