ما هي الغاية من الشعائر وما هي ضابطتها؟

الشعار والشعيرة تستعمل في اللغة بمعنى العَلامَة قال ابن منظور: " الإشعارُ: الإعلام، والشعارُ: العلامة، قال الأزهري: ولا أدري مشاعرَ الحجّ إلّا من هذا لأنها علامات" (لسان العرب: 8/ 91) ونص على ذلك غيره من اللغويين.

ومنه يتضح انّ هذه اللفظة ظاهرة لغةً في الإعلام فإذا أضيفت الى الدين (الشعيرة الدينية) تكون ظاهرة في كل ما هو إعلام بالله تعالى ورسالته من أوامره ونواهيه وهذا هو مذهب جمهور علماء الشيعة وبعض علماء السنة في معنى الشعائر.

ووفق ضوابط الاستنباط تُحمل اللفظة على معناها اللغوي ما لم يوجد ما يدل على نقلها من قبل الشارع الى معنى جديد، وكذلك تُحمَل على اطلاقها وعمومها ما لم يوجد مقّيِّد أو مخصص.

والعنوان المأخوذ في أي دليل شرعي إذا كان يمكن تطبيقه بأكثر من كيفية وأردنا تطبيقه على أرض الواقع نطبقه على مصاديقه المألوفة عند العرف او العقلاء او المتشرعة ما لم يثبت تدخل المشرّع في تحديده بخصوص كيفية خاصة.

فإذا أخذنا مثلا عنوان الصلاة وعنوان بر الوالدين، فما من شك في أنهما مطلوبان عند المشرّع وقد أمر بهما نصوص كثيرة ولكن نلاحظ أن المشرِّع قد تدخل في تحديد أدق تفاصيل ما ينطبق عليه عنوان الصلاة بحيث لا يمكن اضافة او حذف او تغيير شيء من هيئتها مهما تغيرت الأعراف والأزمان والأمكنة، بينما نلاحظ أنه ترك تحديد مصاديق بر الوالدين الى العرف فإذا كان فعلٌ من الأفعال يُعد عرفا في مكان او زمان معينين من أفعال البرِّ بالوالدين وكان الفعل ذاته يُعد عرفا في مكان او زمان آخر من أفعال الهتك لهما كان الفعل نفسه مطلوبا في ظرفه الأول ومحرما في ظرفه الثاني لأن مصاديق البرِّ والهتك تركهما الشارع للعرف.

ومن كل ذلك نخلص الى أن الشعائر عنوان عام يشمل كل ما فيه إشعار وإعلام بالله تعالى ودينه ومن ثم هي على صنفين، فمنها ما أخذ المشرع في أدلته عناوين حدد مصاديقها بنفسه كما في الحج مثلا ومنها ما أخذ في أدلتها عناوين ترك تشخيص مصاديقها للعرف كالشعائر الحسينية، فالعناوين التي أخذها المشرع في أدلتها هي من قبيل: (إحياء أمر أهل البيت، ندبتهم ومواساتهم في مظلوميتهم، وكل ما يكون مظهرا للجزع على الامام الحسين ع) فالنصوص ندبت الى هذه العناوين وهي عناوين عامة يمكن إيجادها في الخارج بوجوه وكيفيات تختلف من عرف الى آخر ولم يتدخل المشرع في تحديد نحو خاص من أنحاء وجودها، فإذا كان كذلك تنطبق القاعدة الثالثة المذكورة آنفا فنحمل هذه العناوين على مصاديقها المألوفة عند العرف فكل عرف يحزنون ويحيون ويواسون بما ينسجم مع منظومتهم.. نعم لا شك في وجود مصاديق مشتركة كمجالس الندبة والبكاء ولكن ليس في الادلة ما يشير الى الاقتصار على هذا القدر ومن هنا جاز ان تختلف الشعائر الحسينية في مصاديقها من مكان لآخر ومن زمان لآخر.

ومن كل ذلك يتضح جواب السؤال بشقيه..

أمّا شقه الأول: فقد اتضح ان الغاية من الشعائر عموما بما فيه الشعائر الحسينية هي الإعلام والإشعار بالله تعالى وكل ما يمت لرسالته بصلة وما من شكٍّ في أنه من وراء ذلك التقرب منه جلَّ جلاله.

وأما شقه الثاني: فنعم يمكن تعدية عنوان الشعائر الى كل ما توفرت فيه الغاية - الإعلام بالله والدين - شريطة مراعاة النصوص لأن ثبوت كونها شعيرة فرع ثبوت تعلقها بأمر ديني تكون إعلاما له وإشعارا به ولا تثبت نسبة شيء للدين إلا بدليل معتبر شرعا، لذا في الشعائر الحسينية مثلا احتجنا الى توسط النصوص التي ندبت الى عناوين الإحياء والمواساة وما الى ذلك وعلى ضوء هذه العناوين وتلك الغاية معا يمكن تحديد ما هو شعيرة مما هو ليس كذلك.

بقي أنه قد يخطر في الذهن السؤال عن دور الفقيه في خضم كل ذلك، فإذا كانت النصوص قد تركت للعرف مساحة تحديد المصاديق فهل للفقيه ان يتخذ موقفا مغايرا لما يرتئيه العرف مثلا؟

في مقام الجواب أشير إجمالا إلى ثلاثة أمور - قد أعود للكلام عنها في مقال آخر من هذه السلسلة لأن بعض الأسئلة الأخرى التي وصلتني تتعلق بها - وكيف كان فإن دور الفقيه هنا يتمثل بـ :

1- استنباط الأحكام من الروايات، إذ قبل الوصول الى مرحلة تشخيص العرف لمصاديق الجزع مثلا نحتاج أولا الى معرفة حكم الجزع، فهل هو على مصاب الامام الحسين ع حلال ام حرام، وإذا كان حلالاً فهل هو مباح ام مستحب وهكذا.. فبعد ان يستنبط الفقيه حكم الجزع يأتي في المرتبة الثانية دور العرف في تحديد المصاديق.

2- ليس للعرف الكلمة المطلقة في تحديد المصاديق المشروعة بل ذلك مشروط بأن يكون تحديدها ضمن الأطر العامة للشريعة وان لا يحلل حراما ثابتا ولا يحرم حلالاً كذلك وفي كل هذا لابد من الرجوع الى الفقيه لفهم أطراف القضية ومقدار المساحة المتاحة للعرف.

3- المصاديق التي يحددها العرف على فرض انطباق جميع الضوابط السابقة عليها يبقى الحكم بجوازها او استحبابها حكما أوليا، ومن ثم قد يطرؤ عليها عنوان ثانوي يسحبها الى حكم ثانوي مغاير للحكم الأول مثلا إذا كان ما شخصه العرف يوجب الضرر أو كان موهنا للإسلام او المذهب... ففي كل ذلك ننتقل من الحكم الأولي الى حكم ثانوي يتناسب مع العنوان الثانوي كالحرمة مثلا، وتحديد الاحكام الثانوية مسألة اجتهادية من اختصاص الفقيه أيضا.