لا تحولوا البيوت إلى صفوف دراسية!

"والله إني أبكي من الألم النفسي بسبب الواجبات المدرسية"...

هكذا بدأت إحدى الأمهات كلامها وهي تتحدث عن تدريس أطفالها في البيت "ولد وبنت في الصف الأول والثالث".

تقول إنها تقضي معظم نهارها في خصام وجدال وغضب وقلق متواصل حتى يكمل أطفالها واجباتهم والمطلوبة منهم وهناك الكثير من الأمهات مثلها.

فأقول لزملائي المعلمين والمعلمات:

  • التعليم يا أحبتي تراكمي ويحدث على مدى سنوات فلو سألتك متى أتقنت القراءة والإملاء فلن تستطيع تحديد وقت بعينه وهذا يجب أن نضعه في الحسبان عندما نعلم الطلاب، الغلو والمبالغة في التعليم والتكرار وكثرة الواجبات واثقال كاهل الطالب بأشياء من خارج المنهج لا يتناسب مع طبيعة التعليم وما فيها من تدرج منطقي، ثم لو راجعنا المهارات المطلوب اتقانها في الصف الثاني والثالث فسنجدها قريبة من مهارات الصف الأول فلماذا هذا الحشد والإكثار مادامت مطلوبة منه على مدى ثلاث سنوات، ولا يخفى عليكم كم أن المبالغة في التعليم (الأكاديمي) وإعطائه أكثر من وقته مضر ومحبط ومتعب بالنسبة للطلاب متوسطي المستوى وهم الأغلبية، فليس لديهم الوقت الكافي للعب وبقية أنشطة الطفولة التي يستحقونها والتي تعلمهم هي أيضًا.
  • مع انفتاح فضاء الإنترنت وكثرة (الإبداعات) من المعلمين والمعلمات ومجموعات الواتساب والتليجرام والمنتديات وكل مواقع التواصل التي يتوفر فيها الكثير من أوراق العمل والدروس النموذجية؛ يجب علينا كمعلمين أن نستفيد من هذه النماذج لننتج ما يحقق أهدافنا الخاصة بنا داخل الصف بما يناسب طلابنا الذين نرى تقدمهم ونقيس قدراتهم، أما عملية الطباعة والتوزيع بكثرة وبمبالغة وكلما أعجبنا شيء طبعناه ثم طلبناه من طلابنا كواجب فهذه مبالغة وإسراف يثقل كاهل الطالب وعائلته بالكم الذي يضيع معه الكيف، وعلينا أن نفكر في رحمة هؤلاء الصغار أكثر من تفكيرنا في كلام المشرف التربوي وتقييمه ، وعلى المشرفين التربويين أن يكونوا أكثر وعيًا وينشروا الوعي بأهمية التركيز على حب القراءة وبناء اتجاهات إيجابية نحو العلم والتعلم وأن المبالغة تنافي هذا.
  • الطالب يتعلم داخل الصف ونلقي عليه دروسًا بعد أن خططنا لها جيدًا وقدمناها باستراتيجية معينة، ثم نلاحظ تقدمه من خلال التغذية الراجعة لما قدمناه نحن (وليس ما يقوم به الأهل في البيوت) ثم بعد ذلك نحكم على جهدنا وعلى طريقتنا ونضع خطط العلاج بناءً على ما نلاحظه ونراه نحن ومع أهمية مشاركة البيت في التعليم، إلا أن ما يتعلمه الطفل في الصف هو الأهم مهما كان بسيطًا وهو مهنتنا التي من أجلها جاء هذا الطفل من بيته، كما لا ينبغي علينا أن نعوّل على البيت كثيرًا وذلك لأن الأصل في البيت (بالنسبة للطفل) ليس مكانًا للدراسة ولكن قد يعطي الدراسة بعض الوقت بحل واجب مختصر يناسب عمره.
  •  الواجب المدرسي التقليدي الذي نعرفه هو أن يقول المعلم في نهاية الحصة "خذوا باقي التمرينات واجب" أو "اكتبوا الدرس واجب" ثم في اليوم التالي يسألهم "من الذي لم يحل الواجب؟) ... وإلى آخره من الروتين الذي يكون الهدف منه أن يدرس الطفل ويتعلم ويستفيد، حسب رأي المعلم الذي يعطي الواجب بهذه الطريقة، ولكن بهذه الطريقة قد (نكرّه) الطفل وأم الطفل في المدرسة وفي العلم والتعلم ... فإذا أردنا أن يكون الواجب ممتعًا ومفيدًا يجب أن يكون قصيرًا قدر المستطاع ومناسبًا لسن الطفل بحيث يساعده على استذكار ما تعلمه دون أن يكلف عليه.
  • الأستاذ توفيق الشماسي ضرب لي مثالًا بالمصباح الكهربائي الذي يعمل على 12 فولت لو شغلناه على 50 فولت -مثلًا- فسيعمل وبإضاءة أقوى لكن بعد وقت بسيط سيحترق، كذلك الطالب يمل يسأم ويحترق!!
  • هوّن على نفسك عزيزي المعلم عزيزتي المعلمة فهلك المتنطعون والأجر يكون بالاجتهاد ويكون بالراحة وأخذ الأمور بحكمة، كما أن التدرج سنة كونية وبالمنطق التوسط والاستمرارية أكثر فائدة من الإكثار والإجهاد المنفر.

    لا ينبغي أن تتحول البيوت إلى صفوف دراسة واستنفار وعراك وليس كل الأمهات كما تظنون هناك المشغول وهناك الأمي وهناك المريض.