ماذا تعرف عن ’الجيش الغضب’.. وما هي حقيقته؟

ما هو جيش الغضب؟ وهل هم فعلاً أنصار الإمام المهدي (عجل الله فرجه) في آخر الزمان؟

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

ورد التعبير بـ «جيش الغضب» في روايتين من الروايات التي ذكرها المحدّث الجليل الشيخ النعمانيّ في كتابه المعقود حول غيبة مولانا الحجّة (عجل الله فرجه)، فإنّه (رضي الله عنه) عقد باباً في كتابه [الغيبة ص325] بعنوان: « باب 20: ما جاء في ذكر جيش الغضب، وهم أصحاب القائم (عليه السلام)، وعدّتهم، وصفتهم، وما يبتلون ويقاتلون »، وأدرج فيه ثلاث عشرة رواية، منها روايتان تنطبق عليها الفقرة الأولى من ترجمة الباب، أعني التعبير بـ « جيش الغضب »:

الرواية الأولى: حدّثنا محمّد بن همام، قال: حدّثنا حميد بن زياد الكوفيّ، قال: حدّثنا محمّد ابن عليّ بن غالب، عن يحيى بن عليم، عن أبي جميلة المفضّل بن صالح، عن جابر، قال: حدّثني مَن رأى المسيّب بن نجبة، قال: « وقد جاء رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ومعه رجلٌ يقال له ابن السوداء، فقال له: يا أمير المؤمنين، إنّ هذا يكذب على الله وعلى رسوله ويستشهدك، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): لقد أعرض وأطول، يقول ماذا؟ فقال: يذكر جيش الغضب، فقال: خلِّ سبيل الرجل، أولئك قومٌ يأتون في آخر الزمان، قزع كقزع الخريف، والرجل والرجلان والثلاثة من كلّ قبيلة حتّى يبلغ تسعة، أما والله، إنّي لأعرف أميرَهم واسمه ومناخ ركابهم، ثمّ نهض وهو يقول: باقراً باقراً باقراً، ثمّ قال: ذلك رجل من ذرّيّتي يبقر الحديث بقراً ».

الرواية الثانية: أخبرنا عليّ بن الحسين المسعوديّ، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطار بقمّ، قال: حدّثنا محمّد بن حسان الرازيّ، قال: حدّثنا محمّد بن عليّ الكوفيّ، عن عبد الرحمن بن أبي حمّاد، عن يعقوب بن عبد الله الأشعريّ، عن عتيبة بن سعدان بن يزيد، عن الأحنف بن قيس، قال: « دخلتُ على عليّ (عليه السلام) في حاجةٍ لي فجاء ابن الكواء وشبث بن ربعيّ، فاستأذنا عليه، فقال لي عليّ (عليه السلام): إنْ شئت فأذن لهما، فإنّك أنت بدأت بالحاجة، قال: قلت: يا أمير المؤمنين، فأذن لهما، فلمّا دخلا، قال: ما حملكما على أن خرجتما عليَّ بحروراء؟ قالا: أحببنا أن نكون من جيش الغضب، قال: ويحكما، وهل في ولايتي غضب؟ أو يكون الغضب حتّى يكون من البلاء كذا وكذا؟ ثمّ يجتمعون قزعاً كقزع الخريف من القبائل، ما بين الواحد والاثنين والثلاثة والأربعة والخمسة والستة والسبعة والثمانية والتسعة والعشرة ».

أقول: هكذا ورد في المطبوعة المحقّقة من كتاب (الغيبة) للنعمانيّ، ويلاحظ عليها أمور:

الأمر الأوّل: لم يرد ـ حسب بحثنا ـ التعبير بـ « جيش الغضب » عن جيش الإمام (عجل الله فرجه) في شيء من الروايات عدا هاتين الروايتين، كما لم يرد في كلمات العلماء عدا في ترجمة الباب من كتاب (الغيبة) للنعمانيّ، مع وفرة الروايات الواردة في وصف جيش الإمام وأصحابه في كتب الفريقين ـ سنة وشيعة ـ، وهذا يستدعي نحواً من التأمّل والبحث والتحرّي.

الأمر الثاني: النسخ الخطيّة لكتاب (الغيبة) مختلفة في المقام، ففي جملة منها ورد التعبير بـ « جيش الغضب » كما في المطبوعة المحقّقة من الكتاب، بينما ورد في النسخة المحفوظة في الخزانة الرضويّة تحت الرقم (1754)، المكتوبة سنة (577هـ)، والتي تعدّ أقدم وأصحّ وأضبط نسخة خطيّة للكتاب: « جيش العُصَب » لا « الغضب »، وقد ضبط الناسخ هذه الكلمة بشكل دقيق حتى لا يقع الوهم فيها، وهذه مواضعها من النسخة:

ففي مقدّمة النعمانيّ للكتاب عند شرح أبواب الكتاب في [الصفحة 31]: « ثمّ ما جاء في ذكر جيش العُصَبِ، وَهُم أصحاب القائم.. »، وقد قام الناسخ بضبط الكلمة بشكل دقيق لئلّا يقع الوهم في قراءتها، فضبط ـ أوّلاً ـ الكلمة بحركة الضمّ والفتح، وثانياً بوضع نقطة تحت العين للإشارة إلى أنّه ليس حرف الغين، ورسم صاد صغيرة تحت حرف الصاد للإشارة إلى أنّه ليس حرف الضاد.

وفي [الصفحة 370]: « بابُ ما جاء في ذِكرِ جَيْشِ العُصَبِ، وَهُمْ أصحابُ القَائم.. »، وقام الناسخ بضبط الكلمة بدقّة أيضاً؛ إذ ضبطها بالحركات أوّلاً، وبرسم حرف العين تحت العين للإشارة إلى أنّه ليس حرف الغين، ووضع نقطة تحت الصاد لئلّا يُتوهَّم أنّه حرف الضاد.

وفي [الصفحة 371]: « قال: يذكر جيش العُصَبِ »، نجده ضبط الكلمة بالحركات، ثمّ رسم عين صغيرة تحت حرف العين وصاد صغيرة تحت الصاد.

وفي [الصفحة 372]: « قالا: أحببنا أَنْ نَكونَ مِنَ العُصَبِ »، نجده ضبط الكلمة بالحركات، ورسم عين صغيرة تحت حرف العين وصاد صغيرة  تحت حرف الصاد.

إذن: هذه النسخة النفيسة والقديمة تصرّ على أنّ الكلمة هي « العُصَب »، وهذا هو الذي ينبغي أن يكون راجحاً ولا صحيحاً، وقد تحرّفت إلى « الغضب »، كما ستأتي بعض القرائن.

الأمر الثالث: ورد التعبير بـ « العُصَب » في جملة من الروايات بما يرتبط بالإمام المهديّ (عجّل الله فرجه)، نذكر بعضها:

منها: ما رواه المحدّث الطبريّ في [دلائل الإمامة ص466] بالإسناد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «  يا علي، عشر خصال قبل يوم القيامة، ألا تسألني عنها؟ قلت: بلى، يا رسول الله، قال: اختلاف وقتل أهل الحرمين، والرايات السود، وخروج السفيانيّ، وافتتاح الكوفة، وخسف بالبيداء، ورجلٌ منّا أهل البيت يُبَايع له بين زمزم والمقام، يركب إليه عصائب أهل العراق، وأبدال الشام، ونجباء أهل مصر، وتصير أهل اليمن، عدّتهم عدّة أهل بدر.. إلى آخره ».

وما في كتاب [الاختصاص ص208] بالإسناد عن حذيفة يقول: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: « إذا كان عند خروج القائم ينادي منادٍ من السماء: أيّها الناس، قطع عنكم مدّة الجبارين، وولي الأمر خير أمّة محمّد، فالحقوا بمكّة، فيخرج النجباء من مصر، والأبدال من الشام، وعصائب العراق، رهبان بالليل ليوث بالنهار، كأنّ قلوبهم زبر الحديد، فيبايعونه بين الركن والمقام ».

وما رواه أحمد بن حنبل في [المسند ج6 ص316]، وأبو داود السجستاني في [السنن ج2 ص310]، وعبد الرزاق الصنعانيّ في [المصنف ج11 ص371]، وابن أبي شيبة في [المصنف ج8 ص609]، وغيرهم، بالإسناد عن أم سلمة أنّ رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) قال: « يكون اختلاف عند موت خليفة، فيخرج رجلٌ من المدينة هارب إلى مكّة، فيأتيه ناسٌ من أهل مكّة فيخرجونه وهو كاره، فيبايعونه بين الركن والمقام، فيبعث إليهم جيش من الشام فيخسف بهم بالبيداء، فإذا رأى الناس ذلك أتته أبدال الشام وعصائب العراق فيبايعونه.. ».

ومنها: ذكر نعيم بن حمّاد المروزيّ في كتابه [الفتن ص235 وما بعده] تحت عنوان: « ما يكون بعد المهديّ » عدّة أخبار مرتبطة بالمقام، منها: «  قال الوليد: فأخبرني جراح عن أرطاة قال: فيجتمعون وينظرون لمَن يبايعون، فبينا هم كذلك إذ سمعوا صوتاً ما قاله إنس ولا جان: بايعوا فلاناً باسمه، ليس من ذي ولا ذو، ولكنّه خليفة يمانيّ، قال الوليد: قال كعب: إنّه يمانيّ قرشيّ، وهو أمير العصب »، ومنها: « عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: مَن استطاع أن يموت بعد أمير العصب فليمت »، ومنها: « عن عبد الله بن عمرو قال: ثلاثة أمراء يتوالون تفتح الأرضين كلًها عليهم، كلهم صالح، الجابر، ثمّ المفرح، ثمّ ذو العصب، يمكثون أربعين سنة، ثمّ لا خير في الدنيا بعدهم »، وغيرها. ويظهر من هذه وغيرها أنّ الإمام المهديّ (عجّل الله فرجه) يُسمّى بـ(أمير العصب) و(ذي العصب).

ومنها: ما ورد في بعض كتب اللغة، ففي [النهاية في غريب الحديث والأثر ج1 ص384] لابن الأثير، قال: « وفيه ( يخرج في آخر الزمان رجل يسمى أمير العصب ، أصحابه محسرون محقرون ) أي مؤذون محمولون على الحسرة، أو مطرودون متعبون، من حسر الدابة إذا أتعبها »، وفي [المخصص ج3 ق3 ص204] لابن سيده: « وفي الحديث يخرج في آخر الزمان رجل يسمّى أميرَ العُصَب ـ وقال بعضهم أمير الغضب ـ أصحابه محسَّرون محقّرون مقصّون عن أبواب السلطان ومجالس الملوك، يأتونه من كلّ أرب كأنهم قزَع الخريف يورثُهم الله مشارِق الأرض ومغاربها »، وفي [لسان العرب ج4 ص190] لابن منظور: « وفي الحديث: « يخرج في آخر الزمان رجلٌ يسمّى أَمِيرَ العُصَبِ ـ وقال بعضهم: يسمى أَمير الغَضَبِ ـ أَصحابه مُحَسَّرُونَ مُحَقَّرُونَ مُقْصَوْنَ عن أَبواب السلطان ومجالس الملوك ، يأْتونه من كل أَوْبٍ، كأَنهم قَزَعُ الخريف، يُوَرِّثُهُم الله مشارقَ الأَرض ومغاربَها »، وغيرها.

ومنها: ما رواه نعيم بن حمّاد المروزيّ في [الفتن ص113] بالإسناد «عن النزال بن سبرة سمع عليّاً (رضي الله عنه) يقول: « لا يزال بلاء بني أميّة شديد حتّى يبعث الله العصب مثل قزع الخريف، يأتون من كلٍّ، ولا يستأمرون أميراً ولا مأموراً، فإذا كان ذلك أذهب الله ملك بني أمية »، ويمكن أن يُراد ببني أميّة السفيانيّ.

أقول: هذه الأمور قرائن على أنّ الصحيح هو (جيش العصب) كما في النسخة الخطيّة الرضويّة المعتبرة، لا (جيش الغضب) كما في المطبوعة وبعض النسخ الخطية.

الأمر الرابع: لم يرد في روايتي الغيبة للنعمانيّ التنصيص على أنّ (جيش العصب) هو جيش الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وإنّما الوارد فيها هو وصفهم في الرواية الأولى بأنّهم « قومٌ يأتون في آخر الزمان، قزع كقزع الخريف، والرجل والرجلان والثلاثة من كلّ قبيلة حتّى يبلغ تسعة، أما والله، إنّي لأعرف أميرَهم واسمه ومناخ ركابهم »، وفي الرواية الثانية: « أو يكون العصب حتّى يكون من البلاء كذا وكذا؟ ثمّ يجتمعون قزعاً كقزع الخريف من القبائل، ما بين الواحد والاثنين والثلاثة والأربعة والخمسة والستة والسبعة والثمانية والتسعة والعشرة »، وقد ورد هذا الوصف في روايات متنوّعة بخصوص أصحاب الإمام المهدي (عجل الله فرجه)، بأنّهم عدّة أصحاب بدر، وأنّهم منتشرون في القبائل، وأنّهم يجتمعون قزعاً كقزع الخريف، ونحو ذلك، نذكر بعض تلك الروايات ليُلاحظ التقارب بينها:

منها: ما رواه الشيخ الطوسيّ في [الغيبة ص477]، وجعفر الحضرميّ ـ كما في أصله المطبوع ضمن [الأصول الستة عشر ص64] ـ بالإسناد عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: « كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: لا يزال الناس ينقصون حتّى لا يقال: الله، فإذا كان ذلك ضرب يعسوب الدين بذنبه، فيبعث الله قوماً من أطرافها، ويجيئون قزعاً كقزع الخريف، والله إنّي لأعرفهم وأعرف أسماءهم وقبائلهم واسم أميرهم ومناخ ركابهم، وهو قوم يحملهم الله كيف شاء، من القبيلة الرجل والرجلين حتى بلغ تسعة، فيتوافون من الآفاق ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدة أهل بدر ».

ومنها: ما رواه الشيخ الكلينيّ في [الكافي ج8 ص313] بالإسناد عن أبي جعفر ( عليه السلام ) في قول الله عز وجل : {فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا} قال: الخيرات الولاية، وقوله تبارك وتعالى: {أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا} يعني أصحاب القائم الثلاثمائة والبضعة عشر رجلاً، قال: وهم والله الأمة المعدودة، قال: يجتمعون والله في ساعة واحدة قزع كقزع الخريف ».

ومنها: ما ذكره سليم بن قيس الهلاليّ في [كتابه ص310]: «ويبعث الله للمهدي أقواما يجتمعون من أطراف الأرض قزع كقزع الخريف . والله إني لأعرف أسمائهم واسم أميرهم ومناخ ركابهم ».

ومنها: ما رواه الشيخ النعمانيّ في [الغيبة ص326] بالإسناد عن المفضل بن عمر، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): « إذا أذن الإمام دعا الله باسمه العبرانيّ، فأتيحت له صحابته الثلاثمائة والثلاثة عشر، قزع كقزع الخريف، فهم أصحاب الألوية ».