نار مجنونة: ثمانية أسباب وراء ’ سوء الخلق’ بين الزوجين

إن سوء الخلق والفظاظة في التعامل وعدم تحمل الآخرين يقف وراء الكثير من المشاكل والنزاعات التي تعصف بالحياة الأسرية، بل يمكن القول بأنها نار مجنونة تلتهم الأخضر واليابس وتحوله إلى هشيم تذروه الرياح.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

لقد أثبتت الدراسات إن سوء الخلق والإساءة في التعامل وعدم التحمل يؤدي إلى الشيخوخة حيث يغزوه الشيب قبل وقته، كما أثبتت البحوث أيضا أن أكثر أمراض القلب وأمراض العصبية إنما تنشأ بسبب النزاعات وعدم التحمل، خاصة لدى الأزواج المغامرين، إضافة إلى أن الحياة تفقد معناها إذا تحولت إلى جحيم مستعرة بسبب هذه الأخلاق.

إن الأجواء المتشنجة والمتوترة التي يصنعها التعامل الفظ، والأساليب القمعية في الأسرة تعرض الأطفال إلى خطر كبير، حيث تتأثر نفوسهم الغضة ويصيبهم الدمار الذي لا يمكن إصلاحه، كما يفقدهم الشعور بالطمأنينة التي هي أكبر حاجة لتنشئة الطفل نشأة سليمة، هذا إذا لم يحدث الانفصال الذي يعرض الأطفال إلى أخطار حقيقية مدمرة، وقد يسلمهم إلى الضياع والشوارع والليل.

للبحث في الأسباب التي تكمن وراء ما ذكرنا يمكن الإشارة إلى ما يلي:

1 - غياب التفاهم:

إن غياب التفاهم بين الزوجين وعدم إدراكهما الضوابط التي ينبغي مراعاتها في التعامل يؤدي إلى ظهور المشاكل العديدة ونشوء النزاع، ذلك أن التفاهم هو الذي يهئ الأرضية اللازمة للبحث في الكثير من الأمور ذات الاهتمام المشترك. وتعدد أسباب عدم التفاهم والانسجام، فمنها ما يعود إلى الاختلاف الفاحش في السن والتجربة والخبرة في الحياة، ومنها ما يعود إلى اختلاف الأذواق بشكل يؤدي إلى التصادم العنيف. ومما يبعث على الأسف أن الزوجين - وبعد مضي شهور عديدة أو سنوات على حياتهما المشتركة - قد أخفقا في إدراك بعضهما البعض بشكل يمكن فيه تلافي الكثير من المشكل ببعض التحمل والمداراة.

2 - الفوضى في الحياة:

هناك الكثير من الأفراد ممن يهتمون بالنظام إلى حد يتحول فيه ذلك إلى هاجسهم الوحيد، فأقل إخلال يدفعهم إلى الثورة والعصبية.

وفي مثل هكذا حالة ماذا يمكن أن يحدث لو عاد الرجل - مثلا - إلى منزله وهو يتصور أن كل شيء على ما يرام، وإذا به يرى الفوضى تعم كل شيء فلا يجد حتى مكانا يستبدل فيه ثيابه.

ربما يعتبر البعض أن الأمر ليس بهذه الخطورة ولكن الحقيقة تقول عكس ذلك، إن ذلك يبعث المرارة في قلب الرجل، بل ويهيئ ظروف تفجر نزاع لا تحمد عقباه.

3 - الإجهاد في العمل:

ما أكثر الأشخاص الذين نراهم يثورون لأتفه الأسباب، وعندما نحاول البحث عن العلة في ذلك نجد أن العمل المتواصل والإرهاق قد أضعف أعصابهم وأفقدهم القدرة على التحمل، فإذا بهم يهاجمون أزواجهم بشراسة ودون رحمة دون سبب وجيه ولو في الظاهر.

وقد نرى هذه الظاهرة حتى لدى النساء من اللواتي يصل عملهن داخل المنزل حدا وسواسيا رهيبا يجعلهن في النهاية جنائز - إذا صح التعبير - حيث يفقدن القدرة على التعامل مع أزواجهن بلباقة وأدب.

إننا نوصي الأزواج - نساء ورجالا - في اتخاذ جانب الاعتدال في العمل والحفاظ على الحدود التي تكفل التوازن المنشود.

4 - الاضطراب الفكري:

قد نجد أفرادا يعانون من اضطرابات فكرية ومن تشوش ذهني تعصف في رؤوسهم عشرات المسائل والمشاكل والهموم.

إن هذه المشاكل وما يتبعها من وسوسة فكرية تجعلهم سريعي الإثارة قليلي التحمل شديدي العناد، ولذا فإنهم ينفجرون لأقل اصطدام مما يدفعهم إلى إفراغ ما في أعماقهم من ثورة وغضب.

5 - عوامل خارجية:

قد ينشأ النزاع في الأسرة بسبب عوامل خارجية، فمثلا يعمل الزوج في مكان ما ثم يحصل له نزاع مع زملائه في العمل مما يخلف في نفسه شعورا بالمرارة يدفعه إلى إفراغ غضبه في محيط أسرته لسبب أو غير سبب.

أو نجد إحدى السيدات تتطلع إلى حياة جارتها المرفهة فلا تملك نفسها، حيث تتولد في أعماقها الحسرة التي تعبر عن نفسها أحيانا بالتشكي والبكاء.

ولعل الشباب يدركون مدى وضاعة مثل هذه التصرفات عندما يواجه أحدهم مشكلة في الخارج فينطوي على نفسه، فإذا عاد إلى منزله يحاول إفراغ همه وصب غضبه على أفراد لا ذنب لهم في ذلك.

6 - عدم التحمل:

قد يفقد المرء صبره أمام أسئلة توجهها زوجته إليه فيثور في وجهها، قد تكون تلك الأسئلة بريئة ولكنه ينزعج منها ويصرخ: لماذا لا تكفي عني.. دعيني وشأني.

وقد تنجم المشاكل بسبب نوايا حسنة تماما، مثلا ينتظر الزوج طعاما ولكن الزوجة، ومن أجل إعداد طعام لذيذ، تتأخر قليلا، عندها يثور الزوج فيقيم الدنيا ولا يقعدها، وربما يكون المرض علة وراء عدم التحمل أيضا، حيث تتأمل الزوجة في ملامح زوجها وتتساءل خائفة: لماذا وجهك مصفر.. أو لماذا تبدو هكذا؟ فيتأفف الزوج ثم سرعان ما يثور معبرا عن استيائه وغضبه من تلك الأسئلة التافهة.

7 - انعدام التوازن النفسي:

نصادف بعض الأحيان أزواجا يفقدون التوازن النفسي، الأمر الذي يجعلهم مهزومين نفسيا، كما أن بعضهم يعاني من إحساس بالصغار والذلة، ولذا فهم يفرغون عقدهم تلك في محيط أسرهم، فترى أزواجهم وأولادهم يعانون الأمرين في ذلك، وقد يعاني بعضهم من هوس نفسي يفقدهم حالة الاستقرار الروحي المطلوب فيصبون غضبهم على هذا وذاك، كما نجد البعض مصابا بنوع من السادية حيث يتلذذ بتعذيب الآخرين من خلال السخرية بهم، فإذا لم يمكنهم ذلك مع الناس أفرغوا عقدهم تلك داخل البيت على أسرهم.

ولا شك أن ما ذكرناه هو حالات مرضية تستدعي العلاج، غير أن المشكلة تكمن في أن أولئك لا يدركون أنهم يعانون من حالة مرضية، وإلى أن يفهموا ذلك يكون الوقت قد فات.

8 - غياب المداراة:

وأخيرا: فإن عدم اعتماد المداراة في التعامل واحترام مشاعر الآخرين يؤدي إلى نشوب الكثير من المنازعات التي يمكن تجنبها بشيء من اللباقة.

*مقتطف من كتاب الأسرة وقضايا الزواج لـ "علي القائمي"