ما حقيقة أن «الرباب» لم تستظل بسقف حزناً على الحسين (ع)؟

يتداول بعض خطباء المنابر روايةً حاصلها: أنَّ جابراً الانصاري جاء لمنزل الامام السجاد (ع) بعد رجوعهم للمدينة وأثناء دخوله المنزل رأى أمرأةً ومعها أبنتها جالستين تنوحان في شمس المنزل تأسِّياً وحزناً على ذبح الامام الحسين (ع)، ولمَّا سأله جابرٌ عن ذلك أجاب الإمام (ع) أنَّهما السيدة سكينة وأمُّها الرباب زوجة الإمام الحسين (ع) فهل يصحُّ ذلك بمرأى من الرجال؟! وهل هذه الرواية ثابتة؟

الجواب:

لم أجد لهذه الرواية في مصادرنا الروائيَّة وغيرِها عيناً ولا أثراً، والذي وجدتُه فيما يتَّصل بهذ الشأن هو ما رواه الكليني في الكافي بسنده عَنْ مَصْقَلَةَ الطَّحَّانِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) يَقُولُ: لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ (ع) أَقَامَتِ امْرَأَتُه الْكَلْبِيَّةُ (الرباب) عَلَيْه مَأْتَماً وبَكَتْ وبَكَيْنَ النِّسَاءُ والْخَدَمُ حَتَّى جَفَّتْ دُمُوعُهُنَّ وذَهَبَتْ.."(1).

والرواية طويلة تضمَّنت الإخبار عن أنَّ الرباب زوجة الحسين (ع) كانت تُقدِّمُ الطعامَ للمشاركات معها في المأتم وتأكلُ معهن: " قَالَ: فَأَمَرَتْ بِالطَّعَامِ والأَسْوِقَةِ فَأَكَلَتْ وشَرِبَتْ وأَطْعَمَتْ وسَقَتْ"(2)، ولم تُشر الرواية إلى أنَّ المأتم الذي كانت تُقيمُه الرباب ومَن معها من النساء كان في الشمس أو في العراء أو أنَّه كان بمرأى من الرجال.

نعم ورد في بعضِ كتب التأريخ والأدب أنَّ الربابَ بنت امرئ القيس زوجةَ الحسين (ع) لم تستظل بعد مقتلِ الحسين (ع) تحت سقفِ بيت حتى ماتت كمَداً بعد سنةٍ من مقتلِ الحسين(ع).

هذا الخبر لم يرد من طرقنا ومَن أورده من علمائِنا في كتابه فقد أخذه عن بعض المؤرِّخين العامَّة كابن عساكر في تاريخ دمشق قال: "ولمَّا تُوفيَ الحسين خُطبت الرباب وأُلحَّ عليها فقالت: ما كنتُ لأتَّخذ حمواً بعد رسولِ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم تتزوج وعاشت بعده سنةً لم يُظلَّها سقفُ بيتٍ حتى بُليتْ وماتت كمَدا"(3).

وأورد هذا الخبر غيرُه، ولعلَّهم جميعاً نقلوه عن مخبرٍ واحد، وذلك لتقارب ألفاظ هذا الخبر، وعلى كلِّ تقديرٍ فهو خبرٌ غيرُ قابلٍ للتصديق، إذ من غير المعقول أن تظلَّ امرأةٌ سنةً كاملةً شتاءً وصيفاً في العراء تحت أشعَّة الشمس وصقيع البرد والأمطار دون أنْ يتدخَّل أهلُها وذووها من بني هاشم وغيرِهم لثنيها عن ذلك، ولو وقع ذلك لكثُر تناقل هذا الخبر من اللائمين والمعتذرين، فالوثوقُ بصدق مثل هذا الخبر غيرِ المألوف يحتاجُ إلى تظافرِ الإخبار عنه وتنوُّع المخبرين به.

نعم لو كان المرادُ من الخبر أنَّها لم تستظلَّ ببناءٍ من آجرٍ وجصٍّ وانَّها كانت تستظلُّ في فسطاطٍ أو عريشٍ لأمكنَ القبول بهذا الخبر، ولعلَّ ما يُؤيِّدُ ارادةَ هذا المعنى ما قِيل - كما في الإصابة لابن حجر(4)- من أنَّها عادت إلى كربلاء وأقامتْ عند قبر الحسين (ع) سنةً كاملةً ثم عادت إلى المدينة وماتت، فإذا كانتْ قد أقامت في كربلاء فلنْ تكونَ اقامتُها بمقتضى الحال تحت سقفٍ وبناء وإنَّما ستكونُ في فسطاطٍ أو عريش لأنَّ كربلاء حينذاك لم تكنْ مدينةً مأهولة وذات بناء، وإنَّما كانت أرضاً مفتوحة يَستطرقُها المسافرون ويقطنُها الأعراب.

وخلاصةُ القول: إنَّ ما قِيل من أنَّ الرباب لم تستظلَّ تحت سقفٍ سنةً كاملة خبرٌ لا يُوجدُ من القرائن ما يُصحِّحُ الظنَّ فضلاً عن الوثوق بصدقِه، ولا مانعَ من احتمال صدقِه لو كان المرادُ منه أنَّها لم تستظلَّ في بناءٍ مسقوفٍ وإنَّما كانت تُقيمُ في فسطاطٍ أو عريشٍ عند قبرِ الحسين (ع) أو في المدينة.

الهوامش:

1-الكافي - الشيخ الكليني- ج1 ص466.

2-الكافي - الشيخ الكليني- ج1 ص466.

3-تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج69 ص120.

4-الإصابة - ابن حجر - ج1 ص355.