لماذا يحتفل المسلمون بالمولد النبوي؟

تعتبر مسألة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف من المسائل التي اتفق عامة المسلمين على جوازها بل على استحبابها، لما في ذلك من تعظيم للنبي الأعظم (صلى الله عليه واله) وتكريماً لشخصه المقدس، ومظهر من مظاهر المحبة والموالاة له، ثم إن طريقة الكشف عن تلك المحبة المكنونة في صدور المؤمنين تختلف من شخص لآخر، فقد يقوم البعض بتوزيع المأكولات أو الحلويات، ويقوم بعض بإلقاء التواشيح والأشعار والكلمات والقصائد التي تكرم مقام خاتم الرسل.

وهذا الأمر ليس محصوراً بطائفة معينة من طوائف المسلمين، نعم شذ بعض المتطرفين الذين يحسبون ـ ظاهراً ـ على أهل القبلة ـ حيث اعتبروا فعاليات الاحتفال بالمولد طقساً من طقوس الشرك وعبادة للأشخاص، غير أن كل المحتفلين على اختلاف مللهم ونحلهم يشهدون أن الله واحد لا شريك له وأن محمداً ما هو إلا عبد من عبيده اصطفاه بالرسالة واختاره بالنبوة وفضله على العالمين، ولذا كان لزاماً أن تحفظ الإنجازات الرسالية التي قام بها خاتم الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه واله) عبر تكريم شخصه بهذه المناسبة.

وهذا الحب والولاء ما هو إلا نوع من أنواع المودة التي دعا لها القرآن الكريم في قوله تعالى (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ) الشورى 23.

ولعلنا عند البحث في النصوص القرآنية والروائية وكلمات أعلام المسلمين، نخرج بنتيجة مفادها، أن الشرع الحكيم ليس فقط قد أباح لنا تلك الممارسات، بل دعا الى تعظيمها لما لها من طابع تربوي وأخلاقي على النفوس، فعلى سبيل المثال لا الحصر قوله تعالى {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّم شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ} (الحج:32) له مدخلية مباشرة لما نحن فيه حيث أن معنى الشعائر جمع شعيرة، والشعيرة معناها العلامة، بعبارة سهلة ومبسطة نقول أن الله تعالى دعا الى تعظيم كل ما كان علامة دالة على الدين، دليلنا في ذلك الآية المتقدمة، ولا يختلف اثنان أن من أعظم الشعائر هو شخص خاتم المرسلين (صلى الله عليه واله) لذا كان تعظيمه لزاماً على كل من يدين له بالولاء والمحبة.

ثم إن قوله تعالى {قُل بِفَضلِ اللهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَليَفرَحُوا} (يونس: 58) يدل بما لا يقبل الشك أن هذا الفعل لهو من أعظم القربات والطاعات التي ندب إليها وحث عليها الرب الجليل حيث يدعو عباده الى الفرح والسرور حين يصيبهم فضله ورحمته ولقد دل صريح الذكر الحكيم أن محمد بن عبد الله هو رحمة الله للعالمين قال تعالى : {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} وذهب جمع من كبار المفسرين أن تلك الرحمة تشمل حتى الكفار.

جاء في \فتاوى الحديثية\ (ص 34) لابن حجر الهيتمي: \ففي إرساله صلى الله عليه وسلم رحمة حتى على أعدائه من حيث عدم معاجلتهم بالعقوبة \. 

وقد عبر عن نفسه  صلى الله عليه واله وسلم ـ كما ذكر الحاكم ـ بقوله : {يا أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة}، وأما كلمات أعلام المسلمين فنأتي بذكر بعضها لا حصرها وإلا لطال بنا المقام 

1 ـ الحافظ ابن حجر العسقلاني ـ كما نقل عنه السيوطي ـ فيستفاد منه فعل الشكر للّه تعالى على ما منّ به في يوم معين من إسداء نعمة، أو دفع نقمة و يعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة ، و الشكر للّه يحصل بأنواع العبادة ، كالسجود و الصيام و الصدقة و التلاوة، و أي نعمة أعظم من نعمة بروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم

2 ـ قال القسطلاني المصري الشافعي في كتابه المواهب اللدنية: \و لا زال أهل الاِسلام يحتفلون بشهر مولده عليه السّلام ، و يعملون الولائم ، و يتصدّقون في لياليه بأنواع الصدقات ، و يظهرون السرور ، و يزيدون في المبرّات ، و يعتنون بقراءة مولده الكريم ، و يظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم . . . فرحم اللّه امرءاً اتخذ ليالي شهر مولده المبارك أعياداً ، ليكون أشد علّة على من في قلبه مرض و أعيا داء\.

3 ـ الشيخ علي جمعة المفتي السابق لجمهورية مصر العربية نقل موقع مصريات عن المفتي السابق للديار المصرية الدكتور الشيخ علي جمعة قوله: \ان الاحتفال بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف صلى الله عليه وآله وسلم من أفضل الأعمال وأعظم القربات لأنه تعبير عن الفرح والحب له ومحبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصل من أصول الإيمان وقد صح عن أنه قال: “والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده\.

وحكم الاحتفال بالمولد النبوي هو الاحتفاء به. والاحتفاء به أمر مقطوع بمشروعيته لأنه أصل الأصول ودعامتها الأولى فقد علم الله سبحانه وتعالى قدر نبيه فعرف الوجود بأسره باسمه ومبعثه وبمقامه وبمكانته فالكون كله في سرور دائم وفرح مطلق بنور الله وفرجه ونعمته على العالمين وحجته.