تجرّعوا ألم ’الأشواك’.. وصية ’المرجع الحكيم’: احذروا واصبروا

محنة المؤمنين بغيبة الإمام المهدي (عليه السلام)

ابتلاء المؤمنين بغيبة الإمام المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)، ووعدهم القاطع بفرج ظهوره مهما طالت غيبته، والذي يبدو أن هذا الوعد لا يختص بالمسلمين، بل هو وعد إلهي للأمم في عمق تاريخ الأديان، بظهور مصلح يتم على يديه العدل الشامل.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

كما يظهر من قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) الأنبياء 105

وهو الذي يذكره المنتسبون للأديان السماوية، وذلك يرجع إلى أنه وعد لا يبتني على التعجيل، بل هو طويل الأمد، حيث انتهى - بمقتضى الأدلة - بإمامنا الثاني عشر المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشریف).

لكن تعلق شيعة أهل البيت بدينهم وفاعليته في أنفسهم، مع ما تعرضوا له من المصائب والكوارث في تاريخهم الطويل، وما تعرضت له البشرية عموما من صراعات مدمرة، كل ذلك جعلهم يعانون من الترقب والانتظار، ويشتد تركيزهم عليه، وهو أمر جيد في نفسه قد حثت النصوص عليه كثيراً، لئلا تغيب أصول الدين العقائدية عن ذاكرة المؤمن.

إلا أنه إذا لم يقترن ذلك بقوة الصبر والتسليم - اللذين أكدت النصوص عليها في خصوص المقام - فقد يتعرض المؤمن لأحد أمرين:

الأول: الجزع، ثم اليأس، الذي قد ينتهي بالتخلي عن العقيدة بوجوده (ع)، وبذلك يخرج صاحبه عن حدود الإيمان، وتكون عاقبته الخسران الدائم.

نظير ما تضمنته كثير من الآيات الشريفة والنصوص الكثيرة من إنكار الكفار للمعاد والقيامة، لعدم تعيين وقتها وطول المدة عليهم، وكذا إنكارهم العذاب الدنيوي الذي وعدهم به أنبياؤهم - كغرق قوم نوح - لتأخره وعدم تحديد وقته.

الثاني: التشبث بالأوهام والدعاوى المضللة لمن يدعي المهدوية، أو ما يشابهها، بأدني شبهة، من دون تثبت ولا برهان. وهو لا يقل خطرا عن الأول.

ولم يغفل الأئمة (صلوات الله عليهم) ذلك، بل أكدت النصوص الواردة عنهم على أن ظهوره (ع) كالساعة يأتي بغتة، وعلى أنه هلك المستعجلون وكذب الوقاتون.

وفي خطبة لأمير المؤمنين علي: «الزموا الأرض، واصبروا على البلاء، ولا تحركوا بأيديكم وسيوفكم في هوى ألسنتكم، ولا تستعجلوا بما لم يعجله الله لكم. فإنه من مات منكم على فراشه وهو على معرفة حق ربه وحق رسوله وأهل بيته مات شهيداً، ووقع أجره على الله، واستوجب ثواب ما نوى من صالح عمله، وقامت النية مقام إصلاته لسيفه، وإن لكل شيء مدة وأجلا»... إلى غير ذلك.

فعلى المؤمنين الحذر ثم الحذر من التخلي عن الصبر في هذا الأمر الخطير، ومن الاندفاع وراء الأوهام والدعاوى الضالة من دون تثبت ولا بصيرة، والتغافل عما ورد عنهم.

وقد ورد التحذير الشديد في النصوص من ذلك. ففي حديث علي بن جعفرعن أخيه موسى بن جعفر(ع): «قال: إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم لا يزيلكم عنها أحد. يا بني إنه لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة، حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به. إنما هو محنة من الله عز وجل امتحن بها خلقه...».

وفي حديث يمان التمار: «كنا عند أبي عبد الله (ع) جلوسا فقال لنا: إن لصاحب هذا الأمر غيبة، المتمسك فيها بدينه کالخارط للقتاد. ثم قال هكذا بيده، فأيكم يمسك شوك القتاد بیده؟! ثم أطرق مليا. ثم قال: إن لصاحب هذا الأمر غيبة. فليتق الله عبد، وليتمسك بدينه».

المصدر: كتاب خاتم النبيين