بناء عام كامل ينهار في شهرين فقط!

بلغنا عن بعض السلفيين ممن نشط في أيام النظام السابق في التبشير بدعوته أنهم يقولون: إنا نبني طول السنة، حتى إذا جاء شهرا محرم وصفر انهار بناؤنا، ورجعنا من حيث بدأنا.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

من الطريف ما جرى بيننا وبين بعض ذوي الاختصاص من الباحثين في فرع التربية من المثقفين الأجانب حيث قلت له في مقام المقارنة بين مجتمعنا ومجتمعاتهم: إنا نملك بواسطة الدين حاجزاً نفسيا عن التورط في الجريمة، لشعورنا بأن الله تعالى محيط بنا عالم بأعمالنا وخفايانا ونوايانا. وذلك يؤدي طبيعياً إلى التزامنا بأداء ما علينا واجتناب ما حرمه الله تعالى علينا نسبيا وإن لم يكن هناك مانع أو رقيب من قانون أو شاهد أو غير ذلك.

أما أنتم فتفقدون ذلك، ولا يمنعكم من الجريمة إلا القانون، بمقدار فاعليته، فهو المحرك لكم لأداء ما عليكم، والانتهاء عما منعكم، من دون وازع داخلي نفيس.

فأنتم في ذلك كالميت سريرياً الذي تحركه الأجهزة بمقدار فاعليتها، ونحن كالحي الذي تحركه حياته نحو ما يصلحه.

كما أن عقيدتنا تمنحنا قوة داخلية وحصانة أمام المصائب والمآسي التي تمر بنا في معرتك الحياة، لشعورنا بأن الله تعالى رؤوف رحيم، وأن بعينه ما يجري، ولا يختار لنا إلا الخير، وهو القادر على تغيير ما بنا من سوء، وتعويضنا ما فات، فنلجأ إليه في ذلك، ونأمل منه الخلف والعوض.

ولذا لم تحصل فينا ظاهرة الإنتحار على شدة المصائب والكوارث التي تعرضنا لها من النظام السابق، أما أنتم فظاهرة الانتحار فيكم شائعة لأتفه الأسباب.

وبدلا من أن يجرح ذلك شعور الشخص المذكور أو يكابر، فقد تقبَّل ذلك مني، وقال: إذا كان النظام السابق قد قتلكم، فإن الذين سلبونا العقيدة وجردونا منها قتلونا، وقد أخر بين بعض من كانت له علاقة به أنه ذكر ذلك له أيضا.

وأكد قناعته بحديثنا معه بزيارة له أخرى مع جماعة من الفريق الذي يعمل معه (1)، من أجل أن يستمعوا حديثنا، ويتعرفوا على وجهة نظرنا.

وقد تفاعلوا بحديثنا حول الارتباط العائلي وارتباط المجتمع بعضه ببعض، حتى انتهى الأمر ببعضهم إلى الحسرة، ثم البكاء، لفقدهم ذلك.

وذلك منه ومنهم، مع خبرتهم وموقعهم الثقافي في بلادهم، يكشف عن الواقع المأساوي الذي تعاني منه تلك المجتمعات، يدركه منهم من أدركه، ويغفل عنه من غفل.

كما يظهر به أهمية النعمة التي تحيط بنا بسبب قيمنا وديننا وما يستتبعه من معالم ومواسم مذكرة تجدد فاعلية العقيدة.

وقد بلغنا عن بعض السلفيين ممن نشط في أيام النظام السابق في التبشير بدعوته أنهم يقولون: إنا نبني طول السنة، حتى إذا جاء شهرا محرم وصفر انهار بناؤنا، ورجعنا من حيث بدأنا.

كما ذكر نظير ذلك بعض المؤمنين رحمه الله ممن كان يحاور المسؤولين في النظام السابق في توجيه تحرشهم ومنعهم للمراسم المعهودة في الشهرين المذكورين، مع أنه يثير حفيظة الجمهور عليهم، ويضر بهم شعبيا.

وكان في حسابهم أنهم بذلك يستطيعون أن يغيروا ثقافة البلد، لكن انشداد المؤمنين لثقافتهم وتجذرها في نفوسهم جعل المنع المذكور محفزا على التمسك بها بنحو أحرج المسؤولين وشعروا بخطئهم، فيما بلغنا، وظهر ذلك من بعض مواقفهم.

وكان من نتائج ذلك اندفاع المؤمنين بعد سقوط النظام بنحو أدهش العالم، وكشف عن قوة تلك الثقافة، ولله عز وجل أمر هو بالغه. (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ) (2).

والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

والفضل في ذلك لأنبياء الله ورسله وأوصيائهم، الذين هم الواسطة بين الله عز وجل وبين عباده، والسلام على سيدهم وخامتهم (محمد) نبينا العظيم وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين، الذين بقي أثر تعاليمهم وجهودهم حتى اليوم.

ونسأل الله تعالى أن يعصمنا في مهاوي الهالكات، ويسددنا في ظلمات الفتن والأزمات إنه أرحم الراحمين وولي المؤمنين. وهو حسبنا ونعم الوكيل.

الهوامش:

(1) كان ذلك في شوال سنة ١٤٤٠هـ.

(2) سورة إبراهيم الآية: ٢٤-٢٥.

المصدر: خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله)، المرجع الراحل آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم، ص443-446.