المهدي والمرجعية والمسلمين: هل نحن في مدينة الضباب؟!

بين الفينة والأخرى تطلّ علينا شخصيّات من ورق، تستخدم الدين لضربه، وتعمل بتمويل إعلامّي كبير تحوم حوله الشكوك والشبهات، في حين أنّ أبعد شيء عن التصديق وجود تبرّعات من "المحسنين" لرفد هذه المنصّات الإعلاميّة، وتدّعي تلك الشخصيّات أنّها تحاول إرجاع الشيعة الى السكّة التي انحرفوا عنها كما يزعمون وتختلف بالآليّات والطرق ولكنّها تتحد في هدفها ذي الثلاث شعب (المرجعيّة وبالأخصّ النجف والإمام المهدي - عليه السلام - وائتلاف المسلمين).

فيحقّ لنا أن نسأل: مَن أنتم؟ وما هو تحصيلكم العلمّي؟، فإنّ مجرّد نظم الكلام واسترساله والتعويد لذاك المصدر او ذا أو نقل هذه الرواية او تلك أو استعراض كلام هذا العالم أو ذاك لا يلزم منه بحال من الأحوال صحّة المضمون والمعنى وفق المنهج العلمّي، ومنه تعلم عدم وجود ملازمة بين ما ذكرنا وبين كونها شهادة بالاختصاص له.

ويحقّ لنا أن نسأل: مَن يقف خلفكم؟ ولماذا تصرّون على تشويه هذه الثلاث؟، ولماذا في هذا الوقت وفي هذا البلد وفي هذه الظروف؟، والأمرّ بالأمر كله هو استمالة بعض المنخدعين بهذه التهم والأباطيل بدون مراجعة وسؤال واستعلام، فإنّه يدلّ على أنّ الدين عند البعض اشتهاء ومزاج فأينما دار مزاجه دار إليه، وعلى ذمّة أيّ منتفع تحوّل عليه! حتى أن بعضهم يسأل عن مدى صدق ذاك المدّعي حول ولادة الإمام -عليه السلام- فهو قرأ الشبهة وترك عشرات الكتب التي كتبت للردّ عليه ونشرت مئات المقالات في استعراض أدلّة ولادته وعدم وفاته وأنّه هو الموعود لكلّ الأديان آخر الزمان ليحيّ به الله الأرض بعد موتها بل تطوّر البحث المهدوي وكتبت الدراسات وألّفت المصنفات إلى أبعد من ذلك... فإنّ الإصرار على هذا المنحى لهو مؤشر خطر للمدّعي ومَن يلقف ما يقول.

وليس ذاك بجديد على هذه الطائفة المظلومة فإنّ التاريخ طافح بمثل هؤلاء المضلّلين، ولكنّ الملفت للنظر أنّهم يجتمعون لغايات غيرهم، فإن قضى الغير انتهوا وزالوا، والله يبدد بنيانهم ويضيّق أركانهم.

وينبغي إلفات النظر لأمور:

1. هناك فرق بيّن بين التهديم والتقويم فإنّ الأوّل قائم على التخبّط والتسفيط والنظر بعين واحدة حولاء بنظّارة سوداء قاتمة، والثاني على الأسس العلميّة والمناهج فيها وعلى أدوات علميّة محصَّلة ملكاتُها.

والأوّل كمَن يطرح مشكلة لأجل المشكلة بلا جواب، والثاني يطرحها لأجل الجواب ويجيب عنها بين أهل العلم ليستفيدوا من الجواب ويقيّم جوابه بنظرهم..

2. هناك فرق بين الشبهة والاتهام، فإنك يمكنك أن تردّ الشبهة بالدليل ولكن يعوقك ردّ الاتهام فمثلاً، قد يشتبه أحد بأنّ الإمام المهدي -عليه السلام - غير مولود فيؤتى له بالأدلّة النقليّة والتاريخيّة واستنطاق ظروف المدّة التي غاب فيها، فإنّه مع تراكم الأدلّة ينتج قطعا على حساب الاحتمال فتدفع الشبهة ولا يعاند إلّا مكابر سقيم الفكر، ولكن عندما يدّعي أحد على أحد بأنّه ليس سيّد وهو معروف وأبوه وأجداده بالسيادة وعنده شجرة تتصل بهاشم فهذا اتهام وبهتان، ولا يسع هنا إلّا أن تقول "حسبنا الله ونعم الوكيل ".

نعم، فإنّ ردّ الاتهام مع وضوح بطلانه مماراة يصعب الخروج منها ووقوع في فخّ التعادل الشخصّي كما سنبيّنه.

3. توجد ظاهرة ملحوظة تنطوي تحت الإضعاف والتعادل الشخصّي وتتصوّر فيما إذا كان لك خصم يفوقك قوّة من جوانب متعدّدة فإنّ السبيل للقضاء عليه هو إضعافه بإنزاله دونك أو معك حتى يتسنّى لك الإجهاز عليه وأفضل طريقة لذلك تراشق الاتهامات فإنّها لوضوح بطلانها تبهت الخصم وتربكه، فتجعله صريعا يحسب كلّ صيحة عليه، يقوم من واحدة ليدفع أخرى، ويظلّ هكذا مادام سيل التّهم ينحدر عليه، ويكفي لينجرّ لمستنقع الوحل هذا أن يردّ على إتهام واحد فيلزمه أن يردّ الآخر، وإن سكت كان ذلك إيحاءً بصحّة الاتهام، ولذا كان من الحكمة ترك المتّهم يعجز بحكمة السكوت.

٤. مع انتشار الأباطيل كان اللازم أن يحتمي المرء منها بالاحتماء بأهل العلم الثقاة فما دمت استمعت للباطل فأستمع للحقّ، فإنّ هذه الأباطيل من شأنها لو اجتمعت في زوايا الشعور أن تنتفض مع قلّة الورع وعدم الجواب عنها.

٥. يكفي لسقوط اعتبار القائلين بالأباطيل كونهم يقولون بها مع وجود أجوبتها ومازالوا على غيّهم وعنادهم، ولسقوط المتهمين نفس اتهاماتهم وتشهيرهم وبهتانهم وغيرها.