رؤية السيد «السيستاني» للمنبر الحسيني ووصاياه للخطباء

ينظر السيد السيستاني (دام ظله) الى (المنبر الحسيني) كوسيلة تغييرية مهمة وأداة إعلامية وتربوية يُمكن من خلالها الرُقي بالمجتمع وإصلاح مشاكله التي يعاني منها في كل عصر، وهو وسيلة مهمة لتربية الفرد المسلم على الفضيلة والورع والقيم المُثلى وغرس الحكمة في قلوب المؤمنين،

 فالمنبر الحسيني امتداد لثورة الإمام الحسين (عليه السلام) ودوره ووظيفته تتمحور حول الحفاظ على الدين وتبليغه الى الناس وترسيخه في نفوسهم وتربية الأجيال عليه، وإن أبرز أدواره في العصر الحاضر هو التصدي لدفع الشبهات المطروحة في مقابل الدين، خصوصاً تلك المنتشرة بين أفراد المجتمع والتي تساهم في تضليلهم وزيادة الصراعات بينهم، والابتعاد عن إثارة الشبهات المغمورة التي لا يعلم بها عامة الناس.

كتاب الله وعتره نبيه

يرى السيد السيستاني (دام ظله) أن المنبر أولى من غيره في بيان المعارف والعلوم القرآنية وتبيانها الى الناس للاستفادة من العِبر الواردة فيه، فالقرآن الكريم ومعارف أهل البيت (عليهما السلام) هما الثقلان اللذان أوصى النبي بهما ( معاً ) وهما لن يفترقا أبدا، إذ لا بد من الاستفادة من معين علوم أهل البيت (سلام الله عليهم)المأثور عنهم بالطرق المعتبرة والمصادر الموثوقة، وقد ورد عنهم (سلام الله عليهم) ((إِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ‏ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا)) ويشتمل محاسن كلامهم على منظومة فكرية متكاملة متنوعة المضمون كالقرآن الكريم، ففيها من روائع الحِكَم ومعالم الاخلاق وإثارة دفائن العقول ودفع الشبهات ما يُنير الانسان المسلم ويجعله واثقاً بعقيدته ودينه، وذلك هو مقتضى كونهم الثقل الثاني للقرآن بصريح حديث الثقلين وغيره.

محطة التقاء

كما يعتقد سماحة السيد المرجع (دام ظله) بوجوب ان يكون (المنبر الحسيني) محطة التقاء النفوس والعقول ويعمل على التقريب بين افراد المجتمع الحسيني ولا يثير النزاعات بين أفراده بطرح الخلافات الفكرية والشعائرية مما يؤدي الى انحيازه لفئة دون أخرى مما يثير الفوضى الاجتماعية ويؤجج الانقسام بين المؤمنين.

«مشكلة من دون حل» هي مشكلة أخرى

و يعتبر السيد السيستاني (دام ظله) إن طرح المشكلة من دون حل يثير الجدل في المجتمع ويزيد من مشاكل المجتمع وهو بعيد عن دوره الإصلاحي، لذلك فإنه يتأمل من رواد المنبر الحسيني استشارة ذوي الاختصاص من أهل الخبرة الاجتماعية والمتخصصين في علم النفس وعلم الاجتماع في تحديد الحلول الناجعة للمشاكل الاجتماعية المختلفة ليكون عرض المشكلة مشفوعة بالحل ليكون عرضها على المنبر عرضاً تغييريا ينقل المنبر من حالة الجمود الى حالة التفاعل والريادة والقيادة في اصلاح المجتمعات وتهذيبها.

الخطيب الحسيني

أما مواصفات الخطيب الحسيني فقد ورد في توصيات سماحته للخطباء بعض النقاط نذكر منها

1- ان يكون الخطيب مواكبا لثقافة زمانه، وهذا يعني استقراء الشبهات العقائدية المثارة بكل سنة بحسبها واستقراء السلوكيات المتغيرة في كل مجتمع وفي كل فترة تمر على المؤمنين، فان مواكبة ما يستجد من فكر او سلوك او ثقافة تجعل الالتفاف حول منبر الحسين (عليه السلام) حياً جديداً ذا تأثير وفاعلية كبيرة.

2- أن ينوِّع الخطيب في اطروحاته  فان المجتمع يحتاج الى موضوعات روحية وتربوية وتاريخية وهذا يقتضي ان يكون الخطيب متوفرا على مجموعة من الموضوعات المتنوعة في الحقول المتعددة تغطي بعض حاجة المسترشدين من المستمعين وغيرهم.

3- أن يتحرى الخطيب الدقة في ذكر الآيات القرآنية أو نقل الروايات الشريفة من الكتب المعتبرة أو رواية القصص التاريخية الثابتة حيث أن عدم التدقيق في مصادر الروايات أو القصص المطروحة يفقد الثقة بمكانة المنبر الحسيني في أذهان المستمعين.

4- ان يترفَّع خطيب المنبر عن الاستعانة بالأحلام والقصص الخيالية التي تسيء الى سمعة (المنبر الحسيني) وتظهره وكأنه وسيلة إعلامية هزيلة لا تنسجم ولا تتناسب مع المستوى الذهني والثقافي للمستمعين.

5- أن يهتم الخطيب بما يطرحه من موضوعات من حيث ترتيب الموضوع وتبويبه وعرضه ببيان سلس واضح واختيار العبارات والاساليب الجذابة لنفوس وعقول المستمعين ، فان بذل الجهد الكبير من الخطيب في إعداد الموضوعات وترتيبها وعرضها بالبيان الجذاب سيسهم في تفاعل المستمعين مع (المنبر الحسيني) .

6- أن يختار خطيب المنبر المواضيع التي تشكل جاذبية لجميع الشعوب على اختلاف أديانهم ومشاربهم الفكرية والاجتماعية انتهاجا لما ورد عنهم (عليهم السلام) (إنّ الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا)، ومحاسن كلامهم هو تراثهم الذي يتحدث عن القيم الانسانية التي تنجذب اليها كل الشعوب بمختلف توجهاتها الثقافية والدينية مع أن تراث اهل البيت (عليهم السلام) كله عظيم وجميل ولكن مهارة الخطيب وابداعه يبرز باختيار المواضيع التي يتفاعل معها الناس في عصره.

7- يحث سماحة السيد السيستاني ( دام ظله) خطباء المنبر الحسيني استشارة ذوي الاختصاص من اهل الخبرة والتخصص في المواضيع العلمية التي يطرحونها.

8- ان يتسامى الخطيب الحسيني عن الخوض في الخلافات الشيعية سواء في مجال الفكر او مجال الشعائر فان الخوض في هذه الخلافات يوجب اثارة فوضى اجتماعية او تأجيج الانقسام بين المؤمنين.

9- أن يهتم الخطيب بالمسائل الفقهية الابتلائية (التي يعيشها الفرد اليوم في تعاملاته) في مجال (العبادات والمعاملات) من خلال عرضها باسلوب شيق واضح يُشعِر المستمع بمعايشة المنبر الحسيني لواقعه وقضاياه المختلفة.

10- أن يُركِّز الخطيب على أهمية المرجعية والحوزة العلمية والقاعدة العلمائية التي هي سر قوة المذهب الإمامي ورمز عظمته وشموخ كيانه وبنيانه.

هذه النظرة العميقة (للمنبر الحسيني) وردت في عدة توصيات من قبل المرجعية الدينية العليا للخطباء والمبلّغين في شهر المحرّم الحرام لعام 1438 هـ وأكدت عليها في لعام 1440هـ، لتجعل من (المنبر الحسيني) وسيلة مهمة في إكمال ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) وتحقيق أهدافه في إصلاح أمة جده (صلوات الله وسلامه عليه) في كل زمان.

*نقلاً عن كتابات