حسبنا كتاب الله.. هل يغني الرجوع إلى ’’القرآن’’ عن التقليد؟!

كتب آية الله السيد محمد باقر السيستاني:

هل يمكن الاستغناء عن التقليد باقتناع الناس بأنفسهم بعدم جواز التقليد ورجوعهم بأنفسهم إلى القرآن الكريم والروايات الماثورة عن النبي (ص) وأئمة الهدى؟

الجواب: كلا لا يمكن ذلك بوضوح لسببين:

الأوّل: أنّ اقتناع الناس بعدم جواز التقليد لن يكون اقتناعاً بأمر بديهي واضح لديهم ابتداءً، وإنما يحصل هذا الاقتناع بالوقوف على طرح مَن هو مقتنع بهذا القول وإيضاحاته.

ومن المعلوم أنّ مَن يذكر هذا الطرح فهو عادة يدعي ممارسة وخبرة طويلة في هذا الشأن، ولا يزعم أنه قد انتبه إليه منذ بداية بلوغه، ومعنى ذلك أنّ اقتناعه بعدم جواز التقليد كان وليد الخبرة لا البداهة.

وعليه فإنّ مَن يقتنع بهذا الطرح سوف يقلّد صاحب هذا الطرح.

هذا، ولا ينفي كون ذلك تقليداً أنّه حصل بتوضيحٍ مِـمَّن يفترض خبرته للآخر الذي لم يكتسب الخبرة مباشرة؛ لأنّ قناعة مَن لم يكتسب الخبرة بتوضيحِ مَن يدعيها لا يعني أنّ الأوّل قد اطّلع على المعلومة بشكل عميق يغنيه عن الاعتماد على صاحب الخبرة، مهما اعتنى صاحب الخبرة المفترضة بتوضيح الفكرة وتبسيطها، كما لو أوضح الطبيب بسبب تشخيصه للمريض فاستوضحه المريض، فإن ذلك لا يخرج المريض عن تقليده للطبيب. وذلك واضح.

الثاني: هَبْ أنّ أحداً اقتنع الآن بعدم جواز التقليد فلنلاحظه أنّه إذا اعترته مسألة مختلف فيها في أحكام العبادات والمعاملات، هل يرجع بنفسه إلى كتب الأخبار ويفهمها أو يجد ضرورة في أن يرجع إلى من يفترضه خبيراً  -ولو كان ممن يقول بلسانه أنه لا يرى التقليد-؟

لا شك في أنّه يرجع إلى من يذعن بخبرته لأنّ التقليد ليس معنى يعتبر اعتباطاً، بل روحه التعويل على خبرة الآخرين فمَن عوّل على خبرة الآخرين فإنّه قد قلدهم لا محالة، ومعنى ذلك أنّه يقلّد بالضرورة.

إذن فمن يطرح عدم التقليد في الحقيقة إنما يطرح تقليد نفسه في هذا القول وفي المسائل الشرعية النظرية وإن تجنب عن تسميته باسم التقليد .

على أنّ هناك نقطة ينبغي الانتباه إليها، وهو أنّ التقليد للآخر ليس تعويلاً على رأي المجتهد لذاته، بل باعتباره محيطاً وممارساً للقرآن الكريم والسنة الشريفة، بل هو في الحقيقة نحو تعويل على الآيات والروايات، ولكن بدلالة الفقية الممارس الذي بذل الجهد في هذا السبيل، ومِن ثَمَّ فإنّ مِن الخطأ الفاحش افتراض أنّ التعويل على الفقيه بديل عن التعويل على الآيات والروايات في معرفة الحكم الشرعي، فالفقيه أشبه بمَن يدلّ التائه عن الطريق إلى هذا الطريق لاطّلاعه على علائم الطريق ودلالاته.

إنّ التقليد -بمعنى رجوع غير المتخصص إلى المتخصص في المجال الذي لا تخصص له فيه- حقاً هي فكرة بديهية للغاية، وهي من القضايا التي يكفي تأمّلها في الإذعان بها، فمن تصوّر رجوع غير المتخصص -في المجال الذي لا تخصص له- إلى المتخصص في ذلك المجال أذعن بالبداهة أنّ هذا الرجوع أمرٌ ضروريّ لا محيص عنه ولا بديل له، وإنما الباعث على التشكيك في مثله التباسات فنية متسرّعة أو عوامل غير علمية مثل التسقيط والمنافسة بما لمثل ذلك من أسباب شخصية واجتماعية وسياسية وبعض ذلك أمر معروف.