حجاب المرأة في ’ زيارة الأربعين’.. ما هي شروطه؟

لم يُفرض الحجاب على المرأة المسلمة إنقاصا من كرامتها أو للحط من شأنها بل فُرِضَ تكريماً لها وإعلاءً لقيمتها بل وحمايةً لها من النفوس الدنيئة ووقايةً لها من الوقوع في الرذيلة، بالإضافة إلى صيانة عفاف المجتمع وطهارته.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

 كما أنه لم يفرض على المرأة لتُحجب عن الحياة أو لتُمنع من ممارسة حقوقها أو ليُحال دون قيامها بواجباتها أو بما ترغب من المباحات فضلاً عن المستحبات.

وإذا كان الحجاب واجباً على المرأة في كل زمان ومكان وينبغي أن تتمسك به وأن تؤديه بأكمل وجه، فإن هناك أمكنة لها قدسية، وأزمنة لها خصوصية يتأكد فيها التشديد في مراعاة الحجاب وبكلا قسميه الظاهري والباطني.

ونقصد بالحجاب الظاهري حجب المرأة لمفاتنها عن الناظر الأجنبي سواء كانت مفاتن جسمية كالمفاتن المعروفة في جسم المرأة أو مفاتن سلوكية كطريقة المشي والجلوس والكلام وما إلى ذلك، وأما الحجاب الباطني فهو حجابٌ للروح عن كل ما من شأنه أن يدنس عفة المرأة أو يمس طهارتها من قبيل النظر المحرم وما شابه ذلك.. وبذلك يكون حجاب المرأة متكاملاً...

ومن الأزمنة التي لابد للمرأة فيها أن تشدد من مراعاتها للحجاب الشرعي بكل تفاصيله هو موسم زيارة الأربعين للإمام الحسين (عليه السلام)، ومما يضيف إلى هذا الزمان خصوصية أخرى هو قداسة المكان الذي يُتوجه إليه في هذه الزيارة وهو مرقد الإمام الحسين (عليه السلام)، كما إن طهر وعفاف أولى زائراتٍ للإمام الحسين (عليه السلام) في زيارة الأربعين لاسيما عقيلة الطالبيين (عليها السلام) له خصوصية كبرى في نفوس الزينبيات حيث يستلهمن منه ضرورة الاقتداء ببنت سيدة النساء في كل خطوة يخطينها في السير إلى الامام الحسين (عليه السلام).

ولأن المرأة لا يمكن لها أن تفكر بالتبرج والظهور بأبهى حُلّة وأجمل مظهر إلا في حال انبساطها وسرورها غالباً؛ بخلاف الحزن الذي تنشغل فيه عادةً عن الالتفات إلى مثل هذه الأمور، كان للمسير إلى الامام الحسين (عليه السلام) خصوصية أخرى تحتم على المرأة التشديد أكثر في مسألة الحجاب والابتعاد عن التفكير بالتبرج والتجمل وهو استشعار الحزن والألم لما جرى على السادة الأبرار والسيدات الطاهرات..

ولكل ما تقدم أختي الزائرة نضع بين يديك جملة من الملاحظات المهمة التي لا نستبعد علمك بها ولكن نحيطها اهتماماً من باب التذكير لك ولأخواتك الزائرات المؤمنات وفقك الله تعالى وإياهن لكل ما فيه رضاه وتقبل منكن جميعا كل خطوة تسرنها في هذا الطريق المبارك، وكل جهد تبذلنه في إحياء هذه الشعيرة العظيمة، وكل عناء تتكبدنه في سبيل مواساة زينب العقيلة عليها أفضل التحية والسلام.

إن الحجاب على قسمين: ظاهري وباطني.

أولاً: الحجاب الظاهري:

وهو حجابٌ ذو مواصفاتٍ لابُدّ منها ليكون ساتراً للمفاتن أمام جميع الرجال سوى الزوج والمحارم منهم، وقد أمر الله (عز وجل) الفتيات والنساء الالتزام به في القرآن الكريم، كما أكدت عليه السنة المطهرة من أحاديث النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله) والأئمة المعصومين (عليهم السلام).

وبما إن مفاتن المرأة لا تقتصر على الجانب المادي فقط بل تمتد لتشمل الجانب السلوكي أيضاً، إذاً يمكن القول: إن الحجاب الظاهري ينقسم هو الآخر أيضاً إلى حجاب مادي ــ لو صح التعبير ــ وآخر سلوكي.

فأما الحجاب المادي فالواجب فيه هو أن تستر الفتاة أو المرأة كافة أجزاء بدنها ما عدا الوجه والكفين عن جميع الرجال غير الزوج والمحارم، ولا يشترط فيه زي معين ولكن الأفضل أن ترتدي العباءة الزينبية المعروفة لأنها أجلى مصاديق الحجاب الشرعي وأكثرها تحقيقاً لستر المحاسن وحجب المفاتن.

ومن أهم الشروط التي ينبغي توفرها في الحجاب المادي:

1. أن يكون فضفاضاً.

فلا يصح حجابكِ أختاه الكريمة إذا كان ضيقاً بحيث يُظهر مفاتن البدن، وتذكري أن هنالك ملابس تسبب الالتصاق بالبدن، مثل الصوف والحرير إذا اجتمعا معاً، ومعلومٌ لديك أختاه العفيفة أن التصاق العباءة بالجسد يؤدي إلى ما يؤدي إليه اللباس الضيق، فتنبهي.

2. أن لا يُعد الحجاب من الزينة...

وبما أنكِ أختاه العزيزة صاحبة ذوقٍ رفيعٍ فمما لا شك فيه أنك تميزين جيداً ما يُعد زينةً من كريستالات، أو فصوص لمّاعة، وما شابه ذلك من أمور تشد إليها أعين الناظرين، فاحذري أن يكون حجابكِ مشتملاً على أيٍّ من ذلك لأنه يُعد حينئٍذ من الزينة ومعها لا يعد حجابك مطابقاً لمبتغى إلهكِ وخالقكِ.

3. أن يكون ساتراً لبشرة الجسم..

أي أن لا يكون شفّافاً يُظهر البشرة وسماتها، وقد تتسم بعض الألبسة النسائية اليوم بهذه الصفة أو تشتمل على ما يعد زينة فاحرصي على أن لا ترتديها حتى تحت العباءة أختي الموالية؛ لأن الزينة إنما تُرتدى في مناسبات الفرح والسرور لا عند مناسبات حزن الأطهار وفقد الأبرار.

ومن صحة الحجاب وموافقته للشرع ستر القدمين فضلاً عما قرب منهما من الرجلين، فلا تتهاوني عزيزتي في سترهما، ولأنك في سفر الزيارة حيث يتعرض جوربك الى التمزق أو الاتساخ فمن الأفضل أن تحملي معك جورباً آخر أو أكثر على سبيل الاحتياط.

وللجورب الذي يكون ساتراً شرعاً مواصفات هي:

1. ألا يكون شفافاً.

2. ألا يكون من الزينة.

3. ألا يكون مثيراً.

فإن لم تتوفر هذه الشروط مجتمعة في الحجاب فاعلمي أختاه المؤمنة أن الشرع لا يعد ذلك حجاباً شرعياً وهذا يعني ترتب الإثم على من ترتديه بمقدار ما أهملت من شروط أوجب الشرع توفرها فيه، وما أحزنه من موقف حين نغضب الله تعالى لأمرٍ بسيط تعجز أنفسنا عن الالتزام به... وما أقساه من موقف على قلب إمام زمانكِ (عجل الله فرجه) وهو يرى عجزنا عن التمسك بواجب تمسك به الموالون والمخالفون أيضاً فكيف يصدق دعاءنا بنصرته أو رغبتنا في الاستشهاد بين يديه؟؟!!

ثانياً: الحجاب السلوكي

معلومٌ لديكِ أختي المؤمنة إنما أمر الله (تعالى) أن يُحجب جسم المرأة عن الناظرين الأجانب لما فيه من مواضع فاتنة تجذب انتباههم، وتغريهم بإمعان النظر فيها، بل قد تُثير فيهم الطمع في الوصول إليها، لذا كان الحجاب المادي ــ الذي تقدَم ذكره ــ حصناً للمرأة من الأذى وحصناً لغيرها من الوقوع في الخطيئة.

ولعلكِ توافقينني الرأي أختاه العزيزة أنّ سلوك المرأة هو الآخر قد يتضمن من المفاتن والمغريات ما يتضمن ... من قبيل المِشية المغرية، والضحكة الفاتنة، والجِلسة المثيرة، والخضوع بالقول وما شاكل ذلك. ولذا لم يقتصر الأمر الإلهي على وجوب الحجاب المادي فقط بل تعدّاه لوجوب الحجاب السلوكي أيضاً، فكان جزءً من الحجاب الشرعي للمرأة، وعليه أختي الموالية فلا يمكن أن تكون المرأة محجبة حجاباً شرعياً تاماً إن لم تلتزم بالحجاب السلوكي قال (تعالى):"فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) "، وقال أيضاً: "وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ (31) ".

وإذا كان الحجاب السلوكي واجباً في كل حين وعلى ايِّ حال، فإنه في المناسبات الدينية يتأكد وجوبه لاسيما في زيارة الأربعين للإمام الحسين (عليه السلام) حيث السير على الأقدام لمسافات بعيدة والتي في الأعم الأغلب لا تخلو من المشقة والتعب والعناء، وهذه الأحوال قد تقود الإنسان أحياناً إلى التساهل في أداء الواجبات وعدم العناية بالإتيان بها كما أراد الشرع المقدس، ولما كانت المرأة تتميز برقتها وبضعف قوتها الجسمية قياساً بالرجل بشكل عام فعليها أن تأخذ هذه النقطة المهمة في نظر الاعتبار..

لذا أختي الغالية إن كنتِ ممن ينال منهم التعب سريعاً، وتتميزين بعدم القدرة على المشي لمسافات طويلة، فمن الأفضل لكِ غاليتي أن ترتبي أمر زيارتكِ بما يتوافق مع قدرتكِ وقابليتكِ، كأن تقسّمي المسافة بين منزلكِ وبين كربلاء مثلاً فتستقلي السيارة في قطع قسم منها وتمشين في قطع القسم الآخر بحسب ما يناسب قدرتكِ، واعلمي أن ذلك لا يقلل من أجركِ وثوابكِ إن شاء الله لأنكِ إنما تقومين بذلك حفاظاً على واجباتكِ كأداء الصلاة في وقتها فقد يأخذ منك التعب مأخذه فتقصري في هذا الواجب، كما لا أعتقد أنه سيضعف علاقتك بسيد الشهداء (عليه السلام)، لأنك حافظتِ بذلك على ستركِ فقد يحصل لكِ عارض لضعف قدرتك على المسير لا سمح الله فيجبر بعض إخوتكِ من الأجانب على حملكِ ونقلكِ إلى مركز المعالجة، بل سيُسَر بتفكيركِ هذا أبو الشهداء (سلام الله عليه) حتماً وهو أبو الغيرة بل ومنبعها، كما لا أظن أن قراركِ هذا سيوهن علاقتكِ بعقيلة الطالبيين (عليها السلام)، لأن العناء قد يؤثر فيكِ فتتكاسلين عن العناية بحجابكِ كما يجب، أو تتماهلين برعايته كما ينبغي، وهي (سلام الله عليها) أم الستر والخدر والعفاف والحجاب، بل ستكونين عندها ذات شأنٍ كريم.

*مواقع إلكترونية