’عادل العلوي’.. ميّت يوقظ الأحياء من سباتهم!

عادل العلوي.. منبّها!

يميّز الفلاسفة بين التنبيه والبرهان، بأنّ مجرى التنبيه ومورده هو كل ما يذكّر بالقضايا البديهية، وينبّه على المسائل الواضحة، وفي مقابل ذلك: البرهان، فمجره هو إقامة الحجّة على المسائل النظريّة التي يلفّها الغموض، والقضايا الفكريّة التي تفتقر إلى الإثبات؛ لذا قيل: إنّ ابن سينا كان يرمي إلى جامعية كتابه لمّا وضع عنوانه: الإشارات والتنبيهات!

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

اكتشفت أنّ حاجة البشر إلى تذكّر الواضحات، والتنبّه للبديهيات-في معظم الأحيان- أكثر من حاجتهم إلى تعلّم ما يجهلونه، واكتساب ما لا يعرفونه.. ولا يقع لنا التنبّه اعتباطاً، ولا يحصل الالتفات جزافاً، وإنّما يأتي من مذكّر ومنبّه وموضّح، وهي ممارسة شاقّة، ومهمّة صعبة حتى قيل: توضيح الواضحات من أشكل المشكلات!

عالم البديهيات عالم مقدّس معرفيّاً، وغالباً ما نتوجس ممن ينكرون شيئاً منه، بينما الواقع أنّ الخشية على البديهيات لا تأتي من طرف المشكك فيها، والمنكر لها فقط.. وإنّما ممن يثبتها ويبرهن عليها أيضاً.. لأنّ ممارسة البرهان ستفترض أنّها في موضع شك.. لذا فالسبيل الوحيد هو توضيحها، و التنبيه عليها، والتذكير بها.

ليس لازماً أن يكون الإنسان حاضر البديهات، ومتوجه الذهن إليها.. فيحدث أن تصيبه الغفلة، ويفقد التركيز فتغيب عنه؛ لذا ذكر علماء المنطق (الانتباه) كواحد أسباب توجه النفس نحو البديهيات. مثلما يصدّر الباحث العلمي رسالته أو أطروحته بالافتراضات (وليس الفرضيات) فينبه  بها دون أن يبرهن عليها، على أنّ بحثه بما انطوى عليه من نتائج مستند إلى هذه المسلّمات.!

ولكل نطاق مسلّماته، كما عند كل فئة وجماعة واضحاتها.. كذا الأمر في الدين وعند المتدينين.. وتقع مهمة التنبيه عليها على الأنبياء والأوصياء ومن بعدهم العلماء (العلماء ورثة الأنبياء). عن أمير البلاغة: فبعث[الله] فيهم رسله، وواتر إليهم أنبياءه؛ ليستأدوهم ميثاق فطرته. ويذكروهم منسي نعمته..ويثيروا لهم دفائن العقول .. وإثارة دفائن العقول لا يخلو من إشارة إلى التنبيه على البديهيات، وأوضح إشارة منه التعبير القرآني بالتذكير: )وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ( [الذاريات : 55].

ومثلما أنّ غياب الواضحات، والذهول عن البديهات له أسبابه، كذا التنبيه عليها والتذكير بها له أساليبه وأشكالها، فمنها: تكرارها، وقد قرأتُ مرّة أنّ أحد الفلاسفة كان ينصح الناس بقراءة عشر بديهيات يومياً.. ومنها: الإلفات إلى نقيضها.. ومنها: اعادة صياغتها بأسلوب مختلف، وطريقة مغايرة، ودونك مثال على ذلك:

فمَن من المؤمنين، والمتدينين لا يعرف أنّ الله تعالى: حرّم أكل التراب والطين، واستثنى منه تربة الحسين فأجازه بمقدار وشروط؟! ومن منّا يجهل وجوب قصر الصلاة، وحرمة إتمامها إلا في مواضع ومنها قبر الحسين؟! وهكذا نعرف جميعاً  كراهة الجزع في المصيبة، ورجحان الصبر عند النائبة (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) [البقرة : 156] إلا على مصيبة الحسين...وهكذا سائر الاستثناءات الأخرى!

كل هذه قضايا واضحة عند المتدينين، وهي أشبه بالبديهيات الشرعيّة في القضيّة الحسينية.. لكن غاب عنّا أنّ هذه الاستثناءات تعني فيما تعني رفع اليد عن الشريعة، والتنازل عن الأحكام من قبل مشرّعها إكراماً لسيد الشهداء.. لقد غاب عنّا ذلك إلى أن قال المرحوم السيد عادل العلوي منبّهاً: "إنّ الله تنازل عن شريعته لخاطر الإمام الحسين"!، قال ذلك وهو يفسّر هذه الاستثناءات في مقطع فيديو قصير جداً ويترجمها بلغة أخرى، وأسلوب مختلف يعيد إليها دلالتها التكريمية، فرحم الله العلوي عالماً منبّهاً.