الصلح مع معاوية... هل يخلّ بعصمة الإمام الحسن (ع)​

لا يخفى على أحدٍ أن عصمة الأئمة والأنبياء (ع) من أهم عقائد الشيعة، وقد أثبتوها بالأدلة النقلية والعقلية في أمهات كتبهم وبحوث ومصنّفات علمائهم العظام، إلا أن هناك بعض الأسئلة التي تطرح تصطدم –ظاهراً- مع هذه العقيدة، مثالها، ونحن في يوم ولادة الإمام الحسن (ع):

  • فكيف تنازل الإمام الحسن المعصوم لمعاوية؟ هل يعني هذا أنّ خلافة معاوية شرعية؟ أم أنّ الحسن أخطأ -حاشاه-؟ وإذا كان مخطئاً كيف يتوافق هذا مع عقيدة العصمة؟ ثمّ كيف تنازل عن الخلافة وقد نالها بنصّ إلهي؟ ولماذا خرج الحسين لمقاتلة الأُمويين؟ وهو مخالف لما فعله الحسن من قبل، فأيّهما كان مصيباً، وأيّهما كان مخطئاً؟

وفي هذا المقال المقتضب، نرد سريعاً لدفع هذه التوهمات:

إنّ الشيعة لا تعتقد شيئاً إلاّ على أساس الأدلّة والبراهين العقلية أو النقلية، وتلتزم بأيّ مطلب يستدلّ عليه بالأدلّة الواضحة والجلية، ولا تخشى أيّ مانع في هذا المجال ؛ ولكن في نفس الوقت تتوقّع من الضمائر الحيّة والحرّة أن تنصف فيما تقول، ثمّ لها الخيار في الحكم في المقام.

وأمّا العصمة، فإنّها مورد اتفاق الشيعة، بما أنّها مستخرجة من الأدلّة القطعية من الكتاب والسنّة والعقل والإجماع، وبعبارة أُخرى:  إنّ دليل العصمة لم يكن دليلاً استقرائياً أو تمثيلياً، بل هو دليل منتج من العقل والنقل.

وعليه فلا يتوهّم ورود النقض عليه، إذ النقض لا يمكن وروده على الدليل القطعي، فنستنتج أنّ النقوض المتوهّمة ليست على ما هي، بل إنّها توهّمات خالية من الدلالة، ثمّ بعد الفحص عنها نرى ماهية هذه التوهّمات كما يلي: 

1 ـ إنّ صلح الإمام الحسن عليه ‌السلام لم يكن تنازلاً منه عن الإمامة الإلهية، بل كان عملاً مرحلياً لكشف زيف معاوية في المجتمع الإسلامي، فهو شبه مهادنة، أو مصالحة مؤقّتة، لأجل مصالح عامّة ـ قد ذكرت في مظانّها ـ ومعاوية لا يستحقّ الإمارة، فكيف يستحقّ الخلافة؟

ثمّ لا غرابة لهذا الموقف في سيرة المعصومين عليهم‌ السلام، فمثلاً بأيّ تفسير يجب أن نقتنع بصلح الحدبيية؟ أليس النبيّ صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله كان معصوماً في أفعاله وتصرّفاته؟ وهل أنّ الصلح المذكور يقلّل ـ والعياذ بالله ـ من مرتبة النبيّ صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله؟ أو أنّه يعتبر تنازلاً؟! فالصحيح أنّ أمثال هذه الموارد بأسرها هي من شؤون الإمام المعصوم عليه‌ السلام، وليس فيها أيّ إشعار أو إشارة بتنازل أو عدول عن الخطّ المستقيم.

2 ـ إنّ موقف الحسين عليه ‌السلام يختلف مع موقف أخيه الإمام الحسن عليه ‌السلام في الظروف التي واجهها، وذلك باختلاف معاوية عن يزيد في تصرّفاته، فإنّ معاوية كان يتظاهر بالشعائر والالتزمات الدينية بحدّ وسعه، لتغطية أفعاله الشرّيرة، وهذا كان يسبّب ـ إلى حدّ كبير ـ التمويه على المسلمين، فهم كانوا لا يعرفونه حقّ المعرفة، إلى أن عرّفه الإمام الحسن عليه السلام بتخليه الساحة له مؤقّتاً، حتّى يراه المسلمون كما هو، ويتّضح لهم ما كان وما يريد.

وعلى العكس فإنّ يزيد لم يكن يرى أيّ إحراج في إعلانه الفسوق والعصيان، وإظهاره شعائر الكفر والشرك علانية، فلا يبقى فرض مدّة أو طريقة لتعريفه لدى المسلمين، بل أنّ الواجب كان يلزم على الإمام الحسين عليه السلام أن يقوم في وجهه حفظاً لدين جدّه المصطفى صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله من التلاعب بيد الطغمة الظالمة، المتمثّلة في كيان الخلافة آنذاك.

وبعد ذلك ألسنا نرى التمايز في ظروف زمانهما الذي ولّد اختلاف موقف أحدهما عن الآخر عليهما‌ السلام.