كيف تتعامل مع أب وأم ظالمين؟!

أعلم أن الله أوصى بالوالدين إحسانا وأن سخطهم من سخط الله ولكن كيف أعامل والداي الذين يرون أبناءهم كمشروع للاستثمار المال وليس أبناء؟

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

أعلم أن كلامي قد ترونه صعب التصديق ولكن بكل أسف أنا أعيشه لقد عانيت معهم منذ صغري، فأنا فتاة ملتزمة ولكن أمي تريدني أن أنزع حجابي وأن اخرج متبرجة وتريدني أن أعمل في أي عمل كيف ما كان، لا يهمها سوى جلب المال وكذلك هو الأب ولكنني أرفض دائما ومتشبثة بديني حتى عندما جاء شاب صالح لخطبتي عندما علموا أنه متوسط الحال افتعلوا جميع وسائل لفسخ الخطبة ولم يعلموا أن الله قال في كتابه: (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) ومع كل هذا لا زلت أحاول أن أبر بهم وأعاملهم بإحسان دون المس بديني ومع ذلك يدعون علي ويشتمونني بكلمات أستحي من كتابتها لكم دائما ما أدعو أن يسر لي الله أمر زواجي لكي ابتعد فإنني لم يعد بإمكاني التحمل وأكتب كلماتي وأبكي حزنا على ما أعانيه وكم من مرة تمنيت الموت فقد لم يعد بإمكاني التحمل ولا أعلم ماذا أفعل؟ أرجوكم انصحوني ماذا أفعل؟

أولا:

مما لا شك فيه أن مثل هذه المعاملة من الوالدين -أصلحهما الله- مخالفة لما أمر الله به في معاملة الأبناء، ذلك بأن إجبار الأبناء على فعل أشياء لا يرغبون بها، وعدم تقدير الآباء للمشاعر والآراء، يولد شعورا شديدا بالاضطهاد في قلوب الأبناء، ثم يتحول لشعور بالغيظ والبغضاء، يترتب عليه رغبة في الانتقام والبعد والجفاء!

ونحن، بلا شك، نتفهم ما تعانيه مع والديكِ، ونسأل الله أن يربط على قلبكِ، وأن يجزيكِ خير الجزاء على مقابلة ظلمهما لكِ، بالبر والصبر على الأذى، وعلى إحسانكِ إليهما، مقابل إساءتهما لكِ، فهذا من أعلى درجات البر وخيرها عند الله.

وهذا هو أدب الله لعباده، في معاملة آبائهم وأمهاتهم، قال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) لقمان/14-15.

فقوله تعالى: (فَلَا تُطِعْهُمَا) فيه النهي عن طاعة الوالدين في معصية رب العالمين، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: "لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ".

وقوله تعالى: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) فيه الأمر بالإحسان إليهما، مقابل إساءتهما، والصبر على أذاهما والحلم عليهما.

عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلة وَسَلَّمَ قَالَ: ان المكافئ ليس بالواصل انما الواصل من إذا قطعه رحمه وصلها فصل رحمك يزد الله في عمرك ويخفف عنك الحساب.

وقد أمر الله تعالى بخفض جناح الذل لهما، بلين الكلام، والتذلل في الملام، وخفض الصوت عندهما، وخشوع الجوارح أمامهما، وعدم نهرهما بفعل ما يكرهاه، أو التمنع عن مباح أحباه! قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) (الإسراء).

ثانيا:

ليس الأمر ببر الوالدين، والإحسان إليهما، بمانع من مدافعة الولد عن نفسه، أمام أذاهما أو أساءتهما، وليس بمانع من مناقشة الوالدين فيما يطلبانه، أو يأمران به، مما هو مخالف لأدب الشرع، أو فيه معصية ظاهرة، أو كان فيه أذى للولد، أو ضرر بمصلحته، لا تعارض بين البر، وبين ذلك كله، شريطة أن يكون طلب ذلك بإحسان، ومراعاة لمقام الوالدين.

وقد قص الله تعالى علينا في كتابه، قصة إبراهيم عليه السلام، مع أبيه آزر، وكيف أنه حاوره، ونصحه، وأرشده، حتى إذا أيس من هدايته، وتحقق أنه لا أمل في صلاحه، تركه، وهجره هجرا جميلا، قال تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا * قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا * قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ) مريم/41-47.

ثالثا:

وللتخفيف من حدة مشاعركِ السلبية تجاه الوالدين ينبغي أن يُعلم أن كل معاملة سلبية يقوم بها الوالدان، لها من النظر محلان:

محل متعلق بعين الشرع، يدفعكِ لنصحهما وبيان خطئهما، متى أمكنك ذلك، ودفعهما عن ظلمهما لنفسهما أو لغيرهما، متى أمكنك ذلك أيضا.

ومحل متعلق بعين القدر، يدفعكِ للإشفاق عليهما ورحمتهما والدعاء لهما، وشكر الله على المعافاة مما ابتلاه بهما، فالنظر للوالدين أصلحهما الله بعين الإشفاق يخفف كثيرا من حدة الرغبة في الانتقام ومظاهر الشقاق، ويدفعكِ إلى رحمتها والدعاء لها وشكر الله على معافاتك من سلبياتها، وهذا في ذاته مصلح لقلبك، وداعم لصبرك، لما فيه من تحويل المشاعر السلبية الضارة إلى مشاعر إيجابية نافعة، ولما فيه كذلك من تحويل الصورة الذهنية لشخصية الوالدين القوية الباغية، إلى صورة ضعيفة مثيرة للشفقة.

ومما يساهم كذلك في التخلص من هذه الرغبة الغَضَبية، التأمل في ما ورد في كتاب الله من وصف المتقين، والثناء عليهم بحبس الغيظ بالكظم، وحبس الانتقام بالعفو، قال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) آل عمران/ 134

رابعا:

وأما تمني الموت، لأجل ما أنت فيه من الكرب والبلاء: فهو محرم ممنوع، نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، بل اصبري ولكِ الاجر عند الله فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا أَعْجَبَكُمْ إنَّ المؤمن إذا أصاب خيراً حَمِدَ الله وشكر، وإذا أصابته مصيبة حَمِدَ الله وصبر".

*مواقع إلكترونية