"النشوز" عند الزوج والزوجة... كيف نعالجه؟

وضعت الشريعة الاسلامية حدودا وتكاليف منها تلك الحدود والواجبات التي فُرضت على الزوجين، والتي بالرغم من وجودها، إلا إنه قد يقع الاختلاف بينهما، سواء كان من الزوج فقط، او من الزوجة، او من كليهما، وهو ما يُصطلح عليه بالنشوز، او الشقاق، وسنسلط بعض الضوء في هذه المقالة لفهم معناهما وما هو العلاج اذا وقع أحدهما؟

ولبيان مفردة "النشوز" لا بد من اللجوء إلى اللغة لكشف غموضها عن القارئ، إذ تعني "الارتفاع"، وسمّي خروج أحد الزوجين نشوزاً لأنّه بمعصيته قد ارتفع عمّا أوجب الله تعالى عليه من ذلك للآخر، ولو كان الخروج من الزوجين معاً خصّ باسم الشِّقاق كما سيأتي بيانه.

نشوز الزوجة

يقول المرجع الأعلى سماحة السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله: "النشوز قد يكون من الزوجة، وقد يكون من الزوج اما نشوز الزوجة فيتحقق بخروجها عن طاعة الزوج الواجبة عليها، وذلك بعدم تمكينه مما يستحقه من الاِستمتاع بها، ويدخل في ذلك عدم ازالة المنفرات المضادة للتمتع والاِلتذاذ منها، بل وترك التنظيف والتزيين مع اقتضاء الزوج لها، وكذا بخروجها من بيتها من دون اذنه...".

وهل يتحقق النشوز بخروج الزوجة عن طاعة الزوج المستحبة؟

قال سماحة السيد السيستاني دام ظله: "ولا يتحقق بترك طاعته فيما ليس واجباً عليها كخدمة البيت ونحوها...". منهاج الصالحين ج3م350.

فعليه لا يتحقق نشوز الزوجة بترك خدمة البيت وحوائجه التي لا تتعلق بالاِستمتاع من الكنس أو الخياطة أو الطبخ أو تنظيف الملابس أو غير ذلك حتى سقي الماء وتمهيد الفراش وإن كان يستحب لها ان تقوم بذلك.

وهل تسقط النفقة بنشوزها؟

قال سماحة السيد السيستاني دام ظله: إذا امتنعت الزوجة من تمكين الزوج من نفسها مطلقاً لم تستحق النفقة عليه... واما إذا امتنعت من التمكين في بعض الاَحيان لا لعذر مقبول شرعاً "كما إذا كانت مريضة او كانت حائضا"، أو خرجت من بيتها بغير اذنه كذلك فالأحواط وجوباً عدم سقوطها بذلك.

ما هو العلاج لنشوز المرأة؟

 أولا: الموعظة

قال تعالى: (واللاتي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ)، أن يعظها الزوج لتليين قلبها وإيصالها إلى التفاهم بأن ترك المرأة لحقوق الزوج يعتبر معصية لله تعالى، فالوعظ هي أَولى العلاجات لأي خلاف بين الزوجين.

ثانياً: الهجر في المضاجع

قال تعالى: (وَاهْجُرُوهُنَّ في الْمَضَاجِعِ) فإذا لم تؤثر الموعظة هجرها في المضجع إذا احتمل نفعه، كأن يحوّل إليها ظهره في الفراش، أو يعتزل فراشها إذا كان يشاركها فيه من قبل.

ثالثا: الضرب

قال تعالى: (وَاضْرِبُوهُن)، فإذا لم يؤثر الهجر ايضاً جاز له ضربها إذا كان يؤمِّل معه رجوعها الى الطاعة وترك النشوز.

شروط ضرب المرأة:

ويقتصر منه:

1- على اقل مقدار يحتمل معه التأثير، فلا يجوز الزيادة عليه مع حصول الغرض به، وإلاّ تدرج الى الاقوى فالأقوى ما لم يكن مدمياً ولا شديداً مؤثراً في اسوداد بدنها أو احمراره.

2- و ان يكون ذلك بقصد الاِصلاح لا التشفي والاِنتقام، ولو حصل بالضرب جناية وجب الغُرم (الغرامة الشرعية).

 وإذا لم تنفع معها الاجراءات المتقدّمة واصرّت على نشوزها فليس للزوج ان يتّخذ ضدها اجراءً آخر سواء أكان قولياً كإيعادها بما لا يجوز له فعله (كإيعادها بالتشهير بها او بالقتل) ـ بخلاف الاِيعاد بما يجوز له كالطلاق أو التزويج عليها ـ أو كان فعلياً كفرك اُذنها أو جرّ شعرها أو حبسها أو غير ذلك، نعم يجوز له رفع امره الى الحاكم الشرعي ليلزمها بما يراه مناسباً.

نشوز الرجل

كما ان النشوز يحصل من الزوجة كذلك يحصل من الزوجة ويتحقق بمنع الزوجة من حقوقها الواجبة عليه، كترك الانفاق عليها، أو ترك المبيت عندها في ليلتها، أو هجرها بالمرة، أو ايذائها من دون مبرر شرعي (أي: لم تكن ناشزا).

ما هو الحل لو نشز الرجل؟

قال سماحة السيد السيستاني دام ظله: إذا نشز الزوج على زوجته بمنعها حقوقها الواجبة (المتقدمة) عليه فلها المطالبة بها ووعظه وتحذيره، فان لم ينفع فلها رفع امرها الى الحاكم الشرعي وليس لها هجره ولا ضربه والتعدي عليه.

الشقاق

اذا كان كلا الزوجين لم يلتزما بواجباتهما اتجاه الاخر سُمِّي بـ (الشقاق)، فما هو الحكم حينئذٍ؟

قال سماحة السيد السيستاني دام ظله: إذا وقع نشوز من الزوجين ومنافرة وشقاق بين الطرفين بعث الحاكم حكمين ـ حكماً من جانب الزوج وآخر من جانب الزوجةـ للإصلاح ورفع الشقاق بما رأياه صالحاً من الجمع أو الفراق بإذنهما.

 ويجب عليهما البحث والاِجتهاد في حالهما؛ وفيما هو السبب والعلّة لحصول الشقاق بينهما؛ ثم يسعيان في امرهما فكلما استقر عليه رأيهما وحكما به نفذ على الزوجين ويلزم عليهما الرضا به بشرط كونه سائغاً. (المنهاج ج3 مسألة 362).

وقال سماحته دام ظله: إذا اختلف الحكمان بعث الحاكم حكمين آخرين حتى يتفقا على شيء.

وينبغي للحكمين اخلاص النية وقصد الاِصلاح، فمن حسنت نيته فيما تحرّاه أصلح الله مسعاه.