التربية باللعب: طفلك لا يلعب... لا تتجاهل الأمر!!

*د. صالح عبد الكريم

اللعب ظاهرة سلوكية تسود عالم الكائنات الحية (الانسان والحيوان) ولا تقتصر على الانسان، فالحيوانات تلعب ولذا نرى القطط والكلاب والطيور تلعب، وكأن اللعب جزء لا يتجزأ من حركة الحياة.

واللعب حاجة فطرية يحتاج اليها الاطفال والمراهقون والشباب والراشدون والمسنون ولكل طريقته في اللعب.

واللعب هو كل حياة الطفل لاسيما في مرحلة الطفولة المبكرة (ما قبل المدرسة)

والطفل الذي لا يلعب هو طفل غير طبيعي لان اللعب نشاط تلقائي لا يتم تعلمه.

فاللعب لا يقل أهمية عن الاكل والشراب والتنفس بل ان الطفل أحيانا يفضل اللعب على الاكل فهو يعيش مع لعبته يحكي لها، يشكي لها، يضربها ويبوسها ويحضنها ويرميها ويفكها ويركبها.

ولا شك ان للعب أهمية كبرى بالنسبة للطفل حيث تساعده على النمو النفسي والجسمي والعقلي والحركي والاجتماعي واللغوي والاخلاقي.

ـ المعتقدات الخاطئة عن اللعب:

 هناك بعض المعتقدات الخاطئة عن اللعب ومنها:

1ـ اللعبة مضيعة للوقت: والحقيقة ان اللعب استثمار للوقت لان الطفل ان لم يلعب بعض الوقت.. سوف يلعب معظم الوقت ويقل تركيزه واهتمامه بالواجبات.

2ـ اللعبة مضيعة للجهد: ولكن اللعب هو تنقية الجهد بل مقوي للجهد.

3ـ عدم اللعب رجولة: فالبعض يعامل الطفل على انه رجل وتجد البعض يقول (بلاش لعب عايزين الولد يطلع راجل) والحقيقة ان لعب الطفل لا يتنافى مع الجدية وتحمل المسئولية بل هو من يصنع شخصية سوية، ومن ثم يصنع الرجال وربما من لا يلعب في طفولته يكون رجلاً.. لكنه رجلا غير سوي.

ـ النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يلاعب الاطفال:

ولقد كان النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يعلم ان الاطفال يحتاجون الى اللعب، فكان ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يصف عبد الله وعبيد الله وكثيرا من بني العباس رضي الله عنهم ثم يقول (من سبق الى فله كذا وكذا، فيستبقون اليه فيقعون على ظهره وصدره فيقلبهم) فالنبي يقترح اللعبة بل يشاركهم في اللعب.

ولقد جاء الحسن والحسين فركبا على ظهر النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وحينما رفع رأسه أمسكهما وقال نعم المطية مطيتكما...

ـ أنواع اللعب لدى الاطفال:

تتعدى أنواع اللعب عند الاطفال ومنها:

1ـ اللعب الايهامي أو اللعب الخيالي: ويظهر هذا النوع لدى الاطفال من سن سنة ونصف وهو مبنى على التخيل، فالطفل يصنع حوارا خياليا مع اللعبة.

2ـ اللعب التلقائي: وهو نوع من اللعب لا يعتمد على قواعد منظمة، وهو فردى، وفيه يتم تكسير اللعب بسبب نقص الاتزان الحسي الحركي.

3ـ اللعب الاستطلاعي: وهو نوع من اللعب يظهر في مرحلة الطفولة المبكرة حيث يكون لدى الطفل فضول وحب استطلاع ورغبة في اكتشاف المجهول وما وراء الاشياء فالطفل احيانا يكسر اللعبة ليعرف ما بداخلها.

4ـ اللعب الفردي: وفيه يلعب الطفل بمفرده، ويتحدث مع اللعبة وكأنها شخص حقيقي وهنا نوع من التعويض عن غياب الاب والام.

5ـ اللعب المتوازي: يجتمع الاطفال في مكان واحد للعب ولكن يلعب كل واحد منهما بمفرده.

6ـ اللعب التمثيلي: يقلد فيه الطفل سلوك الوالدين، فالبنت مثلا تضع مكياجا وتقلد الام، والولد يلبس النظارة ويجلس على المكتب ويقلد الاب.

7ـ اللعب بالمشاركة: وفي هذا النوع من اللعب يشترك مجموعة من الاطفال في لعبة معينة لكن دون قائد.

8ـ اللعب الجماعي التعاوني: وهذا النوع من اللعب هو أقرب أنواع لعب الاطفال الى لعب الكبار وفيه يلعب الاطفال معا كجماعة ويكون لهم قائد يوجههم.

ـ أهمية اللعب عند الاطفال:

لا شك ان للعب أهمية كبرى في حياة الاطفال وله أدوار متعددة منها دور استكشافي ودور نمائي ودور وقائي ودور علاجي وهي كالتالي:

أولا: الدور الاستكشافي للعب:

وهو كالتالي:

1ـ يكشف اللعب عن شخصية الطفل بشكل عام: فالطفل أثناء اللعب يتصرف بتلقائية بما يسمح بالتعرف علي جوانب شخصيته.

2ـ التعرف على جوانب القوة وايجابيات الطفل ومهاراته مثل الذكاء والابداع والقدرة على التواصل والشخصية والانبساطية والاجتماعية والقيادية.. الخ.

3ـ التعرف على جوانب الضعف وسلبيات الطفل مثل الخجل والانطواء والانانية وعدم القدرة على التصرف واليأس والاحباط السريع.. الخ.

4ـ التعرف على المشكلات النفسية والسلوكية للطفل مثل العناد والعصبية الزائدة والعنف والعدوان والخوف ونقص الثقة بالنفس والكذب.. الخ.

5ـ استكشاف العالم الخارجي: من خلال اللعب يستكشف الطفل العالم الخارجي ومن ثم يتدرب على التعامل معه رويداً رويداً

6ـ اللعب فن تعلم الحياة: فاللعب بالنسبة للطفل يعد بمثابة اعادة بناء الحياة بحيث يمارس الطفل سلوكه في الحياة دون الخوف من النتائج، فاللعب مثل الحياة فيه التعاون والتنافس والصراع والمكسب والخسارة والنجاح والفشل والحزن والسعادة ،ومن ثم فهو الذي يعد الطفل للحياة.

ثانيا الدور النمائي للعب:

وهو كالتالي:

1ـ اللعب ينمي شخصية الطفل في كل جوانبها.

2ـ اللعب ينمي القدرات الجسمية للطفل حيث يمرن الاعضاء فيساعد على نموها وتقويتها.

3ـ اللعب ينمي القدرات الحركية فهو ينمي المهارات اليدوية ومهارة الفك والتركيب..الخ.

4ـ اللعب ينمي الجوانب النفسية للطفل مثل الثقة بالنفس وتنمية القدرة على الاتصال الفعال والشعور بتقدير الذات والقدرة على تحمل الاحباط في حالة الفشل وكذلك الشعور بالمتعة والسعادة في حالة الفوز.

5ـ اللعب ينمي الجوانب العقلية والمعرفية (الانتباه، الادراك، التركيز، التفكير) حيث يتعرف

الطفل على الاشياء وتصنيعها، وتعلم المفاهيم والتفكير المجرد وتعلم الاوزان والاطوال والمسافات والاحجام.. الخ.

6ـ اللعب ينمي الجوانب الابداعية، مثل حب الاستطلاع والتفكير الابداعي القدرة على حل المشكلات... الخ

7ـ اللعب ينمي الجانب الاجتماعي لدى الطفل اثناء اللعب الجماعي مثل تنمية القدرة على المشاركة لعبة مثل تشابك الايدي مثلا وغيرها الكثير والكثير.

8ـ اللعب ينمي الجانب اللغوي: وذلك من خلال الحوار بين الاطفال أثناء اللعب والحوار مع الام أثناء اللعب، والتحدث مع اخيه من خلال لعبة مثل لعبة التليفون.

9ـ اللعب ينمي الثقة بالنفس: وذلك من خلال المكسب والفوز والاستبصار بالقوة الذاتية واظهار القدرات الكامنة.

10ـ اللعب يساعد على تبادل المعرفة والثراء الثقافي عند الطفل من خلال لعبه مع الاطفال الاخرين.

11ـ يتعلم الطفل التحكم في الذات وذلك من خلال احترام قوانين اللعب، ومعرفة ان لكل شيء قوانين وحدود، ومن ثم يتدرب الطفل على احترام معايير الصواب والخطأ والحلال والحرام.

12ـ تنمية الصفات الخلقية مثل الصدق والامانة والعدل والتعاون.. الخ.

13ـ التعلم عن طريق اللعب: مثل الحساب وذلك من خلال اعداد الارقام وتعلم الحروف من خلال الورق المقوى والحروف المجوفة وما شابه، وكذلك يتعلم الطفل اسماء واشكال واصوات الحيوانات، وكذلك تعلم انواع الفاكهة وجسم الانسان والالوان.. الخ لا سيما وان الطفل اثناء التعلم باللعب يكون له دور تفاعلي وليس مجرد متلق سلبي كما يتم في التعليم التلقيني.

14ـ من خلال اللعب يتجاوز الطفل عمره الواقعي ويتخيل المرحلة العمرية القادمة فالطفلة مثلا تلعب بالعروسة وتنظفها وتغيرها لها ملابسها وتغني لها وتهدهدها كي تنام وكأنها تلعب دور الام مستقبلاً.

ثالثا: الدور الوقائي:

وهو كالتالي:

1ـ اللعب يقي الطفل من العصبية الزائدة لان اللعب يسعده.

2ـ اللعب يقي الطفل من النشاط الحركي الزائد وليس اللعب مجرد تنفيس عن انفعالات مكبوتة وانما هو نشاط يؤدي الى اعادة الاتزان الحيوي والنفسي في حياة الطفل.

3ـ اللعب يقي الطفل من الاضطرابات العضوية.

4ـ اللعب يقي الطفل من مشاعر الخجل.

5ـ اللعب يقي الطفل من الاكتئاب.

6ـ اللعب يقي الطفل من المخاوف.

7ـ اللعب يقي الطفل من الشعور بالوحدة.

8ـ الطفل يعبر من خلال اللعب عن صراعاته اللاشعورية، مثل الخوف من الاب او الام، او من المدرسة، او من الحيوانات ومن ثم يتم تدارك هذه المخاوف بسرعة، فبمجرد رمي الطفل للعب هو تعبير رمزي عن شعوره بانه ملقى، ومجرد تكسير اللعب هو ـ في كثير من الاوقات ـ اسقاط لعدوان الطفل ضد الاب والام.

9ـ الطفل الذي يكون عنيفا في اللعب يكون لديه مشكلة نفسية ومن ثم يتم تداركها بسرعة قبل ان تتفاقم.

10ـ الطفل الذي تقع منه اللعب كثيرا ربما يكون السبب في ذلك نوبة صرعية صغرى وكأنه (يفصل) لمدة ثوان فيفقد التحكم في الاشياء فتقع منه، وهنا يجب التدخل لعلاجه .

11ـ احضر مجموعة من الدمى تمثل الاب والام والاخوة ولاحظ علاقة الطفل بهم.

12ـ اللعب يقي الطفل من السوك العدواني: فالغضب يؤدي الى العدوان غالبا، ولكن اللعب فيه تنفيس للغضب حتى لا يزيد ويتحول لعدوان.

13ـ اللعب يقي الطفل من الانانية والتمركز حول الذات وذلك من خلال اللعب الجماعي.

رابعا: الدور العلاجي:

كما ان اللعب وسيلة لتربية وله دور استكشافي ودور وقائي فان له دوراً علاجيا، وهناك نوع من العلاج لمشكلات الاطفال يسمى (العلاج باللعب).

وهو يؤدي الى الاتي:

1ـ يساعد اللعب الطفل في التخلص من النشاط الحركي الزائد وفرط الحركة وذلك من خلال تفريغ الطاقات الجسمية والانفعالية الزائدة بل استثمار الطاقات الزائد بدلا من اهدارها (فاللعب افضل استثمار للطاقة الزائدة) لأنها سوف تخرج إما في اللعب وإما في العدوان، وذلك أشبه بالثلاجة فحينما تكهرب يقال لك (اعمل لها توصيلة أرضي) وذلك لسحب الكهرباء الزائدة ومثل عربات النقل التي تحمل المواد الملتهبة ونلاحظ انهم يضعون سلسلة تجر وراءها لتفريغ التفاعلات السلبية وحمايتها من الانفجار أو الاشتعال.

2ـ اللعب يساعد في التخلص من العصبية: فاللعب يصفي صراعات الطفل اللاشعورية المكبوتة أثناء اللعب، كذلك يساعد اللعب الطفل في التعبير عن صراعاته بشكل مباشر في حين ان الراشد يعبر عن صراعاته بشكل غير مباشر للحفاظ على شكله وعلاقاته، وكذلك يخلص اللعب الطفل من الطاقات العدوانية بشكل جيد.

3ـ يساعد اللعب في التخلص من العناد فمثلا تلعب الأم مع ابنها بالمكعبات وتقول له هات المكعب الاحمر أو الاخضر، او المكعب الكبير او الصغير وهو يستجيب بسهولة وينفذ هذه الاوامر ومن ثم يعتاد على تنفيذ الاوامر والنواهي ويقل عناده.

4ـ يساعد اللعب في التخلص من الخجل لا سيما اللعب التفاعلي اي اللعب مع الاخرين.

5ـ يساعد اللعب في التخلص من الانطواء والشعور بالوحدة.

6ـ يساعد اللعب في التخلص من العنف والعدوان بتفريغ الطاقات السلبية فمثلا قد يتخيل الطفل ان الحصان هو الاب الذي ضربه فيضرب الحصان ويرميه، وتتخيل الطفلة ان العروسة هي الام التي تضربها فتفقأ عينها وترميها.

7ـ اللعب يخلص الطفل من الاكتئاب لشعوره بحب والديه والاخرين له.

8ـ اللعب يخلص الطفل من المخاوف فمثلا لو ان هناك طفلا يخاف من الحصان فنجعله يمثل دور الحصان لمرات عديدة، وفي لعبة اخرى نجعله يركب عصا على انها حصان، ومثلا لو ان الطفل يخاف من القطط فنعالجه من خلال اللعب تدريجيا كآلاتي:

نحكي له قصة جميلة عن قطة ثم نجعله يرى دمية لقطة ثم نريه لقطات فديو لقطة حقيقية ثم يشاهد قطة حقيقية من بعيد ثم نحضر له قطة صغيرة يلعب معها ورويدا رويدا يقترب من القطة الكبير ويقل الخوف منها تدريجيا حتى ينتهي الخوف من القطط تماما.

ومن خلال اللعب يتخلص الطفل من الخوف من الظلام وذلك من خلال لعبة الحضور والغياب، فمثلا تختفي الام في الظلام وهو يبحث عنها ثم يقوم الطفل بدوره في اللعبة فيختفي في الظلام على مقربة من الام وهو يسمع صوتها ثم تقوم الام بالبحث عنه في الظلام وسوف يقوم الطفل بالاختباء أكثر في الظلام حتى لا تراه الام وحينها لا يفكر الطفل في مخاوفه من الظلام بقدرة تفكيره في اللعبة واستمتاعه بها.

مثال: طفل تتركه أمه بمفرده بلعبة الحضور والغياب التي تعطيه الامان حيث يقوم بقذف بكرة الخيط تحت السرير ويحزن ثم يجذب الخيط فتأتي البكرة ويفرح وكأنه يمثل وجود غياب الام، والذهاب والعودة فيقوم هو بإخفائها واحضارها وكأنه المتحكم في غياب الام وحضورها ومن ثم يتحكم في القلق.

9ـ يستخدم اللعب في الثواب والعقاب

فالثواب ان تقوم الام باللعب مع طفلها في حاله مكافأته على سلوك جيد، والعقاب ان تعاقبه على سلوك سيء بالحرمان من اللعب.