لهذه الأسباب تعاني المرأة في المجتمعات الإسلامية!

إنّ المرأة بل وحتى الرجل الشاب والطفل يعانون من التخلّف وعدم الوعي في وظائفهم العامة والخاصة التي ذكرتها الشريعة لهم وأوجبت عليهم القيام بها، فالتخلّف والظلم عام للمرأة وغيرها، - وهي - تعاني من التخلّف والقيود غير المشروعة بسبب الجهل بالشريعة الإسلامية التي شرّعت لها حقوقها وجعلتها مساوية للرجل في الإنسانية والكرامة والحقوق والواجبات الفطرية التي تهدي إليها الشريعة، وبسبب سيطرة التقاليد والأعراف الجاهلية الموروثة والدخيلة الطارئة من المجتمعات التي دخلت في الإسلام.

بل إنّ المرأة في المجتمعات الإسلامية قد لا تعرف وظيفتها الخاصة في الأُسرة كزوجة وأُمّ، فهي تدخل الحياة الزوجية ولا تعرف شيئاً عن هذه الاُمور الخاصة بها.

إذن لابدّ من قيام حركة إصلاحية لوضع المرأة على أساس الإسلام بحيث تعاد كرامة المرأة ويعاد دورها الفاعل في بناء المجتمع، ولابدّ من تربية المرأة وتعليمها وتأهيلها لما يناسب وظيفتها العامة في المجتمع، وما يناسب وظيفتها الخاصة في الأُسرة، ولا نهمل العناية في الجانب الخاص لحساب الجانب العام الاجتماعي.

هذا، ولكنّ الذي حصل: أنّ بعض المتأثرين بالفكر الغربي من المسلمين وغيرهم نادوا بتحرير المرأة في المجتمعات الإسلامية ومساواتها بالرجل، ونقدوا حكم الشريعة الإسلامية في جملة من التشريعات التي هي متفرّعة على اختلاف وظيفة الرجل والمرأة "كوجوب ستر الجسد، وقواميّة الزوج، والطلاق، والميراث، والشهادة" فدعوا إلى إلغاء هذه الأحكام الشرعية التي ادّعوا أنّها سبب تمييز بين الرجل والمرأة..

 إنّ المساواة التي ينادي بها الإسلام تكمن في الإنسانية والحقوق والواجبات الفطرية الطبيعية والقيم، وليس المماثلة في جميع الجهات. أمّا الاختلاف بين الرجل والمرأة في الشكل الذي يكون موضوعاً للاختلاف في الوظيفة الخاصة لكلّ من الرجل والمرأة، والذي يقتضي توزيع المسؤوليات والأدوار في الأُسرة والجميع، فهو أمر واقعي لابدّ منه، كالاختلاف بين الرجال في اختصاصاتهم وعلمهم الذي يقتضي توزيع المسؤوليات والأدوار نتيجة هذا الاختلاف.

إنّ قواميّة الزوج الناشئة من عقد الزواج تعني المحافظة على الزوجة والاهتمام بها وتدبير شؤونها، فهو امتياز لها لا يجوز سلبه عنها بحجة حقوقها، أي إنّه حقّ لها لا عليها. كما أنّ حقّ الطاعة ـ الذي أوجبه الإسلام على الزوجة للزوج ـ لا يعدو أن يكون حكماً احترامياً للزوج، ولا يحدّ من حرية المرأة وكرامتها وإنسانيتها وتصرّفاتها وأعمالها، وكذا خروجها من البيت بإذن الزوج، فهو لاحترام الزوج وقيمومته على تسيير سفينة البيت الزوجي إلى شاطئ السلامة، بدون أن يدخل المتطفّلون في بيت الزوجية لتخريبه وإفساده.

وأمّا الميراث: فهو ليس كما يصوّره غير العارفين بالشريعة الإسلامية من كون حصة المرأة في الميراث نصف حصة الذكر، فهو ظلم للمرأة; لأنّ بعض النساء يكون لهنّ نصيب من الإرث أكثر من الرجل، كما فيما إذا ترك الميّت أباً وأماً وبنتاً، فإنّ البنت قد فرض الله لها في هذا الفرض نصف التركة، أمّا الأب فله السدس وكذا الأمّ، والباقي وهو السدس يقسّم أخماساً، فتأخذ البنت ثلاثة أخماس، ويأخذ الأب خمساً، وكذا الاُم، فتكون البنت قد أخذت ضعفي الذكر.

وكذا يكون للمرأة أكثر من الذكر فيما إذا كان للميت بنتان وأب، فإنّ للبنتين الثلثين، لكلّ واحدة ثلث التركة، أمّا الأب فله السدس، والباقي وهو السدس يقسم على خمسة أقسام، كلّ بنت تأخذ خمسين، ولكن الأب يأخذ خمساً واحداً، فتكون كلّ بنت قد أخذت ضعف الأب.

والسؤال هنا: لماذا لم تتصاعد الأصوات للدفاع عن الرجل في هاتين الصورتين وأمثالهما الذي يكون للأنثى أكثر من الذكر؟! أين من ينادي بالمساواة من هذه الفروض؟

ولماذا لم يعترض على وجوب النفقة على الزوج، ووجوب إعطاء المهر للزوجة من قبل الزوج في عملية جنسية وإنشاء بيت ينتفع به الطرفان؟!...

وأمّا التستر عن الأجنبي ـ الذي فرضه القرآن على الإناث، كما فرض التستر على الرجل ولكن بمساحة أقلّ ممّا فرضه على المرأة ـ فهو لا يعتبر قيداً على المرأة بمقدار ما يكون وقاراً واحتراماً لها، ومنعاً من إثارة الرجل بالتعرّي وبكلّ ما من شأنه إثارة الرجل من دون إشباع لهذه الإثارة عن طريق الزواج، فلا يجوز أن تكون المرأة آلة يتفرّج عليها المتسولون، وقد تصل الحاجة إلى التحرّش والاعتداء والاغتصاب المهين الذي تتعرّض له النساء عادة بإثارة الرجل. ولا يجوز أن يتحوّل المجتمع إلى دار مجون ومتعة وجنس بلا ضوابط.

بل نريد من المرأة ـ التي هي نصف المجتمع ـ أن تقوم بدورها في الأُسرة والحياة الاجتماعية العامة بطهارة وإخلاص إذا سنحت لها الفرصة في العمل الاجتماعي وكانت قادرة على ذلك ومؤهلة له، فتجلب للمجتمع السعادة والرقي، وهذا هو المنسجم تماماً مع التستر والعفّة، والإنسانية والكرامة الذي يسعى الإسلام للحفاظ عليها، ولا يكون ستر البدن مانعاً من عملها العام في المجتمع...

 إذا كان التستر حدّاً لحرية المرأة، فإنّ الرجل أيضاً قد حدّد بذلك، حيث أوجب الله عليه الغض من بصره للنساء الأجانب، وأوجب الله عليه التستر بمساحة أقل، حيث لا يجوز له المشي عارياً في الأماكن التي يوجد فيها إنسان محترم.

 إنّ التستر على المرأة بمساحة أوسع من الرجل وعدم إظهار زينتها للأجانب مبتني على الفوارق الجسمية (الفسيولوجية والسيكولوجية) بين الجنسين، فالمرأة مثار للشهوة، والإثارة بدون إشباع صحيح وشرعي يؤدّي إلى كوارث بشرية واعتداءات فاضعة واغتصاب مهين للمرأة...

إذن، لا يمكن لنا أن نصف المجتمع الإسلامي بالتخلّف نتيجة هذه الأحكام الشرعية المتفرّعة على اختلاف الصنف، الذي هو يقتضي اختلافاً في الوظيفة الخاصة وفي المجتمع; لأنّ المعيار في التخلّف الحضاري والتقدّم الحضاري لابدّ أن يستند إلى خصوصيات هذه التشريعات وفلسفتها والنظرة الكلية للكون والحياة والإنسان في الحضارة الإسلامية، فالتقدّم والتأخّر مرتبط بنظام القيم والحقوق والواجبات، لا بالنظر إلى، بعض الأحكام الشرعية المستندة إلى موضوعات مختلفة في الصنف.

*من كتاب: أوضاع المرأة المسلمة ودورها الاجتماعي من منظور إسلامي، لسماحة الشيخ حسن الجواهري.