كيف سيُطهر الإمام المهدي الأرض من الظلم والظالمين؟

يبدو بالنظرة الأولى أن تطهير الأرض من الظلم، واستئصال الطواغيت والظالمين، أمر غير ممكن، فقد تعودت الأرض على أنين المظلومين وآهاتهم حتى لا يبدو لاستغاثتهم مجيب، وتعودت على وجود الظالمين المشؤوم، حتى لا يخلو منهم عصر من العصور.

فهم كالشجرة الخبيثة المستحكمة الجذور، ما أن يقلع منهم واحد حتى ينبت عشرة، وما أن يقضى عليهم في جيل حتى يفرخوا أفواجاً في أجيال .

غير أن الله تعالى الذي قضت حكمته أن يقيم حياة الناس على قانون صراع الحق والباطل والخير والشر، قد جعل لكل شيء حداً، ولكل أجل كتاباً، وجعل للظلم على الأرض نهاية.

جاء في تفسير قوله تعالى:(يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ[1]).

عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (الله يعرفهم ولكن نزلت في القائم يعرفهم بسيماهم فيخبطهم بالسيف هو وأصحابه خبطاً[2]).

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (فليفرجن الله بغتة برجل منا أهل البيت ، بأبي ابن خيرة الإماء، لا يعطيهم إلا السيف هرجاً هرجاً (أي قتلاً قتلاً) موضوعاً على عاتقه ثمانية أشهر[3]).

وعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: ( إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أمته باللين والمنِّ ، وكان يتألف الناس ، والقائم يسير بالقتل ولا يستتيب أحداً، بذلك أمر في الكتاب الذي معه ، ويل لمن ناواه[4]).

والكتاب الذي معه هو العهد المعهود له من جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وفيه كما ورد :( أقتل ثم اقتل ولاتستتيبن أحداً) ، أي لا تقبل توبة المجرمين .

وعنه عليه السلام قال: (وأما شبهه في جده المصطفى (صلى الله عليه وآله) فخروجه بالسيف وقتله أعداء الله تعالى وأعداء رسوله ، والجبارين والطواغيت ، وأنه ينصر بالسيف والرعب ، وأنه لا ترد له راية[5]) .

وفي رواية عبد العظيم الحسني المتقدمة وهي في نفس المصدر ، عن الإمام الجواد (عليه السلام) : ( فإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف خرج بإذن الله ، فلا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضى الله تعالى.

قلت ، وكيف يعلم أن الله قد رضي ؟ قال: يلقي الله في قلبه الرحمة ).

بل جاء في الأحاديث أن بعض أصحابه (عليه السلام) يرتاب ويعترض عليه لكثرة ما يرى من سفكه لدماء الظالمين ، فعن الإمام الباقر عليه السلام : (حتى إذا بلغ الثعلبية (اسم مكان في العراق) قام إليه رجل من صلب أبيه (أي من نسبه) هو أشد الناس ببدنه وأشجعهم بقلبه ما خلا صاحب هذا الأمر ، فيقول: يا هذا ما تصنع؟ فوالله إنك لتجفل الناس إجفال النعم ( أي كما يجفل الراعي أو الذئب قطيع الماشية ) أفبعهد من رسول الله ، أم بماذا ؟ فيقول المولى الذي ولي البيعة (أي المسؤول عن أخذ البيعة للإمام من الناس): أسكت ، لتسكتن أو لأضربن الذي فيه عيناك ، فيقول القائم (عليه السلام) : أسكت يا فلان ، إي والله إن معي لعهداً من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، هات يا فلان العيبة (أي الصندوق) فيأتيه بها فيقرأ العهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيقول الرجل: جعلني الله فداك: أعطني رأسك أقبله ، فيعطيه رأسه، فيقبل بين عينيه ، ثم يقول: جعلني الله فداك ، جدد لنا بيعة ، فيجدد لهم بيعة[6] ).

ولا بد أن هناك علامات أو آية يعرف بها أصحابه أن تلك الصحيفة هي عهد معهود من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وأما طلبهم أن يجددوا مبايعته عليه السلام فلأن اعتراضهم عليه يعتبر نوعاً من الإخلال ببيعتهم الأولى له (عليه السلام) .

وقد يرى البعض في سياسة القتل والإبادة للظالمين التي يعتمدها الإمام المهدي (عليه السلام) ، أنها قسوة وإسراف في القتل ، ولكنها في الواقع عملية جراحية ضرورية لتطهير مجتمع المسلمين ومجتمعات العالم من الطغاة والظالمين ، وبدونها لا يمكن إنهاء الظلم من على وجه الأرض ، وإقامة العدل خالصاً كاملاً، ولا القضاء على أسباب المؤامرات الجديدة التي سيقوم بها بقاياهم فيما لو استعمل الإمام معهم سياسة اللين والعفو، فالظالمون في مجتمعات العالم كالغصون اليابسة من الشجرة ، بل كالغدة السرطانية، لابد من استئصالها من أجل نجاة المريض مهما كلف الأمر .

والأمر الذي يوجب الاطمئنان عند المترددين في هذه السياسة أنها بعهد معهود من النبي (صلى الله عليه وآله) وأن الله تعالى يعطي الإمام المهدي (عليه السلام) العلم بالناس وشخصياتهم ، فهو ينظر إلى الشخص بنور الله تعالى فيعرف ما هو وما دواؤه، ولا يخشى أن يقتل أحداً من الذين يؤمل اهتداؤهم وصلاحهم ، كما أخبر الله تعالى عن قتل الخضر (عليه السلام) للغلام في قصته مع موسى عليه السلام حتى لا يرهق أبويه طغياناً وكفراً .

بل تدل الأحاديث على أن الخضر يظهر مع المهدي عليه السلام ويكون وزيراً له ، ولا بد أن المهدي عليه السلام عنده علم الخضر اللدني الذي قال الله عنه: (آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً[7])، وأنهما يستعملانه في تنمية بذور الخير، ودفع الشر عن المؤمنين، والقضاء على الفساد والشر وهو بذرة صغيرة قبل أن يصبح شجرة خبيثة .

ومن المرجح أن يكون عمل الخضر وأعوانه في دولة المهدي (عليهم السلام) علنياً ، وأن يكون لهم حق الولاية على الناس وحق النقض على القوانين والأوضاع الظاهرية .

وقد ورد في الأحاديث الشرية أن الإمام المهدي عليه السلام يقضي بين الناس بحكم الله الواقعي الذي يريه إياه الله تعالى ، فلا يطلب من أحد شاهداً أو بينة ، وكذلك يستعمل علمه الواقعي في قتل الظالمين والفجار ، وقد يسير أصحابه في القضاء بين الناس وقتل الفجار بهذه السيرة ، أما في بقية الأمور فقد يتعاملون مع الناس على الظاهر . ولا بد أن يكون للخضر وأمثاله صلاحياتهم الخاصة .

الهوامش:

[1] الرحمن:41.

[2] غيبة النعماني ص 127.

[3] شرح نهج البلاغة:2/178 .

[4] غيبة النعماني ص121.

[5] البحار: 51 /218.

[6] البحار: 53/343.

[7] الكهف:65