أين ربّات البيوت؟!

ما من امرئ إلا ويحمل اليوم هاتفه الذكي، في المطاعم، في المصاعد، في النزهات، في الجامعات وفي الجلسات العائلية... يكاد الهاتف الذكي وما يحمله من معلومات وصور وفيديوهات يذهب بالعقول.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

وإذا كان للأطفال نصيب من التعامل مع الهاتف الذكي، وللكبار حظ من ذلك، فإن فئة الشباب التي تتفتح على عالم المسؤولية والتي تتشكل هويتها الثقافية والاجتماعية، هي أكثر المتمسكين بالهواتف الذكية التي صارت كل شيء في حياتهم، لا يأكلون إلا معها، ولا يخلدون للنوم إلا بعد تصفح كل ما فيها، ولا يجلسون مع ذويهم إلا وهي في أيديهم.. فهل تشكل الهواتف الذكية كارثة فعلية باتت تحيط بالشباب وتعرضهم لآفات صحية واجتماعية وأسرية وثقافية لا تحمد عقباها؟

آثار نفسية

أثبت الدراسات أن هناك علاقة بين وسائل التواصل الاجتماعي وعوارض الاكتئاب لدى الشباب، فهي تدفعهم للمقارنة بينهم وبين غيرهم من الشباب. هذا ما يراه الطبيب الأمريكي الشهير من أصول هندية «فيفيك مورثي» مؤلف كتاب «معاً»، حيث يتحدث عن أهمية التواصل البشري والتأثير السلبي للعزلة في الصحة عموماً وفي الصحة النفسية خصوصاً.

الإناث أكثر تأثراً من الذكور

أثبتت دراسة حديثة أجراها البروفسور «روسل فينر» من معهد صحة الطفل في لندن، أن كثرة استخدام البنات في مرحلة المراهقة لمواقع التواصل الاجتماعي، يعرضهن لاضطرابات نفسية بسبب تراجع ساعات النوم وقلة الحركة والتنمر الإلكتروني.

العبارة الشهيرة في قصص الأطفال «مرآتي يا مرآتي قولي لي هل أنا جميلة» اتخذت اليوم مع مواقع التواصل الاجتماعي منحى آخراً، فالبنات يلتقطن صوراً وفيديوهات لأنفسهن وحين لا يحصدن عدداً كبيراً من الإعجابات، أو حين يتلقين تعليقات سلبية، يقعن في فخ الاكتئاب بسبب تراجع ثقتهن بأنفسهن التي باتت قواعدها بيد المتابعين والمتابعات. وصارت الفتاة الجميلة لا تقتنع بالمرآة وإنما بالتعليقات ونظرة الآخرين إليها.

شواهد من الواقع

تستيقظ نور، البالغة من العمر أربعة عشر عاماً، عند الساعة الثانية ليلاً لتستعرض في هاتفها ما علق به المتابعون على الفيديو الذي نشرته مؤخراً، وجعلته أقرب ما يكون إلى ما تتمنى أن تكون عليه، تقول نور«في الفيديو الذي صنعته فتاة كاملة، وكلما حصدت إعجابات وتعليقات إيجابية شعرت بالفخر وبأنني ازددت جمالاً ورشاقة وأنوثة».

وبعيداً عن الغش سواء كان قليلاً أم كثيراً أم واصلاً إلى حد الجنون، تضيف نور «أعشق الفلترة، فبها أخفي بثور حب الشباب، وأعمل قليلاً على استدارة وجهي وأردافي، حلمي أن تكون شفتاي ممتلئتين، هذا ما تفعله الكثيرات ولا يحتاج سوى إلى حقن بسيط».

نور ليست سوى نموذج لما تفعله الفتيات اللاتي ترسخت لديهن مفاهيم قد تكون مدمرة في أغلب الأحيان على مواقع التواصل.

تأثير في الصحة والجمال

عندما أصبحت أمل في الثالثة عشرة من عمرها بدأت استخدام الأقنعة التي تعالج البشرة وتجعلها أكثر نضارة، مع أن بشرتها طفولية وشفافة ونقية، ولكنها بعد بضع سنين، صارت تستخدم الكريمات والأقنعة التي يقال على الإنترنت إنها تعالج حب الشباب والتجاعيد!

أين ربات البيوت؟

اليوتيوب، الإنستغرام، الفيسبوك، تيك توك.. وماذا أيضاً؟ كلها باتت مدارس تعلم فتيات جيل اليوم بأساليب متعددة بعيدة كل البعد عن أسلوب الأمهات اللاتي صار دورهن في البيت لا يتعدى إبداء الملاحظات والنصائح التي تجابه أحياناً كثيرة بالرفض التام من قبل بناتهن.

من الذي يعلم الطهو اليوم؟ من الذي يدرب الفتاة على أن تكون ربة أسرة جيدة وأماً مثالية؟ من الذي يعد الفتاة لمواجهة تحديات الحياة في العمل وفي المجتمع؟ من الذي يحذرها من شرور الجنس الآخر الذي يتصيد كل من ليس لديها خبرة في الحياة؟ مع الأسف لم تعد الأم هي البوصلة التي توجه الفتاة نحو مستقبل واعد، فالفتاة اليوم لا تكتفي بتربية نفسها بنفسها، إنما تتلقى التعليمات والنصائح من مواقع التواصل، فتدخل في دائرة الاكتئاب والاضطرابات النفسية الأخرى، التي تنعكس على شخصيتها وقد تدمر مستقبلها العاطفي والاجتماعي عندما تتلقى الصفعة التي توقظها، هذا إن حدث ذلك، من الواقع الذي يختلف كل الاختلاف عن العالم الافتراضي وما فيه من تشوهات وخزعبلات.