هل يؤثّر الاختلاط بين الجنسين على المجتمعات الإسلامية؟

تنصُّ الشريعةُ الإسلامية على ضرورةِ الحفاظ على الحياءِ والاحتشام بين الجنسين، حيث نصَّ القرآن بشكلٍ واضح وصريح على وجوبِ ستر المرأةِ لجسمها وزينتها، وبالتالي لا يجوزُ لها مطلقاً الانكشافُ أمام الناظر الأجنبي.

يقول تعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).

والآية نصٌّ صريحٌ على وجوب احتجابِ المرأة من جميع الرجالِ ما عدا زوجها وأبيها وأخيها وابنها إلى آخر ما بينته الآيةُ من مستثنيات.

ومن الآياتِ التي تؤكّدُ ضرورةَ احتجاب المرأة عن الأجانب بشكل مطلقٍ هي قولهُ تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنّ)، فالآية اوجبت على من يتعاملُ مع النساء أن يكون التعامل معهن من وراء حجاب، وبالتالي لا يجوز سؤالهنّ والتحدثُ معهنّ من دون أن يكون هناك ساتر يسترهنّ عن السائل، ومع أنّ كلمة الحجاب في الآية تشملُ الحجابَ الطبيعيّ مثل الجدار كما تشملُ أيضاً الحجابَ من القماش، إلا أنّ البعض حاول أن يخصّصَ الحجابَ في الآية بالحجاب الطبيعي فقط، وإذا سلمنا بذلك فإنّ القدر المتيقنَ من الآية يكفي في إثباتِ حرمة النظر للمرأة بشكلٍ مباشر ومن دون حاجبٍ يمنع من الرؤية.

ومع أنّ الشارع لم ينصّ على حرمة الاختلاط بشكلٍ مباشر إلا أنّ الأصلَ هو الابتعادُ عن كلّ ما يثيرُ الشهوة والاغراء، وعليه كلّ اختلاطٍ لا يراعى فيه الحدود والاحكامُ الشرعية التي تنظم علاقة الرجالِ والنساء يدخلُ في دائرةِ الحرمةِ الشرعية، ففي سؤالٍ موجّهٍ للسيّد السيستاني حولَ الدراسة في الجامعات أو العمل في وظائف مختلطة يجيب بقوله: " لا يجوز إذا كان الاختلاط يؤدّي إلى الإخلال بشيءٍ ممّا هو وظيفة المرأة تجاه الرجل الأجنبي أو العكس سواء من جهة رعاية التستّر والعفاف أو غير ذلك، ولا بأس مع الأمن من ذلك على كراهة"، فلا مانع من اجتماع الرجال والنساء في الأماكن التي تسمحُ بها الشريعة مع الاحتفاظ بالحدودِ الشرعية واحترام القيم والتقاليد الدينية، فالاختلاط السليمُ بين الجنسين في بعض السياقاتِ مفيدٌ ومؤثرٌ في بناء المجتمع وتعزيز التفاهم والتعاون بين الأفراد.

وفي المحصلةِ يجبُ أن يكون هناك توعيةٌ ووعي بين الرجال والنساءِ حول ضرورة الحفاظ على حياءِ الذات واحترام الآخرين، وعدم التصرفِ بطرق قد تسببُ إثارة الشهوة أو الإغراء، فالاختلاط في نظر الإسلام يعتمدُ على سياقاته وظروفه، والهدفُ العام هو بناء مجتمع متوازنٍ يعملُ على تعزيز التعاون والتفاهم بين الرجال والنساء في حدودِ القيم والأخلاق الإسلامية.

وما يؤسفُ له أنّ المجتمعاتِ الإسلامية اليوم تأثرت بشكلٍ كبير بنمط الحياة الغربية، فعندما انهارت الحدودُ الفاصلة بين الرجال والنساء انهارت كلّ القيم الأخلاقية، ممّا أدى إلى فقدان التوازن والاحترام بين الجنسين وانتشار ظاهرة التحرّرِ الجنسي والاستهانةِ بقدسية الحياة الأسرية والمجتمعية.

وعليه تحتاجُ المجتمعات الإسلامية إلى إعادة النظر في القيم الأخلاقية الإسلامية وإحياءِ التعاليم الدينية التي تحثّ على الحياء والعفة والاحتشام، وذلك من خلال تعزيز التوعية والتربية الإسلامية السليمة بين الشباب والشابات بشأن أهميّة الحياءِ والاحترام في التعامل مع الجنس الآخر وفي الحفاظ على القيم الأخلاقية الإسلامية.