شهر رمضان: مخيم زماني ومدرسة علمية

انى لي ان افهم فلسفة قدسيتك وهلالك بدر لامس شعاشه السماوات العلى، ليرتد كغيث يحيي النفوس الصحرى، بك امتزج الانجيل بالقران، توجت النبوة بالعترة، استبشرت الارواح وذرفت الدموع، استهللت علينا بالبيعة الرضوية، ثم كان عليا عليه السلام بمنزلة هارون من موسى، مكاتيب الغدر ودعوات الكوفيين نذير شؤم لواقعة الطف الخالدة، بدرك هلال بانتصافه ولد الكرم المجتبى وأشرق الجود فيك من ارض المدينة.

كيف لي ان افك طلاسم الاحداث فيك، مابين الركعتين انبرى الباطل للحق بسيف مسموم، ليهدم بذلك اركان الهدى، وتفجع الامة بوصيها الخاتم، ليأتي القسم "فزت ورب الكعبة"، افتتحت ايامك بالمسيح وختمت معدوداتك بالاسلام، فأي ليلة عظيمة "تنزل الملائكة والروح فيها"، واحدةً من ثلاثِ ليالٍ هي الفرقان، محطات متنوعة واثار مستدامة، انه رمضان شهر الامتناع والامتثال والخضوع، صيام له فلسفة خاصة ليس مجرد تجويع. إن قول الامام الصادق عليه السلام :" ليس الصيام من الطعام والشراب، لكن إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك وبطنك وفرجك"، علامات واضحة لتعبر عن الهدف الاسمى من الصيام، ايصال الفرد الى حالة من الانعزال عن السيئات،ليس مجرد انقطاع فترة زمنية عن الاكل والشرب، شهر رمضان مدرسة تهذب الروح ينضج الفكر، تصحي الضمير.

كلنا من دون شعور تجذبنا تلك الهالة البيضاء التي يشع بها رمضان، وكأننا نستسلم لتلك المدارات طوعاً ننظم الى تلك المسيرة الممتدة منذ ان كتب الصيام على ابونا ادم الى صوم مريم الى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الى العترة الطاهرة الى يومنا هذا الى ان تقوم الساعة، فان حقل الطاقة الايجابية التي يحملها هذا الشهر الفضيل تعم العالم اجمع، اذ نرى المسلم وغيره ينصهر مع عباداته وعاداته وتقاليده، وكانها اشارة الهية بالفطرة السليمة التي خلق عليها البشر.

اذ يفسراهل العلم لعلكم تتقون في الاية "يا ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون"، بانها علة الصيام، تهدف الى ايصال المؤمنين إلى حالة التقوى من خلال العمل، فالصائم عن الطعام والشراب ويتنازل عنهما وهما أحوج شيء للإنسان، ستتولد لديه الإرادة والتقوى التي تجعله يمتنع عن المعاصي ويتجنبها.

أما إذا لم يحصل على ذلك فلا فائدة من صيامه لأن "من صام صامت جوارحه" فلا يكفي الصوم فقط عن الطعام والشراب وإنما يجب أن تصوم جوارح الإنسان عن الحرام، اذ تتعزز التقوى عندما يتفاعل المؤمن مع عبادة الصوم تفاعلاً قلبياً وروحياً ينتج منه عشقاً لهذه العبادة التي تقربه من المعشوق الحقيقي، الانسان بطبيعته يبحث عن الكمال، وان اقرب الطرق اليه هو التقرب الى الله بصفاء نية، وتوجه خالص يذيب المادية التي تعارض معنوية النفس وسير تقدمها نحو الهدف المنشود.

أي أن تكامل الإنسان يتناسب طردياً مع درجة معرفته بالله تعالى، فكلما كانت معرفته بالله تعالى أكثر كان سائراً في مدارج الكمال أكثر فأكثر، شهر رمضان المبارك يهيئ الوسائل التي تصفو بها النفس لتنال نصيبها من الكمال ومن المعارف الإلهية، والاهم من ذلك هو ديمومة التحلي باداب رمضان، ولا تكن وقتية تزول بزوال المسبب، اذ ان الانسانية بنيت على تلك الصفات واننا بامس الحاجة لكون اخلاقنا رمضانية طوال العام حتى يكون هناك تعايش سلمي له اهدافه ويعمل المجتمع بتفانٍ على ادراكها.

ويعد رمضان رسالة سلام الى الامم لايضاح الاسس والعقائد الانسانية التي جاء بها الاسلام، من الشعور بالاخر وكف الاذى وحفظ اللسان والتعامل الحسن، الشعور بالغير هي حاجة ماسة داخل المجتمع ليكون هناك نقطة التقاء عند عطاء الرحمن، اذ يجسد الجوع في الصيام اجمل صورة بطريقة مهذبة واخلاقية، ليعيش الغني حالة الفقير من الجوع والانتظار والترقب، وهو منطلق لان يسود الود والالفة بين طبقات المجتمع كافة.