كيف نستثمر غيّبة الإمام المهدي (عج)؟!

إنَّ الذي يحقق ويدقق في مسألة الاستفادة من الاِمام المهدي (عج) حال غيبته، يجب أن يضع في حسابه أولاً الروايات والاَخبار الصحيحة التي تتحدث عن ظهوره الذي سيكون بصورةٍ مفاجئة وسريعة، أو على حدِّ لسان بعض الروايات «بغتة».

أي دون تحديد زمن مخصوص أو وقتٍ معيّن، وهذا يترتّب عليه ترقب كل جيلٍ من أجيال المسلمين لظهوره المبارك. ومن يتأمل في هذه المسألة فلن يصعب عليه أن يكتشف فوائد ومزايا جمةً تتعلق بالأمة المرحومة، منها:

1 ـ إنَّ ذلك يدعو كلّ مؤمن إلى أن يكون على حالةٍ من الاستقامة على الشريعة، والتقيّد بأوامرها ونواهيها، والابتعاد عن ظلم الآخرين، أو غصب حقوقهم، وذلك لاَنَّ ظهور الاِمام المهدي ـ الذي سيكون مفاجئاً ـ يعني قيام دولته وهي التي يُنتصف فيها للمظلوم من الظالم، ويُبسَط فيها العدل ويُمحى الظلم من صفحة الوجود، ولايقولنَّ أحدٌ إنَّ الشريعة ودستورها القرآن منعت الظلم والتظالم وهذا يكفي.

فإنَّ جوابه: إنَّ الشعور والاعتقاد بوجود السلطة وبتمكنها وسلطنتها يعدُّ رادعاً قوياً، وقد جاء في الاَثر الصحيح «إنَّ اللهَ ليزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن[1]..».

2 ـ إنَّ ذلك يدعو كلّ مؤمن إلى أن يكون في حالةِ طوارئ مستمرة من حيث التهيؤ للانضمام إلى جيش الاِمام المهدي والاستعداد العالي للتضحية في سبيل فرض هيمنة الاِمام الكاملة وبسط سلطته على الارض لإقامة شرع الله تعالى. وهذا الشعور يخلق عند المؤمنين حالةً من التآزر والتعاون ورصّ الصفوف والانسجام لاَنهم سيكونون جُنداً للإمام عليه السلام.

3 ـ إنَّ هذه الغيبة تحفّز المؤمن بها للنهوض بمسؤوليته، وخاصة في مجال الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فتكون الاَمّة بذلك متحصّنة متحفّزة. إذ لا يمكن تقيّد أنصار الاِمام المهدي عليه السلام بالانتظار فحسب، دون الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر استعداداً لبناء دولة الاِسلام الكبرى وتهيئة قواعدها حتى ظهور الاِمام المهدي عليه السلام.

4 ـ إنَّ الاُمّة التي تعيش الاعتقاد بالمهدي الحي الموجود تبقى تعيش حالة الشعور بالعزة والكرامة، فلا تطأطأ رأسها لأعداء الله تعالى، ولا تذلُّ لجبروتهم وطغيانهم، إذ هي تترقب وتتطلع لظهوره المظفّر في كلِّ ساعة، ولذلك فهي تأنف من الذلِّ والهوان، وتستصغر قوى الاستكبار، وتستحقر كلّ ما يملكون من عدةٍ وعدد.

إنَّ مثل هذا الشعور سيخلق دافعاً قويّاً للمقاومة والصمود والتضحية، وهذا هو الذي يخوّف أعداء الله وأعداء الاِسلام، بل هذا هو سرّ خوفهم ورعبهم الدائم، ولذلك حاولوا على مرّ التاريخ أن يُضعفوا العقيدة بالمهدي، وأن يُسخّروا الاَقلام المأجورة للتشكيك بها، كما كان الشأن دائماً في خلق وإيجاد الفرق والتيارات الضالّة والهدّامة لاحتواء المسلمين، وصرفهم عن التمسّك بعقائدهم الصحيحة، والترويج للاعتقادات الفاسدة مثلما حصل في نحلة البابية والبهائية والقاديانية والوهابية.

هذا، ويمكن أن نضيف إلى هذه الثمرات والفوائد المهمة فوائد اُخرى يكتسبها المُعتقِد بظهور المهدي عليه السلام في آخرته، ويأتي في مقدمتها تصحيح اعتقاده بعدل الله تعالى ورأفته بهذه الاُمّة التي لم يتركها الله سدىً ينتهبها اليأس ويفتك بها القنوط لما تشاهده من انحراف عن الدين، دون أن يمدّ لها حبل الرجاء بظهور الدين على كلِّ الاَرض بقيادة المهدي عليه السلام.

ومنها: تحصيل الثواب والاَجر على الانتظار، فقد ورد في الاَثر الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام)عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال المنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبيل الله[2].

ومنها: الالتزام بقوله تعالى حكايةً عن وصية إبراهيم عليه السلام لبنيه: (يابَنِيَّ إنَّ الله اصْطَفى لَكُم الدّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إلاّ وأنتُم مُسْلِمُون) البقرة : 132.

وفي الحديث من مات ولم يعرف إمام زمانه ـ وفي عصرنا هو المهدي عليه السلام ـ مات ميتةً جاهلية. واستناداً إلى كلِّ ما ذكرناه يظهر معنى: إنَّ الاَرض لا تخلو من حجةٍ لله تعالى.

واخيراً، فإنّ مما تسعى إليه بُؤَر النفاق وبشكل دؤوب هو بحثها الحثيث بين صفوف المسلمين، لعلها تجد فيهم من تتلقفه وتحوطه برعايتها، وتمنحه الالقاب العلمية الكاذبة التي يَشْرَه إليها؛ لكي تتخذه مطيّة لأغراضها وبوقاً لدعاياتها عبر المجلات والمؤتمرات التي تندد بالإسلام وأُصوله الشامخة، ولن تجد بغيتها إلاّ فيمن انحرف عن المحجة البيضاء، ورمى بنفسه كالطفل في احضان مربية حمقاء تسخّره لكل لعبة قذرة، كما نلحظه اليوم في تقريب سلمان رشدي ومن على شاكلته، على أمل أن تجد سمومهم طريقها إلى كل جسد مسلم ضعيف.

ولهذا كان من الواجب الاِسلامي التنبيه على هذه الوسيلة الدنيئة، وتوعية المسلمين بأهدافها وغاياتها واخطارها، وتحصينهم بالإيمان الصحيح الذي أمر به هرم الاِسلام المقدس: (القرآن الكريم، والسنّة المطهرة، ومدرسة أهل البيت عليهم السلام).

من كتاب المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي

[1]أي يمنع بالسلطان من اقتراف المحارم أكثر مما يمنع بالقرآن

[2] كمال الدين ج : 2 ص : 4 645

المصدر: موقع «محمد بن الحسن المهدي»