عن الأسرة المسلمة... كيف يقينا الإسلام من الانحراف الجنسي؟

يطلق لفظ الأسرة في اللغة على عشيرة الرجل ورهطه الأدنون وأهل بيته لأنه يتقوى بهم.

أما في الاصطلاح فإنّ مفهوم الاُسرة يتطور عبر الزمان ويتأثر بالمكان، ويطلق في الإسلام على الجماعة المكونة من الزوج والزوجة وأولادهما غير المتزوجين الذين يقيمون معاً في مسكن واحد، وعندما نقيّد الاُسرة بقولنا: الاُسرة المسلمة، فلا بدّ لأفرادها من أن يكونوا في أفكارهم وعواطفهم وسلوكهم من الملتزمين بأحكام الإسلام.

فالدين الإسلامي ـ باعتباره منهجاً شاملاً لجميع جوانب الحياة الإنسانية ـ أولى الاُسرة أهمية خاصة في مفردات منهجه المتكامل، ذلك لما لها من دور فعال يسهم في بناء إنسان صالح يشارك في خدمة المجتمع ورقيه وتنمية قدراته. ومن هذا المنطلق يمكن القول بأنَّ الإسلام يقدّم نظرته المثلى قبل تشكيل الاُسرة، كخطوة استباقية لما يجب أن تكون عليه الاُسرة المسلمة؛ تنحرف عن مسارها الذي رسمه لها كمؤسسة تربوية أساسية في المجتمع.

الإسلام يستخدم الترغيب في التشجيع على الزواج

يمكن تحديد المنهج الإسلامي في التشجيع على الزواج باعتباره النواة الاُولى لتكوين الاُسرة المسلمة أُسلوبي الترغيب على الزواج والترهيب من تركه الواردين في الكتاب الكريم والسنة المطهّرة.

قال تعالى: (وأنكِحُوا الأيامَى مِنكُم والصَّالِحينَ مِنْ عِبَادِكُم وإمائكُم إن يكُونُوا فُقَراءَ يُغنِهِم اللهُ مِن فَضلِهِ واللهُ واسعٌ علِيمٌ).

فهذه الآية تدل على أمرٍ إلهي في التشجيع على الزواج والوعد بتذليل العقبات الاقتصادية التي تعتريه.

كما كشف لنا القرآن الكريم ـ وفي معرض الامتنان على البشرية ـ عن أنّ الزواج آية من آياته الرحمانية التي تعمُّ جميع الناس، سواء منهم المسلم أو الكافر، ينعمون من خلاله بالسكينة والاطمئنان في أجواءٍ من المودة والرحمة، فقال عزَّ من قائل: (وَمِنْ آيَاتِهِ أنْ خَلَقَ لَكُم مِنْ أنفُسِكُمْ أزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إنَّ فِي ذلِكَ لأَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).

وإذا طالعنا السُنّة المباركة نجد أنَّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد وضّح لنا الرغبة الالهية للبناء الاسري القائم على أساس الزواج وله صلى الله عليه وآله وسلم: « ما بني بناء في الإسلام أحبُّ إلى الله من التزويج ».

وحرص صلى الله عليه وآله وسلم على إبراز المعطيات الإيجابية للزواج تشجيعاً للشباب من أجل الإقدام عليه عندما قال صلى الله عليه وآله وسلم: « يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباه فليتزوج، فإنّه أغضُّ للبصر وأحصن للفرج .. ».

وبصرف النظر عما ورد في النقل ـ من آيات وروايات ـ بخصوص الترغيب في الزواج فإن العقل يحكم بضرورته لكونه السبب المباشر وراء تشكيل أول خلية اجتماعية، هي الأسرة، التي ترفد المجتمع بأفراد صالحين يسهمون في بنائه وتطويره وفق أُسس سليمة بعيدة عن أسباب الانحراف والابتذال.

ومن هذه الجهة يكشف لنا الإمام الرضا عليه السلام ضرورة الزواج الاجتماعية يستقل بادراكها العقل بغض النظر عن الشرع، فيقول عليه السلام: « لو لم يكن في المناكحة والمصاهرة آية محكمة منزلة ولا سُنَّة متبعة، لكان فيما جعل لله فيها من برّ القريب وتآلف البعيد ما رغب فيه العاقل اللبيب، وسارع إليه الموفق المصيب ... ».

كما أنَّ الزواج من السنن الاجتماعية التي لم تزل دائرة في تاريخ النوع الإنساني إلى هذا اليوم، وهو دليل على كونه سنة فطرية حافظت على بقاء النوع الإنساني ؛ ذلك لأن الأنواع تبقى ببقاء نسلها، ناهيك عن أنّ الذكر والاُنثى مجهزان بحسب البنية الجسمانية بوسائل التناسل والتوالد .. وكلاهما في ابتغاء ذلك شرع سواء، وإن زيدت الاُنثى بجهاز الارضاع والعواطف الفطرية الملائمة لتربية الأولاد، وقد أودع تعالى كلا الجنسين غرائز انسانية تنعطف إلى محبة الأولاد ورعايتهم، وتنقضي بكون كلّ منهما مسكناً للآخر، وبلزوم تأسيس البيت، إذن فالفحشاء والسفاح الذي يقطع النسل ويفسد الأنساب أول ما تبغضه الفطرة الإنسانية القاضية بالنكاح.

وممّا يدل على أن الزواج أمر فطري سول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: « من أحبّ فطرتي، فليستنَّ بسنتي، ومن سنتي التزويج ».

وعليه فالزواج يقف سداً منيعاً يحول دون الانحراف الجنسي، وهو من أفضل الوسائل الوقائية التي تحصن الناس من الانزلاق إلى هاوية الرذيلة، وبالتالي الوقوع في الفتنة.

روي عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال: « نزل جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا محمد إنّ ربّك يُقرؤك السلام ويقول: إنَّ الأبكار من النّساء بمنزلة الثمر على الشجر، فإذا أينع الثمر فلا دواء له إلاّ اجتنائه، وإلاّ أفسدته الشمس، وغيرته الرّيح، وإنّ الأبكار إذا أدركن ما تدرك النّساء فلا دواء لهن إلاّ البعول، وإلاّ لم يؤمن عليهن الفتنة، فصعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المنبر، فجمع الناس، ثمّ أعلمهم ما أمر الله عزَّ وجلَّ به ».

ولم يكتف الإسلام بتشجيع الشباب من الجنسين على الزواج، بل دعا المسلمين إلى تحقيق أعلى درجة من المشاركة والتعاون ومد يد العون لكلِّ من تضيق يده عن تهيئة الوسائل اللازمة للزواج، ووعد كل من يساهم في هذا العمل الخيري بالثواب الجزيل، وثمة شواهد نقلية على هذا التوجه، منها.

قال الإمام زين العابدين عليه السلام: « ... ومن زوَّجه زوجة يأنس بها ويسكن إليها، آنسه الله في قبره بصورة أحبّ أهله إليه » وقال حفيده الإمام الكاظم عليه السلام: « ثلاثة يستظلون بظل عرش الله يوم لا ظلَّ إلاّ ظلّه: رجل زوّج أخاه المسلم، أو خدمه أو كتم له سراً ».

وفي هذا الإطارة ملحة لتوسيع المشاركة الاجتماعية في هذه القضية الحيوية دفع المسلمين للقيام بدور الوساطة بين الشباب المؤهلين للزواج وفتح قنوات الاتصال والتعارف بين عوائلهم وكذلك مدّ جسور الفهم والتفاهم بين العروسين، وهي أمور لابدّ منها حتى يكون الزواج عن قناعة ورضا وطيب نفس، وعلى نحو مدروس، وليس قراراً ارتجالياً قد تترتب عليه عواقب لا تحمد عقباها.

ثم إنّ الوسيط أو الشفيع يساهم مساهمة فعّالة في تذليل الصعوبات ورفع الموانع والعقبات التي تعترض الجانبين، ومن أشاد أمير المؤمنين عليه السلام بدور الشفيع أو الوسيط فقال: « أفضل الشفاعات أن يشفع بين اثنين في نكاح، حتى يجمع شملهما ».